رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تحديات حوار الأديان

تشهد العاصمة الإسبانية "مدريد" غدا الأربعاء وبرعاية شخصية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, بدء انطلاق المشروع الإنساني والحضاري الكبير للحوار بين الأديان، وهذا المشروع الذي تبناه الملك عبد الله وأطلقه ليكون إرساء لكلمة سواء بين أتباع الأديان السماوية، يأتي في وقت يشهد فيه العالم حالة تأزم في العلاقة فيما بينه على خلفية حالات التشدد والتطرف من داخل كل دين، والتي أفرزت بدورها جماعات تبنت هذا الفكر الذي أسهم في شحن أتباع كل دين بروح الكراهية والعداء لاتباع الديانات الأخرى، وأخطر ما فيه هو المس بعقائد الأديان ووصمها بالعدائية، وحالات التطرف والتشدد التي برز بعضها كردة فعل وبعضها الآخر تكون من رحم أجندات سياسية استغلت العاطفة الدينية وركوب موجهاتها الكاسحة، هي المسؤولة عن تردي هذه العلاقة وإحلال فكرة الصراع بدلا من التعايش، وليس من باب الدفاع عن الجماعات الإسلامية الموصومة بالتشدد والتطرف, القول إنها نشأت كردة فعل على هجمات شرسة وجهت للإسلام والمسلمين بتهم الإرهاب والعنف وإلغاء الآخر خصوصا بعد أحداث أيلول (سبتمبر) عام 2001 في الولايات المتحدة، وهذا ليس تبريرا لها على الإطلاق، فلجوؤها لأساليب العنف الذي مارسته وما زالت مدان إسلاميا قبل غيره، ولكن الموضوعية تفرض علينا تقصي الأسباب للوصول إلى الحلول، أما على الجانب الآخر وأقصد به تحديدا الجانب المسيحي الغربي، فإن حالات التشدد والتطرف فيه نشأت من دوافع سياسية حاولت توظيف الدين سياسيا، فمد ما عرف بالتيار المسيحي المحافظ الذي تولد منه معتقد ما يسمى بالمسيحية الصهيونية، هو الممثل لحالات التشدد والتطرف المسيحي، والذي أوجد هذا التيار هو محاولة صهيونية خبيثة للمزج ما بين أساطير صهيونية والقوة المسيحية الغربية المادية على خلفية عاطفة دينية تربط ما بين عودة السيد المسيح وإقامة الدولة اليهودية الخالصة والنقية بعاصمتها القدس الشريف "أورشليم" ورمزها إعادة بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، ومن هنا جاء الشحن الصهيوني للمسيحية الغربية ضد الإسلام والمسلمين مستغلين ما حدث في أيلول (سبتمبر).
في ظل هذا الجو الخانق والمعقد والملتبس في العلاقة ما بين الأديان وخاصة الدين الإسلامي والدين المسيحي، برزت الحاجة ملحة وضرورية إلى حوار عقلاني يخرجها من تلاطم الصدام إلى بر التعايش السلمي على قاعدة التفاهم المشترك أولا على أسس الإيمان المتفق عليه وترك القناعات بالطرق الإيمانية كخصوصية لكل دين، وثانيا، على نزع ما اختلط من مفاهيم دينية في كل دين تجاه الآخر تقود فعلا إلى صدام بناء على فكرة "صراع الحضارات" المنظرة له بدوافع سياسية كما نراها جلية فيما سمي بالحرب على الإرهاب التي ارتكزت وإن لم يعلن على رؤية صراع الحضارات بكل أسف، وما يضفي على هذا الحوار العالمي بين الأديان جدية وقيمة أنه فكرة تبناها العالم الإسلامي الذي اتهم وما زال يتهم بالإرهاب ونبذ الآخر، وما يعطيه زخما أكبر ومصداقية إضافية هو تبني خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز فكرة هذا الحوار بكل ثقل المملكة الإسلامي وعلى خلفية اتهامها بأنها منبع ما سميّ بـ "الإرهاب الإسلامي".
السؤال الآن ونحن نرى هذا المشروع يولد فعلا هو هل ستوفر له نوايا وإرادة النجاح وأجواء التوافق بعيدا عن التأثيرات التي ليس من مصلحتها نجاحه...؟ وهل يمكن أن يفك هذا الحوار عرى التحالف العقائدي غير "المقدس" بين الفكرة الصهيونية وليس الديانة اليهودية والمسيحية الغربية..؟ ما أظنه وأعتقده أن هذا الحوار لن يسلم من دسائس صهيونية لإفشاله أو لتفريغه من أي مضامين جدية يمكن أن ترسي توافقا ينقل العلاقة فيما بين الأديان من دوافع الصراع والصدام إلى أجواء التعايش السلمي، فهذا هو ديدن هذه الحركة العنصرية المقيتة منذ نشأتها ومتاجرتها بأساطير سميت بالصهيونية لكونها وظفت تخاريف توراتية لتحقيق أطماع استعمارية واستيطانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي