الطاقة في المملكة: خيارات بديلة حلول مستقبلية

الطاقة في المملكة: خيارات بديلة حلول مستقبلية

المملكة مقبلة على قفزات صناعية في مجالات مختلفة، منها الصناعات النفطية من تكرير وبتروكيماوية وغيرها، حيث تتقدم المملكة دول العالم في إنتاج البتروكيماويات المختلفة. فهنالك شركات كبرى تم إنشاؤها مثل "كيان" و"بترورابغ" و"ينساب"، ومشاريع تحت التأسيس مثل مجمع داو البتروكيماوي ومصفاة "أرامكو ـ توتال" ومصفاة "أرامكو ـ كونكوفيليبس"، هذا غير التوسعات في المشاريع الموجودة، إضافة إلى صناعة الأسمنت والمعادن وتحلية المياه.
كل ما تم ذكره يثلج الصدر ويبشر بمستقبل صناعي كبير وزاهر وواعد، ولكن يبقى تساؤل وهو فيما يختص بالطاقة اللازمة لدفع العجلة الصناعية والنهضة في المملكة، طبعاً هذا غير حاجة المدن الهائلة للكهرباء خاصة في فصل الصيف، إذ تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء لتشغيل أجهزة التبريد والتكيف، خاصة مع الزيادة الملحوظة في عدد سكان المملكة مما سوف يزيد الطلب على الكهرباء.
يعد النفط (ومشتقاته من زيت وقود وديزل) والغاز مصدري الطاقة الرئيسة في المملكة، وتحرق المملكة الكثير من النفط الخام وزيت الوقود والديزل لتوليد الطاقة اللازمة للصناعة السعودية وللمدن السكانية، حيث وصلت الكهرباء لكل مدينة وهجرة. ولكن الخام ومشتقاته ليس أفضل المصادر لتوليد الطاقة الكهربائية أو إنها لا تعد المصادر المثلى لتوليد الكهرباء لأسباب بيئية واقتصادية، خاصة إذا ما وضع في الحسبان أن أسعار النفط في أعلى مستوياتها على الإطلاق، عدا عن أسعار الديزل التي وصلت إلى أرقام قياسية، وعليه فإنه من الممكن الاستفادة منها بشكل أفضل من حرقها الذي يساهم في انبعاث غازات الكربون المرتبط مباشرة بظاهرة الاحتباس الحراري المحاربة عالمياً.
يجري الكثير من الكلام عن بدائل الطاقة وعن الطاقة الشمسية وخلايا الوقود الهيدروجيني، وكل هذه الأنواع من الطاقة ما زالت تحت مرحلة البحث العلمي والتجريبي ولم تدخل إلى مرحلة الاستخدام التجاري الكبير. وبناء عليه يوجد حالياً مصدران للطاقة النظيفة مجربان ومعتمدان في كثير من دول العالم وهما: الغاز الطبيعي والطاقة النووية.
أما فيما يتعلق بالغاز، فهو أفضل أنواع الطاقة الاحفورية لأنه لا يحتوي على الكثير من الكبريت ولا على المواد الضارة الأخرى كالبنزين العطري، وكذلك فإن الانبعاثات الكربونية الناتجة عن حرق الغاز هي أقل بكثير من تلك الناتجة عن حرق النفط أو الفحم الحجري. ولكن تبقى المشكلة أن معظم الغاز السعودي يستخدم للصناعات البتروكيماوية، ومازالت الشركات العالمية تبحث في الربع الخالي عن الغاز، وانسحبت في الفترة الأخيرة شركة توتال من التحالف الباحث عن الغاز.
باختصار حتى الآن لا يوجد كميات كافية من الغاز في المملكة لاستخدامه لتوليد الطاقة، على الرغم من وجود الكثير من النفط. إن إنشاء شركة غاز أهلية يرعاها القطاع الخاص يكون أحد أهم أهدافها تأمين الغاز اللازم لتوليد الطاقة، وتستطيع أن تستورد، إن اضطرت، هذا الغاز من دول الجوار عن طريق التجارة مثل التعاون مع شركة دولفين في الإمارات، هي خطوة في الاتجاه الصحيح لتأمين الوقود النظيف للمولدات الكهربائية. وهذا أمر متبع في معظم بلدان العالم، بحيث تقوم شركات الكهرباء بشراء ما تحتاج إليه من وقود، وعادة ما تكون شركات الكهرباء هذه من الشركات الرابحة وتستطيع تأمين ما تحتاج إليه من المال من خلال الاشتراكات المدنية والصناعية.
الغاز أصبح سلعة استراتيجية، وقامت شركات عالمية بصناعته وتوزيعه، فشركة غازبروم الروسية تمتلك نحو ربع احتياط العالم من الغاز، وتمد أوروبا بثلث حاجتها من الغاز. ولكيلا تخضع أوروبا لابتزاز شركة غاز بروم الروسية بحكم حاجتها للغاز الروسي، ولاسيما في فصل الشتاء (خاصة بعدما قطعت روسيا إمدادات الغاز عن أوكرانيا في شتاء 2005م بقصد الضغط السياسي)، خططت بعض دول أوروبا لإنشاء خط غاز مستقل عن "غازبروم" الروسية، وتمت الموافقة على إنشاء خط نابوكو لنقل الغاز من منطقة بحر قزوين، وخصوصاً من أذربيجان، إلى أوروبا الغربية مروراً بتركيا، بلغاريا، رومانيا، وهنغاريا إلى النمسا بتكلفة 5.2 مليار دولار وبطول 3.3 ألف كيلو متر، وسيبدأ البناء فيه العام الحالي على أن ينتهي في 2011م، وفى حالة الانتهاء من تشيد الخط فإن نابوكو يستطيع أن ينقل 30 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً.
الخيار الآخر هو الخيار النووي، والذي يعتبر بحق طاقة المستقبل، ومن الممكن أن توفر المفاعلات النووية حرق ملايين من براميل النفط الخام وتقي البيئة السعودية من تبعات الانبعاث غير الصحية.
معظم دول العالم قطعت أشواطا في السعي لتملك الطاقة النووية السلمية، وتجربة فرنسا رائدة في استخدامها في توليد أكثر من 75 في المائة من كهربائها دون أي حوادث مؤسفة. وتعتبر فرنسا أكبر مصّدر للطاقة الكهربائية في العالم نظراً لسهولة ورخص توليدها باستخدام الطاقة النووية، وتشير التقديرات إلى أن فرنسا تجني نحو ثلاثة مليارات يورو سنوياً جراء تصدير الكهرباء.
وقد أبدى رئيس فرنسا الحالي في زيارته الأخيرة للمنطقة استعداد فرنسا لمساعدة الدول الخليجية على امتلاك الطاقة النووية السلمية، كما أن الدول الاسكندنافية قد ذهبت بعيداً في امتلاك التقنية النووية السلمية والمجربة لعشرات السنين.
تبقى أمور السلامة والصيانة والفضلات النووية أهم عيوب استخدام هذا النوع من الطاقة، وما زال العالم يتذكر تشرنوبيل، ولكن لا بد من التخطيط من الآن لعصر ما بعد النفط والبدء في إرساء البنى التحتية لتلك المرحلة، خاصة في ظل ازدهار اقتصادي وتوافر المال لشراء التقنيات اللازمة والصرف على تدريب الشباب المتعلم المؤهل الذي يمكن أن يتحمل مثل هذا العبء والمسؤولية.

* خبير في شؤون تكرير النفط والبتروكيماويات
[email protected]

الأكثر قراءة