حمد القاضي يشكو زحام العاصمة ويحكي أسرار زيارة القصيبي لمجلس الشورى
كان الأديب حمد القاضي منشغلا بحميمية السلام وتبادل التعليقات قبل أن ينطلق في حديث ممتع عن زيارة الوزير الشاعر غازي القصيبي لمجلس الشورى وما تبعها من مواقف طريفة على هامش ذلك اللقاء الذي كتبت عنه وسائل الإعلام، غير أن أحدا لم يشر إلى تفاصيل مثل أن أحد الأعضاء مازح القصيبي في فترة الاستراحة بقوله "كيف تجمع بين مهام وزارة العمل ومسؤولياتها الكبيرة وأنت الشاعر الحساس المرهف؟؟" فكانت إجابة القصيبي عبارة عن دعاء لله بأن يسخر موهبته الأدبية لبلاده وأن يغنيه عنها إن لم يكن فيها نفع للوطن والمواطنين .
رغم أن تلك المناسبة المعلنة هي "تدشين العدد الجديد من المجلة العربية" غير أن أحدا لم يتحدث عن ذلك كثيرا، فإضافة إلى حديث القاضي العفوي، كان عثمان الصيني يرحب بالحضور ويمازحهم ويحكي لهم عن مواقف من ذاكرة التراث الحجازي ولحظات لا تنسى من تجربته إعلاميا وإنساناً.
بشكل عام وبالعودة على موضوع اللقاء الأساسي، يبدو أن "المجلة العربية" تستعد لترسيخ شخصية جديدة لها على مستوى ما يتم تقديمه في المشهد الثقافي، ولا سيما بعد التغيرات التي شهدتها فترة استقالة ربانها الأديب المعروف حمد القاضي وحتى تولي الدكتور عثمان الصيني رئاسة تحريرها، التي دشن من خلالها العدد الجديد بمفهومه النوعي المختلف عن عما تعود عليه قراء "المجلة" الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن.
حضور "الاقتصادية" في اللقاء الاحتفائي المبسط بتدشين التصور الجديد لـ "المجلة العربية"، كشف لنا عن نية إدارة المطبوعة في التواصل المباشر مع المثقفين والإعلاميين بعيدا عن بروتوكولات معتادة في مثل هذه المواقف، واتضح جليا أن الدكتور عثمان الصيني وهو المثقف والأديب لن يكتفي بممارسه عشقه الإعلامي بمضمونه الثقافي الأقرب إلى نفسه، ولكنه سيعمل على كسر كثير من الحواجز النفسية التي تفاقمت ما بين المطبوعات والوسط الثقافي بشكل جعلها تتفاقم بديهيا فيما بعد تجاه الوسط الاجتماعي وشريحة القراء حتى تحولت إلى ما يشبه العزلة التامة.
الحديث الودي الذي تم على هامش إصدار العدد، فضلا عن ملامح وتفاصيل العدد نفسه، كشفت عن رغبة في تطوير الطرح وترسيخ الهوية الجديدة، حيث أشار الصيني في هذا الجانب إلى توجه "المجلة" نحو قراءة الثقافة بمنظورها الأبعد من مجرد الأدب، فضلا عن تناول المشهد الأدبي بأسلوب سهل وقابل للوصول إلى المتلقي العادي بشكل يعزز اهتماماته القرائية والمعرفية.
تحدث كذلك عن أهمية ربطها بالواقع الإعلامي والاستفادة من كل التقنيات المتوافرة في سبيل تقديمها بشكل حديث جذاب، مؤكدا على توظيف الصورة والألوان والأدوات الإخراجية في هذا الإطار وعلى نحو يجعلها تبدو كما لو كانت"مجلة تلفزيونية"بالمفهوم الحديث.
ولم يغفل رئيس التحرير الجديد للمجلة العريقة حرصه على استمرارية العمل في دعم حضورها العربي الذي ترسخ خلال الفترة الماضية، حيث ستعمل على ربط الثقافة المحلية بالعربية والتواصل مع مختلف الكتاب والمثقفين بغرض نشر أعمالهم الأدبية والنقدية وغيرها، إلى جانب تناول كل ما يستجد من قضايا ومحاور تتعلق بالمشهد الثقافي والعملية الإبداعية في الوطن العربي.
الدكتور عثمان الصيني الذي كان رئيسا لتحرير جريدة "الوطن" في فترة سابقة، يرى أن طبيعة العمل في المجلات يقتضي مزيدا من التخصصية في الطرح بحيث تتضمن المادة الصحافية عمقاً معرفياً أكبر قد لا يمكن توافره في الصحافة اليومية التي تسعى بالدرجة الأولى إلى طرح جوانب وقتية تبعا لطبيعتها التفاعلية.
وقد اتضح البعد التثقيفي العام الذي انتهجه العدد الأول ولا سيما فيما يتعلق بموضوعات تؤلف بين الحاضر والماضي وتجمع البعد الثقافي والأدبي مع العمق التاريخي لمناطق غنية بالتراث والثقافة والإبداع، فجاء فيها موضوع موسع حول مدينة القطيف، ومنطقة إرم ذات العماد المذكورة في القرآن، فضلا عن ملف حول الأدب اليمني، وقد شهد العدد كذلك مشاركة الناقد المعروف الدكتور عبد الله الغذامي بمقال بعنوان"معرض الكتاب الأول وتلقين الدروس" تحدث فيه عن محاضرته التي شهدت جدلا واسعا خلال فترة ماضية والتي قال فيها عبارته الشهيرة "سأكون تلميذا نجيبا لكل من يريد أن يلقنني درسا" والجدير بالذكر أن بعض الحضور أبدوا مفاجأتهم بحضور الغذامي في "المجلة العربية" بشكل غير متوقع وهو ما علق عليه الصيني مازحاً بقوله "أنا من اتصلت عليه وأجبرته على أن يكتب لنا ولم يكن يملك أي خيار آخر!!".
حديث ثقافي شيق شهده ذلك اللقاء الذي أسهم في نجاحه كسره نمطية تجمعات المثقفين الملغمة سلفا بجداول الأعمال والمداخلات النقدية، طرحت عدة موضوعات تنوعت ما بين قضايا ثقافية أو اجتماعية أو حتى مواقف طريفة، بدءا من الحديث خفيف الظل لرئيس تحرير الابتسامة حمد القاضي الذي علق على طبيعة واتساع مدينة الرياض بدءا من زحامها الذي يؤثر في التحرك ما بين أجزائها الشاسعة لحضور مناسبة اجتماعية أو أخرى وليس انتهاء بدوامة الازدحامات الشخصية والروتين المهني الذي يحول دون تواصل المثقفين، في حين طرح الحضور الذي تنوع بين كتاب وصحافيين وأدباء أكثر من قضية ثقافية وإعلامية كالأخطاء المطبعية، وعبثية الروايات الجديدة، ونخبوية بعض الملاحق الأدبية، و"الواسطة"بين المثقفين، كان لروح الدعابة التي يتمتع بها الصيني دور في إعطائها طابعاً خاصاً، حيث لم يغب عني تعليقه على موضوع عدم استفادة المثقفين السعوديين من حضور الشخصيات الفكرية والأدبية المعروفة وهو يقول بالخطأ "مشكلتنا أننا لا نفعل شيئا غير إسكانهم في بنك الرياض - وكان يقصد فندق الرياض - وقبل أن يكتمل تفاعل الحضور مع زلة لسانه العفوية عقب عليه حمد القاضي مازحاً بقوله "إذا أسكناهم في البنك فلن يخرجوا منه أبدا !!"