رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


المضاربون وأسعار النفط (2 من 3)

[email protected]

تبين في المقال الماضي أنه بناء على النظرية الاقتصادية لا يمكن للمضاربين أن يرفعوا أسعار النفط لسببين، الأول أنهم لا يخزنون النفط، والثاني أن توقعاتهم مبنية على تصرفات "أوبك" والعوامل التي تؤثر في أسواق النفط. بعبارة أخرى، الأسباب التي تشجع المضاربين على دخول السوق سترفع الأسعار حتى لو تم منع المضاربات تماماً. كما تبين أن الفئة الوحيدة التي يمكنها تخزين النفط لفترات طويلة هي الدول المنتجة عن طريق تخفيضها الإنتاج، وهو الأمر الذي تم بالفعل, كما سنرى في مقال اليوم.
دور قوى السوق
أدناه بعض الحقائق التي توضح أن ارتفاع أسعار النفط هو نتيجة لقوى السوق المتمثلة في العرض والطلب, وأن هناك مبالغة كبيرة في دور المضاربين في رفع أسعار النفط.
1- انخفض إنتاج النفط العالمي منذ حزيران (يونيو) 2005 حتى كانون الثاني (يناير) الماضي، وهي الفترة نفسها التي استمرت فيها الأسعار في الارتفاع. وعندما حطمت أسعار النفط مستويات قياسية جديدة في شهري آذار (مارس) ونيسان (أبريل) الماضيين، لم تكن المضاربات هي السبب بل كان انخفاض الإنتاج العالمي بأكثر من 460 ألف برميل يومياً. ويبدو أن من يلوم المضاربات على رفع أسعار النفط تجاهل حقيقة مهمة وهي انخفاض إنتاج النفط العالمي بنحو 300 ألف برميل يوميا في عام 2007، و267 ألف برميل يومياً عام 2006، كما هو مبين في الشكل البياني المرفق. قد يقول البعض إن الانخفاض صغير لا يتناسب مع حجم الارتفاع الضخم في أسعار النفط، لذلك لا بد أن يكون هناك دور للمضاربين. الجواب عن ذلك هو أن ارتفاع الأسعار يعود إلى الفرق بين الإنتاج المتوقع وما تم إنتاجه فعلاً، وليس إلى انخفاض الإنتاج مقارنة بالفترة السابقة (الواقع أن الأسعار تحددها كمية الصادرات كما سنرى لاحقاً، وليس كمية الإنتاج). مثلاًً، انخفض الإنتاج بمقدار 300 ألف برميل يوميا عام 2007 ولكن التوقعات في أواخر عام 2006 أشارت إلى أن الإنتاج عام 2007 سيزيد بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً، هذا يعني أن الأثر في الأسعار هو أثر انخفاض 2.1 مليون برميل، وليس 300 ألف برميل فقط. (1.8 + 0.3 = 2.1).
2 ـ انخفض إنتاج "أوبك" في شهري آذار (مارس) ونيسان (أبريل)الماضيين بمقدار 400 ألف برميل يومياً، وهي الفترة نفسها التي شهدت تسارعاً كبيرا في ارتفاع أسعار النفط. كما انخفض إنتاج "أوبك" بمقدار 362 ألف برميل يومياً و440 ألف برميل يوميا عامي 2006 و2007 على التوالي. هذا الانخفاض في إنتاج "أوبك" له تأثير كبير في الأسعار، ليس بسبب قيام "أوبك" بتخفيض الإنتاج في بداية عام 2007، ولكن لأن النماذج الرياضية التي تستخدمها "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية للتوقع عفى عليها الزمن. هذه النماذج هي السبب في فشل المحللين في توقع ارتفاع أسعار النفط بالشكل الذي رأيناه في السنوات الماضية. هذه النماذج تقوم بتوقع الطلب العالمي على النفط وإنتاج دول خارج "أوبك" وفقاً لمتغيرات معينة، ولكنها لا تطبق الطريقة نفسها لتوقع إنتاج "أوبك". فهذه الهيئات تفترض أن "أوبك" ستقوم دائما بتغطية الفرق بين الطلب العالمي على النفط وإنتاج دول "أوبك". هذه الفرضية الخاطئة أسهمت بشكل كبير في رفع أسعار النفط لأن أي انخفاض في إنتاج دول خارج "أوبك" أو نمو غير متوقع في الطلب على النفط الذي لا يمكن أن تقابله "أوبك" سينتج عنه فرق بين الطلب والعرض، الأمر الذي يجبر أسعار النفط على الارتفاع حتى يتم ترشيد الطلب بشكل يتوافق مع المعروض. عند هذه النقطة لا يوجد أي عجز في الإمدادات، ولكن الأسعار ستكون مرتفعة، وهذا ماحصل فعلاً.
3 ـ ما يؤثر فعلاً في أسعار النفط العالمية ليس كمية الإنتاج ولكن كمية الصادرات. وما يؤكد أن ارتفاع أسعار النفط يعود إلى أساسيات السوق وليس إلى المضاربات هو انخفاض صافي صادرات "أوبك" بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا خلال عامي 2006 و2007، بعد أن ارتفعت بمقدار 4.8 مليون برميل يومياً بين عامي 2002 و2005. هذا الانخفاض الكبير في الصادرات يعود إلى انخفاض الإنتاج من جهة، وزيادة الاستهلاك المحلي من جهة أخرى. ويجدر بالذكر أن استهلاك الطاقة بشكل عام زاد في الدول المصدرة للنفط بشكل كبير في السنوات الأخيرة، علما بأن مواطني دول الخليج هم الأكثر استهلاكاً للطاقة في العالم.
4 ـ هناك علاقة عكسية قويةً بين مجموع الطاقة الإنتاجية الفائضة في الدول المنتجة والمخزون التجاري في الدول المستهلكة من جهة وأسعار النفط من جهة أخرى, حيث إن التغيرات في هذا المجموع تشرح 91 في المائة من التغيرات في سعر النفط. هذا دليل آخر على أن أساسيات السوق هي التي تتحكم في أسعار النفط وليس المضاربون, لأن الطاقة الإنتاجية الفائضة والمخزون يمثلان العرض والطلب. وبالنظر إلى هذه العلاقة نجد أنها استمرت حتى نهاية عام 2005 ثم انفجرت الأسعار بعد وصول هذا المجموع إلى أدنى مستوى له تاريخيا وبقاؤه هناك حتى حزيران (يونيو) الماضي حيث ارتفع، ومع هذا الارتفاع بدأت أسعار النفط في الانخفاض.
مما سبق نستنتج أن هناك أدلة قوية على دور أساسيات السوق في رفع أسعار النفط, حيث إن انخفاض الإنتاج والصادرات في وقت تزايد فيه الطلب على النفط رفعا الأسعار بشكل كبير. أما الأدلة على ضعف دور المضاربين فسيتم عرضها في المقال المقبل, بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي