المخاطر.. محتواها وماذا تعني؟

 المخاطر.. محتواها وماذا تعني؟

نسمع ونقرأ من حين لآخر في عالم المال والأعمال عن كلمة المخاطر، والحقيقة أن هذه الكلمة متداولة في جميع نواحي الحياة المختلفة وليس فقط في هذا المجال، حيث إنه لا يوجد عمل لا يكون محفوفا بالمخاطر سواء في مجال الأعمال أو التعليم، التربية أو أي نوع آخر من العلوم. لذا سأركز في هذا المقال على موضوع أصبح أكثر تخصصاً في مجال الصحيفة الأساسي ألا وهو الاقتصاد والتجارة، لذلك فكلمة المخاطر أو حتى إدارة المخاطر ظهرت وتم التنبه لها في الآونة الأخيرة من خلال الأحداث العالمية أو الانهيارات الاقتصادية التي حدثت مثل انهيار شركة الطاقة الأمريكية إنرون وإفلاس بنوك عالمية، مثل بنك نورثرن روك البريطاني العقاري أو كما حدث في أواخر العام الماضي في بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي أو في انهيار القروض العقارية في الولايات المتحدة، ولذلك، فإنه للتحدث عن هذه المخاطر وكيفية إداراتها فإنه لا بد من معرفة ماهية هذه المخاطر وهل تعني حدثا سلبيا فقط؟

إذاً ماذا تعني كلمة المخاطر؟

المخاطر هي أي حدث ما لم تتم إدارته بشكل صحيح فقد يؤدي إلى خسارة مالية أو تعثر في تحقيق المنشأة الهدف التجاري في حالة حدوثه. لذا فإنه قد يكون لكل خطر سبب واحد أو أن يكون أكثر من سبب لحدوثه، وهنا لا بد من التفريق بين السبب في الخطر والخطر نفسه، حيث إن الاختلاس مثلاً هو خطر ولكن هناك حدثا أو عدة أحداث كانت سببا أو من أسباب حدوث ذلك الخطر (الاختلاس) كضعف النظام الرقابي الداخلي، عدم الولاء للمنشأة أو ضعف الدخل الفردي... إلخ. تقلب الأسعار للمستثمر مثلاً كأسعار العملة أو الأسهم أيضا يعتبر خطرا ولكن هناك أكثر من سبب أدى إلى هذا التقلب فقد تكون المضاربة أو أخبار سواء كانت جيدة أو سيئة كأحداث سياسية أو أخبار عن القطاع المنتمي للشركة كالقطاع الزراعي أو أن تكون أخبارا عن الشركة نفسها سواء بإنتاج منتج جديد وعلى هذا فقد تؤدي إلى رفع السعر أو هبوطه، فإنه بشراء سهم تلك الشركة قد تكون هناك مخاطرة ولكن إذا ارتفع فإنه مخاطرة إيجابية بينما إذا انخفض فقد كانت مخاطرة سلبية، وعلى هذا فإنه دون أخذ وتحمل المخاطر لا يمكن التقدم إلى الأمام أو تقديم إنجازات حقيقية. من هذا المثال الأخير، أود أن أؤكد ألا ينظر إلى المخاطر على أن العائد منها سلبي أو خسارة فقط بل العكس فقد يؤدي الخطر إلى تحقيق عائد إيجابي كما هو الحاصل في أي نشاط تجاري.

طبعاً هذا لا يفسر على أن المخاطر نفسها لا ترتبط ببعض فقد يكون هناك تداخل أو اعتمادية بين المخاطر نفسها فحدوث خطر معين قد يؤدي إلى حدوث خطر آخر، وبالتالي فإنه قد يكون هناك حدث واحد يكون سببا في حدوث خطر وفي الوقت نفسه ويؤدي إلى حدوث خطر آخر فحدث كعطل في إحدى المعدات أو عدم توافر قطعة الغيار تسبب في خطر تعطل الإنتاج لمصنع ما مثلاً وهذا قد يتسبب في خطر آخر هو خسارة عميل في حالة عدم توافر البضاعة المطلوبة في وقتها وفي ظل وجود شركات منافسة.

هذا من جانب تعريف المخاطر ولكن الناس يتصورون المخاطر من رؤية واحدة وتتساوى بإدراكها كل المخاطر، الحقيقة أن الناس يعطون رأيا وحكما على المخاطر في كل يوم في حياتهم، المستثمر مثلاً تجده يتساءل عن المخاطر عندما يرغب في شراء ذلك السهم أو ذلك العقار ومما لاشك فيه أن الإدراك الشخصي للمخاطر يختلف من شخص لآخر. أحيانا تبدو النتيجة المتوقعة للحالات واضحة ويمكن إحصاء الشواذ منها وفي المقابل من ذلك فإنه في أغلب الحالات تكون احتمالية حدوث أمر ما صعبة التحديد والنتيجة المتوقعة غير واضحة وبالتالي فإن تصور المخاطر يعتمد على عوامل ونظرة شخصية. في مثال شراء الأسهم، يختلف تصور شخص للمخاطر متأثر بخسارة سهم قد تم شراؤه أخيرا، عن شخص آخر قد يكون متأثرا بحالة المزاج في تلك اللحظة أو درجة الثقة لدى الشخص. ولتحديد العوامل التي تؤثر في تحديد أن أحداثا معينة تؤدي إلى مخاطر فقد تمت عدة دراسات وبحوث وذلك بواسطة تطبيق حالات معينة ومقابلات شخصية. واحدة من تلك الدراسات ما تمت في القطاع الاقتصادي والمصرفي في بريطانيا خلال التسعينيات تم التوصل إلى أن هناك أربعة عوامل توثر في إدراك أو تصور الأحداث على أنها ذات مخاطر وهي:

كيف يفهم الشخص المخاطر؟
في عالم المال تصور المخاطر يعني مزيجا من توقع الخسارة أو الربح وتقلبات تلك النتيجة المتوقعة. لكن التصور الشخصي مختلف، حيث إنه يعتمد على عاملين، هما عامل الخوف وعامل التحكم حيث إنه متى ما كانت هذه المخاطر ذات درجة عالية من الخوف من النتيجة وصعوبة التحكم في تلك المخاطر فإنها تعتبر مخاطر عالية وهذا أيضا حاصل في الأسواق المالية من خلال اتخاذ القرار من قبل المستثمر، حيث إن أكثر القرارات الاستثمارية يقودها الخوف من الخسارة أكثر من التطلع لتحقيق زيادة في الأرباح.

كيف يتصور المكسب والخسارة؟
تصور المكسب والخسارة يقودنا إلى تصور المخاطر، حيث إن المستثمر الخاسر في السوق يكون شخصا راغبا في الدخول في مخاطر أخرى بينما الشخص الرابح في السوق يكون كارها للدخول في هذه المخاطر رغم أن المخاطر في هاتين الحالتين واحدة. أيضا في السوق شديدة المنافسة يكون هناك حد للخسارة مقبول بسبب طبيعة السوق بينما في طبيعة أخرى تبقى المخاطرة في تلك الدرجة غير مرغوب فيها نتيجة لتوقع تحقيق خسارة.

التحيز الإدراكي
تصور المخاطر لابد أن يكون مرتبطا بأساس منطقي لكن الحقيقة أنه قد يخالف ذلك من خلال أن هناك أمورا أخرى توثر في تصور ذلك الحدث وتعرفه على أنه ذو مخاطر أو لا. فالسفر بالطائرة يعرف على أنه أخطر من السفر بالسيارة مع أن الأحداث التاريخية تثبت أن هذا التصور غير صحيح ولكن تركيز الإعلام أعطى هذا التصور. تصور مخاطر معينة والتي تخالف توجه استراتيجية الشركة أو فرضيات الإدارة قد تفشل بأن تدرك على أنها مخاطر لأنها لا تعطى تلك الأهمية.

الطبيعة الشخصية
الميل الفطري للشخص يؤثر في نظرته وتصوره للمخاطر وذلك من خلال الطبيعة الشخصية والانحياز والشعور والتي تؤثر في التفضيل والحساسيات لمواضيع معينة وكذلك السلوك وردة الفعل. فالشخص الذي يبحث عن التغيير يرى في بعض الأحداث بأنها أقل مخاطرة نظرا لأن من يقوده لاتخاذ القرار هو رغبته في التغيير وشعوره بتحقيق وضع أفضل وتفكيره يكون منصبا على الكسب بينما الشخص الآخر ذو الشعور السلبي يكون تفكيره منصبا على الخسارة أو عدم الرغبة في التغيير ويرى أن أي تغيير قد تكون عواقبه وخيمة.

ما ذكر سابقاً هو توضيح مفهوم المخاطر من خلال تعريفة والعوامل التي تودي إلى تصور أحدثا معينة بأنها ذات مخاطر ولكن يبقى أن أبين هنا أن هذه العوامل لا تبقى ثابتة سواء على مستوى الفرد أو المنظمات كالشركات، حيث إن إدارة المخاطر لها دور رئيس وأساسي في تطوير مفهوم وتصور المخاطر ولعلي أرى في المقال القادم الفرصة لتوضيح ذلك من خلال تعريف إدارة المخاطر وتأثيرها في اتخاذ القرار سواء على مستوى الإدارات العليا أو حتى على مستوى المستثمر الفردي.

باحث في إدارة المخاطر
[email protected]

الأكثر قراءة