رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


سلبيات الاستغلال السيئ لمكرمة تخفيض أسعار الوقود على المجتمع والمدن

كان للمكرمة الملكية بتخفيض أسعار الوقود وقعها وأثرها الطيب على كثير من شرائح المجتمع. وهي مكرمة جاءت بنية مخلصة ولمواطن يقدر تلك المكرمة. وقد كان المقصود بها ضمنيا مساعدة شريحة المجتمع التي تعاني غلاء المواصلات والنقل وهم المحتاجون إليها أكثر من غيرهم, وبحيث تساعدهم على مشاويرهم للعمل والمعيشة, وليس فقط للبهرجه والإسراف والاستعراض بكثرة السيارات والسائقين وتدليل المراهقين. ولكن وكالعادة تضع الدولة تسهيلات لفئات من المجتمع, ولكن كثيرا ممن ليسوا في حاجة إليها هم أكثر من يستغلها أو يسيء إلى فكرة أو هدف المكرمة. وأكبر مثال على ذلك مكرمة صندوق التنمية العقاري, التي أريد بها حل أزمة الإسكان وتوفير سكن للمحتاجين إليها, ولكن أكثر من استغلها هم الأغنياء أو المقتدرون من غير المحتاجين الذين يملكون أكثر من مسكن. وهم أنفسهم المستغلون السيئون لمكرمة تخفيض أسعار الوقود, وذلك بشراء أكثر من سيارة لهم ولأبنائهم وفوق احتياجاتهم. سواء أغنياء أو حتى بعض الفقراء الذين لا يجدون مسكنا أو معيشة ومع ذلك يتنافسون في شراء السيارات لأبنائهم المراهقين ليضايقوا غيرهم من إخوانهم المسلمين وكأننا في حرب ضدهم وعائلاتهم. وكل التصرفات والسلوكيات من هؤلاء المستغلين لفرص غيرهم لها سلبياتها وآثارها السيئة في المجتمع والمدينة. وهم أكثر من يعيثون في الأرض فساداَ ويقتلون الأبرياء ويضايقون محارمنا ويعبثون بالسرعة والتفحيط والدوران المزعج للناس ومزاحمة الناس في الطرقات والقيادة المتهورة والسرعة المتناهية التي بغير هدف وإنما ليصل إلى الشلة في الاستراحة.
والآن نواجه مشكلات الاختناقات المرورية ونحاول أن نجد لها الحلول. وتخطط الدولة لصرف ميزانية ومبالغ ضخمة لحل تلك الازدحامات داخل المدن. وقد أو ستلجأ إلى مشاريع للأنفاق والجسور وقطارات خفيفة وقد تكون تحت الأرض مثل مترو الأنفاق. وهو تفكير سليم وتخطيط جيد لإيجاد حلول مسبقة للمشكلة. ولكنها حلول ـ كما سبقنا غيرنا لها ـ تحل من مشكلات النقل العام ومدى تقبل المجتمع السعودي لها. وقد تحتاج إلى برامج توعية كبيرة ومشجعة لهم لاستعمال النقل العام وإقناعهم بأنهم بشر مثلهم مثل جميع المجتمعات الأخرى, ولكن في ظل وجود سياسة تخفيض أسعار الوقود فإن هذه المشاريع لن تنجح.
تخفيض أسعار الوقود ومن دون ضوابط هو أحد أكبر الأسباب التي سببت الاختناقات المرورية والازدحامات التي نعانيها حاليا في المدن الكبرى, خاصة العاصمة الرياض. وليس ذلك فقط بل تضاعفت معدلات التلوث البيئي وكثرة الحوادث والوفيات, كما أن تخفيض أسعار الوقود هو من المسلمات المعروفة عالمياَ بأنها أكبر أسباب الاعتماد على السيارات الخاصة وسهولة أو رخص قيادتها كبديل عن النقل العام. وكلما خفضنا أسعار الوقود كثر الطلب على استعمال السيارات الخاصة واستسهلها الكبار والصغار والمحتاجون للتنقل أو غير المحتاجين أو من ليس لهم عمل بل التجول ودون هدف في الشوارع. وهذا بالطبع يزيد من عدد السيارات في الطرق سواء العامة وداخل الأحياء في المدن أو على الطرق السريعة في المدن وخارجها والازدحامات وتحمل الطرق أكثر من سعتها, إضافة إلى مضاعفته معدلات التلوث والحوادث. كسبب لتلك المشكلات. مثله مثل تخفيض أسعار أي خدمة أخرى فإن هناك دائماَ من يكون لديه السلوك والاستعمال السيئ لها أو استعمالها أكثر من حاجته, وهو مبدأ اقتصادي معروف.
وفي الوقت الذي يعاني فيه الجميع مشكلات الازدحامات والاختناقات المرورية وآثارها السلبية، نجد أن هذه الشريحة من المواطنين وكأن الأمر لا يعنيهم يستمرون في تلك الممارسات, ويستهينون بمجهودات ولاة الأمر والمسؤولين الذين يحاولون إيجاد حلول لتلك الاختناقات المرورية وكثرة الحوادث والتلوث البيئي. مشاريع مكلفة للدولة منها القطارات الخفيفة للمدن وبين المدن وتوسعة للطرق وطرق سريعة جديدة وأنفاق وجسور وزيادة الورش ومعارض وصالات بيع السيارات وكثرة العمالة الأجنبية لها. فمن المستفيد من كل هذا السلوكيات السيئة؟ ولعل الإسلام يحرك في هؤلاء المتساهلين هاجسا, ولعلهم يؤمنون بما جاء في الكتاب والسنة! فهم المتهم الأول في جرائم قتل الأبرياء عند تقاطعات إشارات المرور. وقتل عائلات كاملة بسبب السرعة وتهور أبنائهم. وأليس ذلك إسرافا وكفرا بالنعمة؟ والآيات والأحاديث كثيرة ومعروفة وقد لا يتسع هذا المقال لها. كما أن المواطن يجب أن يعي أنه يعيش مع إخوانه المواطنين وأن لهم حقوقا وواجبات يجب عليه أن يحترمها, فمن حقه شراء سيارة لابنه ولكن ليس من حقه أن يجعله يقتل الأبرياء أو يضايق محارمهم.
كما أن تخفيض أسعار الوقود له أثره المستقبلي في مخزون الطاقة النفطية التي تملكها الدولة. في وقت تعاني فيه الشائعات بقرب نضوب البترول وأن تكلفة استخراجه وصلت إلى قمة التكلفة، وأن ذلك له أثره ليس فينا فقط بل في العالم كله. ففكرة الضواحي التي تعيشها معظم الدول الكبرى أصبحت مهددة بالانقراض وبدأ الناس يرجعون إلى المدن بسبب ارتفاع أسعار الوقود وعدم قدرتهم على استعمال سيارتهم الخاصة للرجوع للضواحي.
لقد كانت تجربة الولايات المتحدة قبلنا واضحة, فهي قبل الركود الاقتصادي عام 1420م كانت لديها وفرة من النفط وكانت أسعار النفط لديها أرخص من سعر المياه وكانت لديهم آبار بترول كبيرة وكثيرة وفي حدائق ومزارع بعض المواطنين. وهذه الوفرة من النفط كانت المحرك الأول لظاهرة بناء الضواحي السكنية, خاصة بعد الحرب العالمية وبعد معرض شيكاغو. وكانت تلك هي مولد ظاهرة الضواحي السكنية التي انتشرت في جميع أنحاء العالم. ولكنها اليوم وبعد شح النفط لديها وارتفاع أسعاره أصبحت تعض أصابع الندم على بناء تلك الضواحي. ويعتقد كثير من المفكرين ومستشاري الطاقة أنه إذا استمر الارتفاع في أسعار الوقود وصاحبه إشاعة نضوبه عالمياَ فإن الأمور ستكون أسوأ مما نتوقع. وستصبح تلك الضواحي مدنا مهجورة.
تخفيض أسعار الوقود يجب أن ينظر إليه بين النظرية والتطبيق, وأن تتم دراسته وتسخير بعض البحث العلمي لكيفية تنظيمه والتخفيف من سلبياته وإلى طريقة علمية وعملية للاستفادة منه.
لذلك فإنني أرى أن هذه المكرمة حتى يكتب لها أن تستمر في تحقيق أهدافها السامية يجب أن توضع لها ضوابط وتنظيمات تحكم طريقة تنفيذها. والضوابط كثيرة منها إصدار قسائم أو بطاقات لفئات معينة وربطها بالسجل المدني لهم, أو أن يتم تخفيضها مع رفع رسوم أخرى سواء للمرور أو الخدمات الأخرى سواء لوزارة النقل أو البلديات أو شركات الكهرباء. بمعنى أن تكون هناك باقة مشتركة من التخفيضات ولكن بطريقة تحكم عدم التلاعب والإسراف فيها. أو العودة إلى رفع أسعار الوقود مرة أخرى للحد من الإسراف فيها وليحس الجميع بقيمة الريال الذي يصرفونه قبل أن يسرفوا في القيادة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي