رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إشاعة الاختصار .. في أسلوب حياتنا

يدور هذه الأيام جدل غير مسبوق حول زيادة أحرف التغريدات في "تويتر" من 140 إلى 280 حرفا .. وينقسم المشاركون إلى مؤيد يرى أنها فرصة للتعبير عن الرأي بوضوح وبشكل متكامل بدل الاختصار الذي يكون مخلا في بعض الأحيان.. بينما يرى الفريق الآخر ومنهم الزميل خالد السليمان أن الاختصار فن ساعد "تويتر" على اكتساب مهارته، ومع الأسف سيفقد "تويتر" أهم ميزاته، وقد لقي هذا الرأي تأييدا من كثيرين، أكد بعضهم (أن الاختصار يمثل تحديا لإبراز المتميز، وقد علمنا كيف نعتني بجمال المفردة وكيف نصوغ نص التغريدة، واليوم سنقرأ في "تويتر مطولات ومقالات مكانها الطبيعي خارج مجمع التغريد العالمي.. كسبنا أحرفا وخسرنا جمالا).
وأكتفي بهذه الأمثلة من التغريدات المؤيدة، التي وعد بعض مغرديها بأن يلتزموا الـ 140 حرفا، والمؤمل الوفاء بهذا الوعد.
وبعد هذه المقدمة ليس من الصعب اكتشاف أنني من المؤيدين للاختصار، ليس في "تويتر" فقط بل في أسلوب حياتنا بشكل عام.. وعودة إلى الترشيد في أسلوب التخاطب، لنا قدوة في معلمنا الأول محمد بن عبدالله - عليه صلاة الله وسلامه -، الذي قال (أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا)، وقد علمنا من الأدعية ما تغني كلماته القليلة عن الإطالة التي لا حاجة إليها.. ثم إن الخلفاء والسلف الصالح لهم مواقف كثيرة في الاختصار.. ومن ذلك أن عمر بن عبدالعزيز كان يحاسب الولاة على تقصيرهم، وقد كتب إلى أحدهم نصا مختصرا يقول فيه (لقد كثر شاكوك وقل شاكروك، فإما اعتدلت وإما اعتزلت والسلام)، وفي تاريخ بلادنا اشتهر الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - بالخطابات المختصرة أيضا، فحينما يريد تكليف شخص يكتب له بهذا المعنى (لقد وقع نظرنا عليك للقيام بهذه المهمة، وأنت إن شاء الله تباشر وليس لك عذر، ونحن لن نقصر معك)، ففي هذه الكلمات القليلة جميع متطلبات التكليف من حسن اختيار وحث ووعد بالمكافأة والدعم.. واشتهر الملك فيصل - يرحمه الله - بشروحاته المختصرة على المعاملات التي تعرض عليه، حيث لا يتعدى الشرح بقلم الرصاص ثلاث أو أربع كلمات مؤدية للغرض.
وأخيرا: لا بد من التأكيد على أن المعنى الصحيح لغويا للاختصار هو "إيجاز اللفظ مع استيفاء المعنى".. أي ما دل قليله على كثيره.. والعرب تقول "خير الكلام ما قل ودل"، ولذا فإن كتابة نص مختصر أصعب بكثير من كتابة المطولات.. وقد كتب برنارد شو الأديب الإنجليزي الساخر إلى صديق له خطابا مطولا ذيله بعبارة "معذرة لم أجد الوقت الكافي لكتابة خطاب مختصر"، وأنا شخصيا أعاني ذلك، حيث أحرص على أن تكون مقالاتي مختصرة دون الإخلال بالمعنى، ولذا أسميت أول زاوية كتبتها في جريدة "الجزيرة" قبل ما يقارب أربعة عقود (حقيقة في دقيقة)، لأشجع القارئ على قراءة النص كاملا.. ومن الملاحظ وبالذات في هذه الأيام أن المقالات المطولة لا تُقرأ، وليعذرني بعض الزملاء كتاب المطولات في مختلف التخصصات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي