رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تنشيط الشركات الآسنة

[email protected]

"يأسن الماء إذا الماء ركد", نعم إنّ الماء العذب الزلال يأسن إذا لم يتحـرك, فكما قال الشـاعر: (إني رأيت ركود الماء يفسده ** إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب)، وفي ظني أن كل شيء يأسن إذا ركد أو كانت حركته بطيئة بما يجعله يراوح مكانه.
الشركات بطيئة الحركة أو التي تتحرك في بيئة ضيقة تأسن أيضا وتمرض وتسبب الأمراض لشريكاتها في القطاع, بل ربما تسبب الأمراض للاقتصاد بشكل عام, بخلاف الشركات النشطة سريعة الحركة التي تنشط وتُنشط القطاع وتدفع بالاقتصاد قدما، وتعمل عمل الدواء والتطعيم معا فهي تعالج أمراض القطاع الاقتصادي الذي تنتمي إليه من ناحية, وتمنحه الحصانة من ناحية ثانية, بما ينعكس عليه وعلى الاقتصاد الوطني إيجابا.

"سابك" شركة نشطة حركت قطاع البتروكيماويات وأسهمت في تطوير بنيته التحتية من خلال الجهود التي بذلتها عبر سنين طوال حتى أصبح الاستثمار في قطاع البتروكيماويات استثمارا مسبوقا وواضحا, فتحفز المستثمرون للاستثمار في هذا القطاع حتى أصبح من أنجح القطاعات الاقتصادية التي ترفد اقتصادنا, والمستقبل لا شك أفضل في ظل تنافس شركاتنا الوطنية التي أخذت بأسباب الحركة والنشاط لتنمية هذا القطاع بما يجعله قطاعا اقتصاديا تنافسيا يميز اقتصاد مملكتنا الحبيبة.
"المراعي" و"نادك" وغيرهما من الشركات الوطنية الكبرى التي نشطت في القطاع الزراعي ومنتجاته, خصوصا الألبان, حركا هذا القطاع ووفرا منتجات ذات جودة عالية بأسعار مناسبة غطت نسبة كبيرة من الطلب المحلي والإقليمي أيضا، ومثل ذلك كثير من شركات الأسمنت مثل "أسمنت القصيم", "اليمامة", "ينبع", وغيرها، وشركات المقاولات مثل شركة سعودي أوجيه وشركة بن لادن وغيرهما.
هذه الشركات النشطة ما كانت لتكون بهذه المكانة لولا أن طريقة تفكير القائمين عليها تفوق بكثير طرائق تفكير منافسيها في القطاع, وهو ما جعلها تقفز قفزات كبيرة حيث الكفاءة الإنتاجية العالية ما جعلها تستطيع تعظيم فائدة مواردها في الإنتاج للخروج بأكثر قيمة مضافة وكمية للمخرجات النهائية حتى أصبحت أصولا اقتصادية سعودية تلبي الطلب في الظروف العادية ونلوذ بها عند الأزمات, فضلا عن أنها أصبحت تمثل اقتصادنا محليا وعالميا.
ولكن بعض القطاعات الاقتصادية المهمة والحيوية ما زالت تفتقر إلى عدد مناسب من الشركات النشطة القيادية القادرة على تطوير ذاتها وتطوير قطاعها, ومن أهم هذه القطاعات القطاع العقاري الذي يمتلئ بالشركات العقارية الآسنة إذا استثنينا "دار الأركان" التي تكاد تكون الشركة الوطنية الوحيدة النشطة في هذا القطاع بما يتناسب وحجمه وأهميته، فهي الشركة الوحيدة التي تعلن عن تطوير آلاف الوحدات العقارية سنويا, فضلا عن قدرتها على تحقيق أرباح مليارية في حين لا تتجاوز أرباح مثيلاتها عشرات أو مئات الملايين رغم الأسبقية والقدرات والموارد الكبيرة .
إذن نحن أمام ندرة في الشركات العملاقة النشطة وكثرة آسنة في معظم قطاعاتنا الاقتصادية, ما يجعلنا نريد حلا لنحول الندرة إلى قلة والقلة تكفي كما هو الوضع في الدول المتقدمة. نريد أن نعالج وضع الشركات السعودية الكبرى الآسنة التي ما زالت تفتقر إلى ثقافة الكفاءة الإنتاجية التي تعد أساساً في المنافسة العالمية على اعتبار أن استغلال الموارد بشكل أمثل يعطيها قوة للمنافسة على الصعيدين المحلي والعالمي، ولا شك أن هذه الندرة إذا لم تعالج سنكون في موقف صعب أمام الشركات العالمية العابرة للقارات (متعددة الجنسيات), التي ستتوغل في سوقنا الناشئة والواعدة التي تزخر بالفرص الاستثمارية لتزيد الندرة ندرة إذ إنها ستتفوق على شركاتنا الآسنة بما لديها من مقومات تنافسية عديدة ترتكز في مجملها على كفاءتها الإنتاجية التي تعطيها القوة للثبات في ساحات المنافسة الاقتصادية.
ولا شك أن الشركات العابرة للأوطان في غياب أو ندرة الشركات الوطنية النشطة وكثرة الشركات الوطنية الآسنة ستستفيد من عمليات التخصيص للمنشآت الخدمية والإنتاجية, التي تنفذها الحكومة كاستراتيجية اعتمدتها وماضية في تطبيقها، ما يجعل هذه الشركات تقوم بتسيير اقتصادات بلادنا عن طريق الاستثمار المباشر في بعض المشاريع وسيطرة وكلائها على الشركات الخاصة، وعن طريق القروض التمويلية، وهو ما لا نريده جميعا لما له من آثار سلبية في أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على المدى الطويل.
نعم, نحن دولة نامية ونريد اللحاق أو تقليل الهوة التي تفصل بيننا وبين الدول الرأسمالية المتقدمة في وقت نعاني فيه انفجارا سكانيا كبيرا في بيئة شحيحة الموارد الغذائية والمائية، لكننا في الوقت نفسه نريد أن نسيطر على اقتصاد بلادنا من خلال شركات وطنية عملاقة نشطة في القطاعات كافة قادرة على الإسهام في تكوين سوق اقتصادية وطنية يمكن أن تساعد على نمو الإنتاج وازدهاره من خلال تطوير أسواقها واستكمال عناصرها واستنهاض همة الجهات الحكومية المنظمة لتنظيمها وحمايتها وتعزيز محفزاتها ومعالجة عوائقها.
لن نصل إلى ما نريد ولن ننافس هذه الشركات العابرة للقارات بشركات وطنية آسنة تعتقد أنها ما زالت تعيش في ظل الحماية والتفضيل والدعم، فهل نرى مجلس الغرف التجارية (قيادة مجتمع الأعمال) يقود مسيرة وطنية لتطوير فكر المستثمرين السعوديين من أجل تكوين شركات وطنية عملاقة نشطة في القطاعات الاقتصادية كافة تستطيع أن تمسك بزمام اقتصادنا من ناحية وتمثل اقتصادنا محليا وعالميا من ناحية ثانية, خصوصا أن لدينا كثيرا من الشركات العملاقة الآسنة التي يمكن تنشيطها من خلال تطوير فكر القائمين عليها، آمل ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي