رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


توحيد سلم الرواتب الجديد للقطاعات الصحية .. هل من سلبيات؟

[email protected]

طالعتنا بعض الصحف ومواقع الإنترنت بقرار موافقة المجلس الاقتصادي الأعلى على توحيد سلم الرواتب في المستشفيات الحكومية العامة والتخصصية في جميع القطاعات الصحية المتعددة. كما نص المصدر على أن يضع مجلس الخدمات الصحية المعايير اللازمة لتصنيف المستشفيات الحكومية إلى مستشفيات عامة وتخصصية ومرجعية، بما في ذلك المستشفيات التي تدار وفق برنامج التشغيل الذاتي.
فالقرار في ظاهره منطقي جدا, خصوصا كونها قطاعات صحية حكومية تتلقى ميزانيتها من وزارة المالية. لكن يظل السؤال الحيوي: ألا يعد هذا القرار داعما لأن تظل المستشفيات الحكومية تحت مظلة وزارة الخدمة المدنية؟ كما نتساءل: هل يكرس هذا التوجه أن تبقى إدارة المستشفيات الحكومية بالطريقة التقليدية المتبعة منذ أنشئت المستشفيات الحكومية؟ وما تأثير هذا القرار في توجه وزارة الصحة لتخصيص مستشفياتها؟ وما الآلية التي ستتم بها التخصيص؟
فالقرار نص على "أن تشكل في وزارة الخدمة المدنية لجنة مؤلفة من مندوبين من مجلس الخدمات الصحية ووزارة المالية ووزارة الخدمة المدنية والأمانة العامة لمجلس التعليم العالي لوضع معايير وضوابط صرف البدلات, وتقوم هذه اللجنة بمراجعة هذه المعايير والضوابط دورياً كل خمس سنوات على الأكثر". وكيف سيؤثر هذا القرار في تطبيق التأمين الصحي مستقبلا، الذي أعلن وزير الصحة في أكثر من مناسبة ببداية تطبيقه مع مطلع العام المقبل؟
لست في هذا المقال أريد بسط الحديث عن تخصيص القطاع الصحي بين الإيجابيات والسلبيات - وهو ما سبق أن أفردت له مقالا بعنوان "تخصيص الخدمات الصحية... هل هو الخيار الأفضل لواقعنا الصحي؟". لكن المهتم بالشأن الصحي من حقيقة معرفة التوجه الذي نحن سائرون نحوه. بمعنى هل نحن متجهون إلى تخصيص القطاع الصحي, خصوصا المستشفيات كما صرح بذلك مسؤولو وزارة الصحة أم أن الوضع الصحي والعلاقة بين وزارة الصحة ومستشفياتها سيستمر على النهج الحالي دون تغيير بحيث تستمر مسؤولية وزارة الصحة على تشغيل مستشفياتها الصحية؟
لعل المهتم بالشأن الصحي يصعب عليه فهم بعض قرارات وزارة الصحة, خصوصا عند ربطها بخططها الاستراتيجية التي أعلنتها. فمثلا تطبيق التأمين الصحي وتخصيص مستشفياته كان من المفترض أن يدعمه قرارات الوزارة اللاحق لها. فكيف نرى أن قرار توحيد الرواتب سيدعم هذا القرار؟
الظروف الحالية التي يواجهها القطاع الصحي يذكرنا بمرحلة الثمانينيات والتسعينيات، عندما تبنت وزارة الصحة التركيز على بناء مراكز الرعاية الأولية وأعلن ذلك حسب اتفاق الماتى الذي تبنى وصول الرعاية الصحية لكل من يحتاج إليها قبل عام 2000. لكن من جهة أخرى، تشتت صرف الميزانية لتشييد المزيد من المستشفيات. فالعقد الماضي كان التخبط واضحا بين تشتيت بين الصرف على الرعاية الأولية وبين التركيز على تشييد المزيد من المستشفيات, ما أدى إلى عدم جاهزية مراكز الرعاية الأولية لتقديم خدمة "مناسبة" وعدم كفاءة المستشفيات لتقديم الرعاية الصحية المنتظرة منها. فاستهلاك الميزانيات وتشتتها هنا وهناك بسبب غياب الرؤية الواضحة في كيفية الصرف على الخدمات الصحية وتحديد أولوية كل مرة.
اليوم نتخبط مجددا ولكن بطريقة مختلفة. فالميزانيات الصحية لا تكفي لتلبية الاحتياجات مهما بلغت لكنها في الوقت نفسه يجب أن تصرف حسب ترتيب الأولويات لدى الوزارة, لأننا لا نعلم ما الأولويات التي في ضوئها تصرف الميزانيات والتوجه المستقبلي للوزارة. ما حصل وقتها وما زلنا نعانيه الآن أن الميزانيات الصحية تشتت فلم تكف لبناء مراكز رعاية أولية بكوادر طبية مؤهلة أو تجهيزات ذات كفاءة عالية، بل أصبحت عقبة تعوق وصول المريض إلى الرعاية التي يستحقها. في الوقت نفسه لم يتم التركيز على صرف الميزانيات لتشييد مزيد من المستشفيات, حيث إن جزءا من الميزانيات صرف على مراكز الرعاية الأولية، ما لم يسمح لها بتقديم الخدمات الصحية الأساسية. فلم تتم الاستفادة من الميزانيات لا في بناء مراكز رعاية أولية تلبي احتياج الأحياء ويقلل طلب الرعاية الصحية عن طريق المستشفيات، كما أنها لم تكن كافية لأن تقدم المستشفيات جميع الخدمات الصحية المتوقعة منها أو تلبي جميع الأعداد الهائلة المتدفقة نحوها. الآن التاريخ يعيد نفسه لكن بسيناريو مختلف. فالخدمات الصحية هل مصيرها التخصيص؟ فإذا كانت الإجابة بالإيجاب فما الداعي لتوحيد الرواتب على نظام الخدمة المدنية؟ أم إذا كانت بالنفي فمن حق العاملين في القطاعات الصحية معرفة ما هم سائرون نحوه.
القطاع الصحي في المرحلة الحالية يحتاج إلى مزيد من التنظيم والقوانين التي تتيح المرونة من جهة للمستشفيات وكيفية إدارتها ورفع كفاءتها، ومن جهة أخرى مزيد من الرقابة لضمان تنفيذ ما اتفق عليه على أرض الواقع. فتعديل الرواتب سيكون له تبعات عند تفعيل مستشفيات التشغيل الذاتي أو تخصيص المستشفيات مستقبلا.
إضافة إلى ذلك ينقص مستشفيات التشغيل الذاتي إذا تبنت وزارة الصحة تشغيل مستشفياتها عن طريقها كخطوة أولى نحو التخصيص، وجود آلية لضبط عملها عبر إيجاد دليل للموظفين Employee Manual وسياسات العمل الداخليAdminstrative Policy & Procedure APP لتحديد العلاقة بين تلك المستشفيات وموظفيها.
لذا علينا معرفة ما تتطلبه المرحلة المقبلة من هل ستكون مستشفيات وزارة الصحة حكومية تتبع نظام ديون الخدمة المدنية؟ أم أنها ستحول تدريجيا للتشغيل الذاتي، ومن ثم للتخصيص بحيث تكون تابعة لنظام العمل والعمال، وليس نظام الخدمة المدنية عند تخصيصها؟
بغض النظر عن التوجه المستقبلي للآلية التي ستشغل بها مستشفيات وزارة الصحة لكن يجب أن تكون الرؤية واضحة لما نريده وما سنفعله لتحقيقه. أما أن نعلن من جهة التوجه نحو التخصيص ومن ثم تصدر قرارات تدعم وجود سلم حكومي يتبع نظام الخدمة المدنية ونقول إننا ندعم التوجه نحو التخصيص، فهو ما يصعب فهمه.

متخصص في قضايا التأمين والسياسات الصحية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي