تقرير: سعر النفط مدخل الانكماش العالمي للاقتصاد السعودي
حدد تقرير اقتصادي حديث عنصرين رئيسيين يمكن أن يتأثر بهما الاقتصاد السعودي بفعل تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وبالتالي تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وقال التقرير الذي أصدرته "جدوى للاستثمار" تحت عنوان "تداعيات ضعف الاقتصاد العالمي على السعودية" إن القناة الرئيسية التي تنعكس من خلالها أوضاع الاقتصاد العالمي على اقتصاد المملكة هي سعر النفط، حيث يؤدي تباطؤ النمو الاقتصادي إلى تراجع الطلب على النفط وبالتالي انخفاض أسعاره، أما القناة الاقتصادية الرئيسية الأخرى فتتمثل في الصادرات غير النفطية وهي منتجات البتروكيماويات والبلاستيك التي أخذت أسعارها تنخفض بسبب تباطؤ نمو الطلب عليها من جهة ونتيجة للزيادة الكبيرة في الطاقة الإنتاجية العالمية لهذه المواد من جهة أخرى.
ويرى التقرير أن سوق الأسهم السعودية والتي كانت علاقتها عكسية بالأسواق العالمية إلى وقت قريب أصبحت الآن تتأثر باضطراباتها وتذبذباتها.
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
حدد تقرير اقتصادي حديث أصدرته "جدوى للاستثمار" تحت عنوان "تداعيات ضعف الاقتصاد العالمي على السعودية" عنصرين رئيسيين يمكن أن يتأثر بهما الاقتصاد السعودي بفعل تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وبالتالي تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وقال التقرير الذي أعده براد بورلاند رئيس الدائرة الاقتصادية والأبحاث في "جدوى للاستثمار", إن القناة الرئيسية التي تنعكس من خلالها أوضاع الاقتصاد العالمي على اقتصاد المملكة هي سعر النفط، حيث يؤدي تباطؤ النمو الاقتصادي إلى تراجع الطلب على النفط وبالتالي انخفاض أسعاره، أما القناة الاقتصادية الرئيسية الأخرى فتتمثل في الصادرات غير النفطية وهي منتجات البتروكيماويات والبلاستيك التي أخذت أسعارها تنخفض بسبب تباطؤ نمو الطلب عليها من جهة ونتيجة للزيادة الكبيرة في الطاقة الإنتاجية العالمية لهذه المواد من جهة أخرى. إلى التفاصيل:
تدهورت أحوال الاقتصاد العالمي بدرجة كبيرة، حيث بدا أن الاقتصاد الأمريكي وهو أكبر اقتصادات العالم قد توقف عن النمو بينما تترنح الاقتصادات العالمية الكبيرة الأخرى في الوقت الذي لجأت فيه البنوك إلى شطب مبالغ ضخمة من ديونها، فضلاً عن التذبذب غير العادي الذي أصاب أسواق المال. عليه يمكن القول إن مستقبل الاقتصاد يتسم بالغموض وبات واضحاً أن معدلات النمو العالمي ستتباطأ مقارنة بالمستويات القوية التي حققتها في السنوات الأخيرة.
وقد تأثرت المملكة بعض الشيء بانكماش الاقتصاد العالمي رغم أن معظم التأثير جاء من خلال القنوات المالية وليست العلاقات التجارية. وعلى خلاف النمط المعتاد أثناء فترات التباطؤ الاقتصادي فقد تواصل الارتفاع في أسعار النفط، إلا أننا نتوقع انخفاضها إلى مستويات ليس من شأنها تهديد الملامح الاقتصادية المستقبلية. ولا مرية أن الزخم الاقتصادي داخلياً من القوة بحيث إن أحوال الاقتصاد العالمي ربما تؤثر في وتيرة النمو لكن لن تعوقه بالتأكيد. ونتوقع أن تحافظ أسعار الأسهم السعودية على التقارب المستجد في علاقتها مع أسواق الأسهم العالمية، كما نرجح أن يتأثر أداء الشركات السعودية التي تجني معظم عائداتها من الخارج.
مشكلات الاقتصاد العالمي
عندما نظرنا للمرة الأولى إلى المشكلات الناجمة عن أزمة الرهونات العقارية الأمريكية وتأثيراتها في المملكة العربية السعودية لم نكن نعتقد أن الاقتصاد الأمريكي يتجه نحو حالة الانكماش. ولكن الأحوال تغيرت بدرجة كبيرة حيث كانت أسواق المساكن بحلول الربع الثالث من العام الماضي تعاني منذ فترة بينما تراجعت أسعار المنازل وتضاءلت الحصة الاستثمارية للمساكن كنسبة من الناتج الإجمالي الأمريكي. وتعزى تلك التغيرات بالدرجة الأولى إلى تزامن نهاية حقبة شهدت انخفاضاً كبيراً في أسعار الفائدة في أواخر عام 2004 مع توافر أعداد ضخمة من الوحدات السكنية.
وبانتشار بوادر أزمة الائتمان وظهور المزيد من حالات الانكشاف تعاظمت عمليات شطب الديون، حيث فاقت الديون المرتبطة بالرهون الرديئة التي شطبتها البنوك العالمية 175 مليار دولار بحلول منتصف آذار (مارس). وقد تراجعت أرباح البنوك الأمريكية إلى 5.8 مليار دولار في الربع الأخير من عام 2007 من مستوى 36.7 مليار دولار في الربع الثاني من العام (وهو أدنى مستوى لها منذ عام 2001) نتيجة لتأثير حالات الإعسار في سداد الديون وارتفاع التوقعات بالمزيد من الخسائر.
ما هو الانكماش؟
رغم أن مصطلح الانكماش من أكثر المصطلحات الاقتصادية شيوعاً إلا أنه لا يوجد تعريف واضح لماهية الانكماش. يعرِّف معظم الاقتصاديين الانكماش بأنه حدوث تراجع في الاقتصاد أو نمو سلبي في الناتج الإجمالي خلال فترتين ربع سنويتين متتاليتين. إلا أن هذا القياس لا يأخذ في حسبانه الفترات التي يتذبذب فيها النمو الاقتصادي حول الصفر لكنه لا يبقى تحته فترتين ربع سنويتين متتاليتين. ويأخذ المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وهو الجهة المسؤولة عن تحديد توقيت حدوث الانكماش الاقتصادي في الولايات المتحدة، في اعتباره قبل إصدار حكمه مستويات الدخل والوظائف والإنتاج الصناعي ومبيعات الجملة والتجزئة.
إن التحقق من دخول الاقتصاد في حالة الانكماش أو خروجه منها ليس بالأمر السهل، وذلك لأن البيانات الاقتصادية يتم تعديلها بانتظام. وكمثال على ذلك لم يكن بالإمكان تحديد آخر فترة انكماش شهدتها الولايات المتحدة بصورة قاطعة إلا بعد سنتين تقريباً من انتهائها. وعليه فليس من الممكن الجزم بأن الاقتصاد الأمريكي يشهد حالياً حالة انكماش، ولكن حتى وإن لم نتيقن من حدوث هذا الانكماش فمن المؤكد وجود تباطؤ كبير في النشاط الاقتصادي سينعكس تأثيره في كافة أنحاء العالم.
ثم انتقلت آثار العلل في قطاع المساكن إلى بقية مناحي الاقتصادي، حيث تشير تقديرات معهد الشركات الأمريكي American Enterprise Institute إلى أن انخفاض أسعار المساكن بنسبة 10 في المائة سيؤدي إلى تقليل الثروة في الولايات المتحدة بما قيمته 2.25 تريليون دولار (15 في المائة من إجمالي الناتج الإجمالي)؛ كما انخفض مؤشر كيس - شيلر القياسي لأسعار المساكن الأمريكية Case-Shiller Index بنسبة 10.7 في المائة سنوياً في كانون الثاني (يناير) الماضي مقارنة بشهر كانون الثاني (يناير) السابق. وقد ساهم تناقص قيمة ثروة المساكن في هبوط مبيعات التجزئة في شهرين من الأشهر الثلاثة الماضية كما تدنت ثقة المستهلك الأمريكي إلى أدنى مستوى لها منذ 16 عاماً. ويعد تراجع الوظائف لأول مرة منذ منتصف 2003 وهبوط ناتج قطاع الإنتاج والخدمات الصناعية وزيادة حالات العجز عن سداد القروض التجارية والصناعية بأسرع وتيرة لها منذ عام 2001 دلائل على دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة الانكماش.
وليس من الواضح ما الذي سيحدث لاحقاً للاقتصاد الأمريكي، إلا أن هناك إجماعاً على أن النمو سيرتفع في الربع الثالث نتيجة لانخفاض أسعار الفائدة (تحتاج قرارات خفض أسعار الفائدة فترة تسعة أشهر حتى تؤثر في الاقتصاد الحقيقي) وأيضاً بسبب تخصيص دعم مالي بقيمة 168 مليار دولار توفر تعويضاً ضريبياً قيمته 600 دولار لكل فرد دافع ضرائب و1200 دولار لكل زوجين. وبما أن الميزانيات العمومية للشركات لا تزال قوية في الوقت الذي تستفيد فيه الصادرات من ضعف الدولار فهناك بعض عناصر القوة الأساسية في الاقتصاد الأمريكي.
مما لا شك فيه أن تباطؤ الاقتصاد الأمريكي سينعكس على مختلف أنحاء العالم ولكن ليس هناك احتمال لانكماش عالمي حيث من شأن الأداء القوي للاقتصادات الناشئة الحفاظ على متوسط معدل النمو العالمي عند مستواه التاريخي البالغ 3.5 في المائة سنوياً. كما أن صندوق النقد الدولي يتنبأ حالياً بأن ينمو الاقتصاد العالمي بوتيرة جيدة عند مستوى 4.1 في المائة هذا العام.
وبالنسبة للدول الأوروبية واليابان فيرجح أن يضعف الأداء الاقتصادي فيها هذا العام لأن القطاع المالي يعاني من المشاكل التي نشأت في الولايات المتحدة بينما تراجعت مبيعات الشركات المصدرة بسبب ضعف الدولار، فضلاً عن أن المخاوف من الآثار التضخمية للأسعار المرتفعة للسلع حالت دون قيام البنوك المركزية بتخفيض أسعار الفائدة. لكن هذه الاقتصادات ليست مهددة بالانكماش رغم ذلك، حيث نجد أن قطاعي التمويل والمساكن في وضع أفضل مما هو عليه الحال في الولايات المتحدة، كما أن أداء الشركات والاستثمارات غير المالية يتواصل على الوتيرة نفسها.
تداعيات التباطؤ الاقتصادي على الاقتصاد السعودي
تمتع الاقتصاد السعودي خلال السنوات القليلة الماضية بقوة دفع داخلية كافية مما جعله في وضع قوي رغم ضعف التوقعات حول أداء الاقتصاد العالمي. ونتوقع أن يساهم ازدهار الاستثمارات التي ستستفيد من التمويل من عائدات النفط الضخمة التي تحققت في السنوات الأخيرة بالتضافر مع سياسات التحرير الاقتصادي المستمرة في إرساء قاعدة قوية لدعم النمو الذي يشهده القطاع غير النفطي. ومن شأن الأوضاع الاقتصادية العالمية التأثير في وتيرة النمو لكنها لن توقف مسيرته.
القناة الرئيسية التي تنعكس من خلالها أوضاع الاقتصاد العالمي على اقتصاد المملكة هي سعر النفط، حيث يؤدي تباطؤ النمو الاقتصادي إلى تراجع الطلب على النفط وبالتالي انخفاض أسعاره، وخير مثال على ذلك انخفاض أسعار النفط بنسبة 15 في المائة خلال انكماش الاقتصاد الأمريكي الأخير في عام 2001. أما هذه المرة فقد حدث العكس حيث قفزت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق متجاوزة حاجز 110 دولارات للبرميل في منتصف آذار (مارس) ومرتفعة على مستوى 70 دولار للبرميل الذي كانت قد بلغته منتصف العام الماضي بالرغم من تباطؤ الاقتصاد الأمريكي.
لقد ارتفعت أسعار النفط خلال السنوات القليلة الماضية بسبب زيادة الطلب بمعدل أعلى من الزيادة في العرض. وعلى الرغم مما يحدث في الولايات المتحدة فمن المتوقع أن يفوق نمو الطلب نمو العرض مرة أخرى هذا العام بسبب انتعاش الاقتصادات الناشئة (يتوقع أن تكون الصين والشرق الأوسط هما أكبر المساهمين في نمو الطلب). ويقتضي معدل نمو اقتصادي عالمي يبلغ 3.5 في المائة سنوياً زيادة المتوسط السنوي للطلب العالمي على النفط بمقدار نحو مليون برميل يومياً. وقد تلقت أسعار النفط في الآونة الأخيرة دعماً إضافياً من صناديق الاستثمار التي تبحث عن ملاذ آمن نسبياً هروباً من اضطراب أسواق الأسهم وانخفاض قيمة الدولار.
نعتقد أنه لا توجد مبررات قوية لارتفاع أسعار النفط بما يقارب 20 في المائة منذ نهاية كانون الثاني (يناير)، لذا نتوقع تراجعها تمشياً مع انخفاض حجم الطلب. وبناء على توقعاتنا بأن يبلغ متوسط سعر خام غرب تكساس القياسي 76 دولارا للبرميل هذا العام (ما يعادل 72 دولارا للبرميل من الخام السعودي)، حيث سجل 96 دولارا للبرميل حتى اليوم من هذا العام، يتعين أن يراوح متوسط السعر للفترة المتبقية من العام عند مستوى 70 دولارا للبرميل حتى يتحقق المتوسط السنوي المذكور. وبما أن الميزانية السعودية قد صيغت على أساس متوسط سعر للخام يبلغ 45 دولارا للبرميل فإن الانخفاض المتوقع في أسعار النفط لن يؤثر كثيراً في ميزانية الدولة أو الاحتياطيات الأجنبية.
وعلى الأرجح ستبقى أسعار النفط مرتفعة رغماً عن توقعاتنا بفترة طويلة من التباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي، وذلك لأن كميات النفط الجديدة المتوقع إضافتها إلى العرض ستكون في الغالب محدودة. لقد أدى النقص في القوى البشرية الماهرة وضعف التقنية وارتفاع تكاليف الإنتاج إلى تأخر بعض المشاريع النفطية، مما أدى إلى تدن متواصل في التوقعات بشأن الطاقات الإنتاجية المرتقبة وخاصة من خارج دول أوبك. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية نمو إجمالي العرض من خارج دول منظمة أوبك بواقع 2.5 مليون برميل يومياً خلال الفترة من 2008 إلى 2010، أي ما يزيد قليلاً على نصف الزيادة المتوقعة في الطلب خلال الفترة نفسها.
أما القناة الاقتصادية الرئيسية الأخرى التي سيؤثر من خلالها ضعف الاقتصاد العالمي على المملكة فتتمثل في الصادرات غير النفطية وهي منتجات البتروكيماويات والبلاستيك التي أخذت أسعارها تنخفض بسبب تباطؤ نمو الطلب عليها من جهة ونتيجة للزيادة الكبيرة في الطاقة الإنتاجية العالمية لهذه المواد من جهة أخرى. ولكن برغم ذلك ستبقى أسعار تلك المنتجات أعلى بكثير من متوسط أسعارها التي ظلت عليها لفترة طويلة، فضلاً عن أن التكاليف المنخفضة للمواد اللّقيم تعني أن الشركات السعودية المنتجة تستطيع بسهولة التأقلم مع انخفاض أسعار تلك الصادرات. ونعتقد أن تأثير انخفاض أسعار تلك الصادرات على الاقتصاد السعودي يمكن معالجته بسهولة نسبة لأن الصادرات غير النفطية لا تمثل أكثر من 10 في المائة من إجمالي الصادرات.
تعد التداعيات المالية غير المباشرة جراء ضعف الاقتصاد الأمريكي الأكثر انعكاساً على المملكة، وأهمها اضطرار مؤسسة النقد (البنك المركزي السعودي) لتعقب خطوات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي واللجوء إلى خفض أسعار الفائدة بسبب ارتباط سعر صرف الريال بالدولار. وقد قامت مؤسسة النقد منذ أيلول (سبتمبر) بخفض سعر فائدة الشراء العكسي (سعر الفائدة الذي تدفعه مؤسسة النقد على إيداعات البنوك التجارية) بواقع 275 نقطة أساس في ست مناسبات، مما ساهم في نمو عرض النقود وهو إجراء يتناقض مع ما يحتاج إليه اقتصاد يواجه تضخماً متزايداً، وأدى كذلك إلى التشكك بشأن جدوى سياسة الربط كما شجّع المضاربة على ارتفاع قيمة الريال.
ورغم خفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة إلى مستوى 2.25 في المائة لا تزال هناك فرصة للمزيد من الخفض (الحد الأدنى لآخر سلسلة خفض لسعر الفائدة الأمريكي كانت 1 في المائة) إلا أن المخاوف بشأن التضخم ستحد على الأرجح من هامش المناورة المتاح لـ "الاحتياطي الفيدرالي" لمثل ذلك الخفض. ونتيجة لارتفاع التوقعات بشأن التضخم بسبب ارتفاع أسعار السلع وضعف الدولار، ترجح التوقعات أن تنخفض أسعار الفائدة بواقع 50 - 75 نقطة أساس دون مستوياتها الحالية ما لم تحدث هزة رئيسية أخرى داخل النظام المصرفي.
ونتوقع أن تستمر مؤسسة النقد في خفض أسعار فائدة الشراء العكسي لديها تبعاً لخطوات "الاحتياطي الفيدرالي" كما نتوقع لجوءها إلى رفع معدل الاحتياطي النظامي الذي تفرضه على البنوك فوق مستواه الحالي البالغ 10 في المائة بهدف كبح مستوى الإقراض في البنوك وامتصاص بعض آثار التضخم، وإن كان هذان الإجراءان وحدهما ليسا كافيين لاحتواء التضخم. كذلك نتوقع تواصل الضغوط على الريال.
لقد أعلنت الحكومة السعودية بوضوح أنها ملتزمة بسياسة الربط ولن تفكّر في فك هذا الارتباط إلا في حالة حدوث انخفاض مريع في قيمة الدولار. ودون ريب فقد تراجعت قيمة الدولار على نحو واضح خلال الشهر الماضي (وصل الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى له على الإطلاق مقابل اليورو وأدنى مستوى له خلال 13 عاماً مقابل الين)، إلا أننا نعتقد أنه لم يصل بعد إلى المستوى الذي يمكن أن تفكّر عنده مؤسسة النقد بجدية في التغيير. ظاهرياً تشير الدلائل إلى احتمال المزيد من الانخفاض في قيمة الدولار، إلا أننا نعتقد أن بنوكا مركزية أخرى ستتدخل في السوق قبل هبوط الدولار إلى المستوى الذي لا تتقبله مؤسسة النقد.
لم تؤد أسعار الفائدة المتدنية إلى تخلي البنوك عن الحذر الشديد الذي تنتهجه عند صياغة خططها التمويلية للمشروعات. وقد خفضت البنوك من درجة انكشافها، لكن تكلفة التمويل المطلوب للمشاريع الرئيسية في المملكة ستظل مرتفعة رغم حالة عدم الوضوح التي تنتاب القطاع المصرفي. ورغم السيولة المرتفعة نسبياً للبنوك المحلية وعدم تأثرها كثيراً بالمشكلات التي ضربت العديد من نظيراتها العالمية إلا أنها لا تمتلك القدرة على استيفاء حجم التمويل المطلوب حالياً. ومن شأن ارتفاع تكاليف التمويل مقروناً بارتفاع تكاليف المدخلات ونقص العمالة الماهرة أن يؤدي إلى تأخير تنفيذ بعض المشاريع بل تأجيلها في نهاية الأمر. ولا يتعين تأثر تنفيذ المشاريع الحكومية لأنها قادرة على تمويل مشاريعها بكل سهولة من مواردها الذاتية.
ومن الوارد أن تتأثر تدفقات الاستثمارات الأجنبية نحو المملكة نتيجة لانكماش الاقتصاد العالمي ولكن نستبعد أن يكون ذلك التأثير كبيراً. وتفيد بيانات الهيئة العامة للاستثمار أن تدفقات الاستثمارات الأجنبية بلغت 14.3 مليار دولار في عام 2006 شكلت الاستثمارات الأمريكية والأوروبية الغربية واليابانية 68 في المائة من إجماليها، وكانت أكثر من 60 في المائة منها في قطاعات الغاز والبتروكيماويات وتكرير النفط وهي قطاعات ستبقى تنافسية بدرجة عالية على مستوى عالمي وستظل بالتالي جاذبة للمستثمرين الأجانب. واقتطع قطاعا المرافق والعقارات ما يعادل 15 في المائة من تلك الاستثمارات حيث نتوقع أن يدعم الطلب المحلي القوي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المستمرة إليهما.
وهناك عامل إيجابي لضعف الاقتصاد في أمريكا واضطراب القطاع المصرفي فيها يتمثل في الفرصة للمستثمرين السعوديين والخليجيين الذين يملكون سيولة ضخمة، حيث شرعت بعض المؤسسات من المنطقة بالفعل في اغتنام الفرصة السانحة فقامت بشراء حصص في بنوك أمريكية كبيرة. وهناك العديد من الأصول الدولية تراوح بين العقارات وشركات المساهمة يتم تداولها بأسعار تعد الأفضل لها على الإطلاق وتمثل فرصاً سانحة للمستثمرين الخليجيين الذين تتوافر لديهم سيولة عالية. ونرجح أن هناك صفقات أخرى قادمة، خصوصاً أن هؤلاء المستثمرين ليسوا في حاجة للاقتراض لتمويل استثماراتهم.
تداعيات التباطؤ الاقتصادي على سوق الأسهم
من الواضح أن سوق الأسهم السعودية ليست محصنة بالكامل ضد ما يحدث في الأسواق العالمية. ورغم أن علاقتها مع أسواق الأسهم العالمية كانت عكسيةًً حتى وقت قريب إلا أن تحركات السوق في الأشهر الأخيرة أضحت أكثر ارتباطاً وصارت أسعار الأسهم السعودية تتفاعل عندما يكون هناك هبوط كبير في الأسعار في الأسواق العالمية. وعلاوة على ذلك فقد أدت المخاوف بشأن أداء الأسواق العالمية إلى تراجع كبير في كمية الأسهم المتداولة حيث بلغ متوسط الكمية المتداولة يومياً لشهر آذار (مارس) 190 مليون سهم، أي ما يعادل فقط 80 في المائة من المتوسط السنوي للعام السابق وما يعادل أقل من نصف المتوسط لشهر آذار (مارس) 2007 وذلك بالرغم من إدراج شركات جديدة في السوق مثل عملاق الاتصالات زين السعودية.
ليست هناك علاقة للاستثمارات الأجنبية بارتفاع درجة الارتباط مع الأسواق العالمية، حيث لا يزال الحظر قائماً على المؤسسات والأفراد من غير مواطني الدول الخليجية أو من غير المقيمين من امتلاك الأسهم إلا في عدد قليل من الصناديق الاستثمارية المشتركة. وتشير البيانات الصادرة عن شركة السوق المالية إلى أن المستثمرين السعوديين يمثلون 95 في المائة من إجمالي قيمة التداول (بينما يمثلون 93 في المائة حسب كمية الأسهم المتداولة) بالنسبة لشهر شباط (فبراير). لكن الوجود المتزايد للاستثمارات الأجنبية في الأسواق الأخرى في الخليج يؤثر في السوق السعودية (حالياً يمثل المستثمرون الأجانب 40 في المائة من الصفقات في بورصة دبي).
وعلاوة على ذلك تعد معظم الشركات الكبيرة المدرجة في سوق الأسهم معرضة بصورة واضحة لمخاطر الاقتصاد العالمي، فمن بين أكبر 15 شركة من حيث القيمة السوقية (أي التي تزيد القيمة السوقية لرأسمالها على 30 مليار ريال) هناك ثلاث شركات فقط تعد معزولة نسبياً عن تطورات الأسواق العالمية هما شركة الكهرباء السعودية وشركة الاتصالات السعودية وشركة في مجال التطوير العقاري هي دار الأركان. وبالنسبة للشركات المنتجة للبتروكيماويات (سابك، ينساب، كيان، وبترورابغ) وشركة إنتاج الأسمدة سافكو نجد أن الصادرات تشكل جزءاً أساسياً من مبيعاتها. ومن ناحية ثانية نجد أن شركة المملكة القابضة تجني معظم عائداتها من محفظتها المتنوعة التي تستثمر في مشاريع دولية.
أما البقية الباقية من أكبر 15 شركة فهي البنوك التي يكتنف الغموض مدى تعرضها لمخاطر أدوات الدين بضمان الأصول، والتي في اعتقادنا لم يتأثر أي منها بصورة كبيرة. وبالرغم من ذلك فإن المخاوف الناجمة عن المشكلات في قطاع المصارف العالمية وانعدام الشفافية بشأن حيازات البنوك المحلية تثقل كاهل هذا القطاع كما تثقله الزيادة الشديدة في المنافسة في مجال الخدمات المالية في المملكة.
وعليه يتضح أن السوق السعودية ستظل تتأثر بالتذبذب الذي تتسم به أسواق الأسهم العالمية في الوقت الحالي. ولكن يمكن القول إن المملكة في غمرة فترة من النمو الاقتصادي المحلي القوي المدعوم بالاستثمارات وسياسة التحرير، مما ينعكس هذا الوضع الجيد على أداء الشركات ذات التوجه المحلي في سوق الأسهم. قدَّرنا في كانون الأول (ديسمبر) القيمة العادلة لمؤشر سوق الأسهم السعودي (تاسي) عند مستوى 8.500 نقطة، وحيث إن مؤشر السوق يراوح حالياً عند مستوى 9.200 نقطة نعتقد أنه قد ولج مرة أخرى في نطاق القيمة العادلة بعد أن تراجع عن مستوى يقارب 12.000 نقطة كان قد سجله في كانون الأول (ديسمبر)، ويعزى ذلك جزئياً لأسباب تتعلق بالاقتصاد العالمي كما استعرضنا في الفقرات السابقة. ونعتقد أن السوق سيواصل الهبوط خلال الربع الثاني بسبب الاضطراب في الأسواق العالمية بالرغم من أن نتائج الكثير من الشركات ذات التوجه المحلي ستكون قوية وستكون هناك فرص لانتقاء بعضها للشراء.
<p><a href="http://www.jadwa.com">www.jadwa.com</a></p>