مراقبون: قرارات "هيئة المحاسبة" الإسلامية تزيد من تكاليف إصدارات الصكوك
أعلن المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة المالية الإسلامية وبشكل رسمي الأسبوع الماضي، قراراته الستة التي اتخذها حول السندات الإسلامية، بعد مضي نحو شهر منذ نهاية اجتماعه التاريخي, وتنامي الضغوط من المؤسسات الخليجية والعالمية حول الضبابية التي شابت الاجتماع.
واعتبر مراقبون تحدثوا لـ "الاقتصادية" أن من شأن تلك القرارت أن تزيد من تكاليف إصدارات الصكوك، مؤكدين أن الفقهاء بقراراتهم الستة قد سنوا شروطاً " أشد من ذي قبل" على مبيعات الصكوك بعد أن ذكروا أن معظم إصدارات الأوراق المالية ربما لا تكون ملتزمة تماماً بالأحكام الشرعية. وزادوا أن القواعد الجديدة من مجلس هيئة المحاسبة والمراجعة الذي يتألف من 18 فقيهاً، ستجعل من الصعب على الشركات إصدار سندات دين إسلامية في وقت تقل فيه عمليات الاقتراض بسبب أزمة الائتمان العالمية.
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
أعلن المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة المالية الإسلامية وبشكل رسمي الأسبوع الماضي قراراته الستة التي اتخذها حول السندات الإسلامية، بعد مضي نحو شهر منذ نهاية اجتماعه التاريخي, وتنامي الضغوطات من المؤسسات الخليجية والعالمية حول الضبابية التي شابت الاجتماع.
واعتبر مراقبون تحدثوا لـ "الاقتصادية" أن من شأن تلك القرارت أن تزيد من تكاليف إصدارات الصكوك، مؤكدين أن الفقهاء بقراراتهم الستة قد سنوا شروطاً " أشد من ذي قبل" على مبيعات الصكوك بعد أن ذكروا أن معظم إصدارات الأوراق المالية ربما لا تكون ملتزمة تماماً بالأحكام الشرعية.
و زادوا أن القواعد الجديدة من مجلس هيئة المحاسبة والمراجعة الذي يتألف من 18 فقيهاً، ستجعل من الصعب على الشركات إصدار سندات دين إسلامية في وقت تقل فيه عمليات الاقتراض بسبب أزمة الائتمان العالمية.
وقد هبطت مبيعات السندات الإسلامية حتى الآن من العام الجاري إلى 856 مليون دولار بعد أن كانت 4.7 مليار دولار في الربع الأول من عام 2007، بحسب بيانات "بلومبيرج".
وقال مصرفيون غربيون إن "قرارات الصكوك" تعد "تحولاً أساسيا" لهذه الصناعة، وستكون بمثابة الأمر" المزعج" لكبار الإداريين الماليين الذين اعتادوا على الهياكل الموجودة حاليا.
وتابعوا بأن تلك القرارات تعني أن البنوك الخليجية و الغربية بدأت " بالابتعاد عن العوائد المضمونة وتتجه نحو هياكل تتسم بقدر أكبر من "اقتسام المخاطر".
وحول مدى شرعية الصكوك الخليجية القائمة و التي أصدرت قبل أربعة أشهر من الآن في ظل هذه التطورات الجديدة , قال المراقبون الاقتصاديون إن تلك القرارات " لا تُحَرِّم الصفقات ’القائمة" و لن " يتعين على المقترضين إعادة هيكلة الصكوك التي بيعت من قبل".
وفي السياق ذاته تباينت ردود أفعال وكالات التصنيف الدولية التي تعرفت "الاقتصادية" على آرائها, وبينما وصفت "موديز" تلك القرارات " بالمتشددة " في نظر مستثمريها , قالت "ستاندرد آند بوردز" إن تلك القرارات ستدخل نوعاً من توحيد المعايير في سوق الصكوك وهو أمر طال انتظاره".
وبذلك تطوى صفحة " الشبهات الشرعية " و يسدل الستار على "أزمة الصكوك ", التي امتدت لأربعة أشهر, وتدخل بذلك السندات الإسلامية عتبة جديدة من التطور والتي تصب في صميم الاقتصاد الإسلامي.
تكاليف أعلى
وفقاً لبيانات جمعتها وكالة بلومبيرج، اشترى المستثمرون العام الماضي 30 مليار دولار من هذه الأوراق المالية التي تعرف باسم الصكوك، حتى لا يقعوا في الإثم من حيث التداول في أوراق مالية تقتضي دفع أو تلقي فوائد، ولذلك استخدموا الممتلكات أو موجودات أخرى للحصول على الدخل.
وتقول هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية إن القواعد الإرشادية الجديدة تستلزم أن يصبح المستثمرون المالكين الشرعيين لتلك الموجودات وليس مجرد حاملين اسميين لها.
وفي مقابلة أجرتها "بلومبرج" مع خالد هولادار، وهو محلل لدى موديز إنفسترز سيرفيس، قال: "هذا تحول نوعي أساسي، وسيكون أمراً مزعجاً بالنسبة لكبار الإداريين الماليين الذين اعتادوا على الهياكل الموجودة حالياً".
وفي حين أن القواعد المذكورة للهيئة تعني تكاليف أعلى "بصورة يسيرة" للصكوك، إلى أن تصبح الهياكل الجديدة شائعة خلال نحو عام، إلا أن الوضوح حول القواعد الإرشادية هو أمر إيجابي بالنسبة للسوق، كما قال حارس عرفان، وهو مدير في دويتشه بانك ومسؤول التمويل الإسلامي في دبي.
وقال عرفان إن هذه القواعد "ستريح بال بعض المستثمرين الذي أعربوا عن قلقهم" حول ما قاله الفقهاء عن عدم التزام بعض إصدارات الصكوك بالأحكام الشرعية، ولقد بدأنا بالفعل بالابتعاد عن العوائد المضمونة ونتجه نحو هياكل تتسم بقدر أكبر من اقتسام المخاطر" بالنسبة للإصدارات التي يجري الإعداد لها حالياً".
وهنا قال هولادار: "إن الأثر المرجح لهذا هو أنه إما أن تصبح سوق الصكوك أكثر استناداً إلى عمليات التوريق حسب الشريعة الإسلامية، أو أنها تنقسم إلى شعبتين، في الأولى تباع صكوك تكون فعلاً مدعومة بالموجودات، وفي الثانية تختار الإصدارات الاستمرار في الهياكل الحالية".
تسلل الشبهات
وقال هولادار إن المقترضين وبنوكهم كانوا يخلقون دخلاً ثابتاً للمستثمرين بالتعهد بإعادة شراء الموجودات التي تقوم عليها الصكوك بقيمتها الأسمية عند تاريخ الاستحقاق، بصرف النظر عما إذا كانت الموجودات قد حققت ربحاً أو خسارة، مبيناً أن هذه الأنواع من الاتفاقيات محرمة بموجب الشروط المتشددة لأن الشريعة تتطلب من المشترين والبائعين اقتسام الربح والخسارة من تعاملاتهم.
وهكذا تسللت "الشبهات" إلى الصناعة، وعلى الصناعة الآن "التخلص" من هذه الشبهات، كما ذكر مجلس فقهاء هيئة المحاسبة والمراجعة الشهر الماضي. وقال المجلس إن نسبة تصل إلى 85 في المائة من الصكوك التي بيعت حتى تاريخه ربما لا تكون ملتزمة بالأحكام الشرعية.
وأضاف أن الشروط الجديدة تضطر مصدري الصكوك إلى نقل ملكية الموجودات بصورة قانونية إلى حاملي الصكوك، ويجب أن تكون الموجودات مادية عينية وليس حركات نقدية.
وقال أرول كانداسامي، رئيس التمويل الإسلامي في بنك باركليز كابيتال في دبي: "إن ما يحاول الفقهاء فعله هو أن يجعلوا الصكوك مدعومة بالموجودات وليست فقط قائمة على الموجودات".
وكالات ترحب وأخرى تتحفظ
وقالت "موديز" في تصريح خاص لـ "لاقتصادية" إن هذا البيان" لم يأت كمفاجأة، وكان في الأصل متوقعاً ومفهوماً تماماً من قبل الشركات المصدرة والشركات المرتِّبة في أسواق الصكوك، إلى جانب أن السوق تتوقع منذ فترة الآراء ذات الطبيعة المحافظة من هيئة المحاسبة والمراجعة، وهي آراء وإن لم تكن ملزِمة بأي حال من الأحوال، إلا أنها تضع الأساس لاتجاه عام".
بينما قالت "ستاندرد" إنها لا تتوقع أن " تعمل القواعد والشروط الجديدة على إعاقة النمو القوي لسوق الصكوك".
وهنا أشار فيليب لوتر,نائب الرئيس، مسؤول ائتماني أول في موديز " في النهاية فإننا سنرى التعهدات بالشراء الآن أكثر توثيقاً بكثير من ذي قبل، حيث ستعتمد أسعار إعادة الشراء بصورة أقل على القيمة الأسمية وبصورة أكبر على القيمة المتبقية أو الوضع المستقبلي لصافي القيمة الحالية".
وتابع "من الناحية الفنية لا يفترض أن يعمل هذا على تغيير أي شيء، على اعتبار أن الموجودات التي تقوم عليها إصدارات الصكوك هي بصورة عامة يمكن التنبؤ بأسعارها إلى حد كبير لدرجة أن المفهومين متكافئان. وسنراجع بطبيعة الحال هذا على أساس دراسة كل حالة على حدة". وزاد من مقر إقامته في دبي "وهذا البيان سيجعل الشركات المرتِّبة أكثر حذراً في المستقبل حين تعمل على تصميم هياكل الصكوك، وهو بصورة عامة أمر إيجابي. ولا أظن أن هذا الأمر سيضر بشهية السوق لشراء الصكوك غير المؤمَّنة".
من ناحيته يرى الدكتور محمد دمق، كبير اختصاصي التأمين في ستاندر " أن القواعد الإرشادية التي تصدرها هيئة تتمتع بهذا القدر الكبير من الاحترام سيكون من شأنها أن تُدخِل نوعاً من توحيد المعايير في سوق الصكوك وفي الهياكل التي ستصدر في المستقبل، وفي النهاية فإن اختيار هيكل الصكوك سيكون مدفوعاً بالشركات المصدرة وبالمستثمرين، وبالنهج الذي تتخذه المجالس الشرعية المختلفة".
ويتابع في مقابلته الهاتفية من باريس"إن دورنا يقتصر على تزويد المشاركين في السوق بآراء مستقلة حول الجدارة الائتمانية للشركات المصدرة والإصدارات، بما في ذلك الإصدارات التي تتم وفقاً للأحكام الشرعية، ونحن لا نعلق على مدى التزام الإصدارات بالأحكام الشرعية ولا نقدم النصح والمشورة إلى الشركات المصدرة حول الهيكل الذي ينبغي عليها اتباعه وقت إصدار الصكوك".
تشجيع الالتزام الشرعي
وترى "موديز" أن الصياغة الجديدة تقوم بكل ما في وسعها لتشجيع التزام الإصدارات الجديدة بالأحكام الشرعية. معتبرة أن ذلك أمر إيجابي. وقال فيليب "وفي الوقت نفسه فإنها في نهاية المطاف لا تُحَرِّم الصفقات القائمة وذلك بإعطاء مرونة كافية في الإصدارات المستقبلية."
وأشار ماجد بكر، المستشار المالي لهيئة المحاسبة والمراجعة، إنه لن يتعين على المقترضين إعادة هيكلة الصكوك التي بيعت من قبل حتى يلتزموا بالشروط والمعايير الجديدة.
وحصلت مؤسسة المنطقة الحرة في جبل علي، وهي مؤسسة مملوكة لحكومة دبي وتُشَغِّل منطقة الأعمال المجاورة لميناء جبل علي، على ملياري دولار في أكبر عملية لبيع الصكوك في منطقة الخليج خلال الأشهر الستة الماضية. وفي تقرير لوكالة ستاندارد أند بورز نُشِر في كانون الثاني (يناير) الماضي قالت إن الأشخاص الذين اشتروا الصكوك لا يتمتعون بأحقية قانونية في الموجودات التي تقوم عليها الصكوك، ولكنهم يتمتعون "بضمانة ضمنية" بأن الشركة المصدرة للصكوك ستغطي أي عجز في الدفعات.
ومن الشركات التي تعتزم بيع الصكوك هناك بنك البحرين الإسلامي، الذي قال في 11 آذار (مارس) إنه يعتزم جمع مبالغ تصل إلى 664 مليون دولار من بيع الأوراق المالية لتمويل عمليات التوسع. وقالت وكالة موديز في تقرير صدر الشهر الماضي إن الحكومة البريطانية واليابانية والتايلندية هي من بين الحكومات التي ربما تقوم ببيع الصكوك، مما يساعد على نمو هذه السوق لتصل إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2010.
معايير خليجية متبعة دوليا
إن المعايير التي وضعتها هيئة المحاسبة والمراجعة معتمدة وملزِمة في ست دول عربية. كما أن الأجهزة الرقابية في عدد من البلدان، منها ماليزيا، السعودية، أستراليا، وجنوب إفريقيا، تستند في قوانينها الخاصة بالصكوك على معايير الهيئة.
يشار إلى أن السوق المزدهرة للمنتجات المالية قد تعرضت لهزة في الآونة الأخيرة على أثر النقد الذي وجهه أحد كبار علماء الدين إلى تفجير موجة من الجدل حول ما إذا كانت هذه الصناعة قد ضحت بالمبادئ الدينية لأجل تقديم دفعة قوية لسوق الصكوك عندما كانت في بداياتها في وقت تنهال فيه الإيرادات النفطية الوفيرة على منطقة الشرق الأوسط. وكان الشيخ محمد تقي عثماني رئيس المجلس الشرعي في الهيئة أن نحو 85 في المائة من الصكوك الصادرة في الخليج العربي لا تلتزم على نحو تام بالأحكام الشرعية.
ويعود السبب في ذلك إلى وجود بند حول التعهد بإعادة شراء الصك بحسب قيمته الاسمية، وهو ما يضمن أن أية مخاطر حول السداد تظل تتحملها الجهة المصدرة للصك وليست ضمن الأوراق المالية الصادرة والموجودات الضامنة لها. وعليه فإن إعطاء وعد من هذا القبيل يعتبر خرقاً لمفهوم اقتسام المخاطرة والأرباح، وهو المفهوم الأساسي الذي يقوم عليه مبدأ الصكوك.