رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تركيا بين الخصام والوئام

[email protected]

تعد تركيا الاقتصاد الخامس عشر في العالم والسادس على مستوى الدول السبع والعشرين الأوروبية، حيث تضع تركيا دائما نفسها أوروبيا، ويبلغ عدد سكانها 70 مليونا و65 في المائة من السكان تحت سن 34 سنة، ولديها قوة عمل مدربة وجيدة وما يفوق 116 جامعة وعدد كبير من الخريجين كل عام ولديها قوة عمل جيدة تعد من حيث القدرات الرابعة في أوروبا، تصدر بعض القوى العاملة إلى أوروبا وخاصة ألمانيا التي توجد فيها جالية تركية كبيرة ويبلغ إجمالي الإنتاج القومي نحو 663 مليار دولار بنسبة نمو سنوية مقدارها 7 في المائة وتصدر ما قيمته نحو 107 مليارات دولار، وتعد مركزا جيدا للتصدير لجيرانها ـ وكنا قبل سنوات نعايش الوضع المتردي للاقتصاد التركي ونسبة التضخم العالية التي كان يعيشها ذلك البلد ثم نلمس بفاعلية التحول الجذري وارتفاع مستوى الدخل القومي والتصدير وتوافر البنية الإنسانية والكفاءة العمالية والقدرات التصنيعية العالية التي جعلت تركيا في مراكز قيادية للتصدير إلى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، وكذلك للدول العربية المحيطة، ومنها المملكة والعراق، وقد جاء هذا النمو نسبة إلى الاستقرار السياسي الذي عاشته تركيا في عهد الحكومة الحالية التي قادت التوجه الكبير إلى التصنيع والتدريب والتلاحم مع الشعوب العربية والإسلامية التي تعد تركيا مركزا مهما لها، فمنذ قدوم حزب العدالة والتنمية الاجتماعية إلى مقعد القيادة منذ عام 2002، أدخل عددا من الإصلاحات السياسية والاقتصادية وهذا الحزب يحمل إرثا سياسيا لحزبين سابقين اتهما بالأسلمة وقد تم منعهما من ممارسة السلطة بتهمة أنهما ضد العلمانية ـ وها هي المحكمة الدستورية مرة أخرى تنظر في محاولة منع حزب العدالة والتنمية الذي يسيطر على البرلمان الآن من إتمام مهامه التنموية ومنعه من ممارسة السلطة بما في ذلك رئيس الجمهورية عبد الله قل ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، فالمحكمة تنظر في منع الحزب وكذلك منع الرئيس عبد الله قل ورئيس الوزراء من العمل السياسي لمدة خمس سنوات ـ ولا شك أن المبادرة التي صوت فيها 9 مقابل 2 من القضاة لمنع القانون القاضي بالسماح للنساء بارتداء الحجاب في الجامعات التركية. إن هذه البادرة وقرار المحكمة ستمهدان الطريق مستقبلا لقرار مماثل بمنع الحزب والقيادة من العمل السياسي، وهي بادرة قد تؤثر في الديمقراطية في تركيا بادعاء أن الحكومة تخرج عن خط السير العلماني الذي خطه أتاتورك ووضع القيادة وحزام الأمان في يد الجيش لمراقبة الالتزام بالسير على النهج العلماني في فصل الدين عن السياسة، حيث يرى بعض المعارضين لحزب العدالة والتنمية أنه يسعى حثيثا إلى أسلمة الدولة وإخراجها من قمع العلمانية إلى ضوء الإسلام والالتزام ـ إن إلغاء الأحزاب بقرار من المحاكم هو أسلوب تركي قديم جديد، وقد استعملته السلطات التركية المعارضة ما يفوق 23 مرة، حيث تم إلغاء ما يزيد على 24 حزبا في تركيا منذ عام 1961. وقد جاءت قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد هذه القرارات واعتبارها مخالفة لحقوق الإنسان. إن المراقب للوضع العام في تركيا يدرك أن حزب العدالة والتنمية في خلال ست سنوات من تسلمه الحكم قام بنقل تركيا من وضع اقتصادي متلازم إلى نمو اقتصادي جيد وإلى علاقات أوروبية وعربية وإسلامية وأممية جيدة، وهو ما لم يتوافر في ظل الأنظمة العلمانية السابقة، ولعل القضاة في المحكمة الدستورية الذين ينظرون في الأشهر المقبلة في موضوع حل حزب العدالة والتنمية يدركون المخاطر التي قد يخلفها مثل هذا القرار. إن ثقة الكثير من الناخبين الذين أوصلوا حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم هم في الأصل من الطبقة التركية المتعلمة التي استعملت سلاح الديمقراطية لإيصال حزب العدالة والتنمية إلى كرسي الرئاسة وقيادة الدولة، وإن مجرد التوجه لرفع الأمر للمحكمة واستعدادها للنظر في منع حزب العدالة والتنمية ومنع الرؤساء وأعضاء الحزب من الممارسة السياسية بعد أن أوصلتهم الديمقراطية والانتخابات إلى هذا المكان من مراحل التاريخ التركي المتراكم، سيكون الأمر في غاية التعقيد في حالة إقرار المحكمة هذا المنع ومنع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من ممارسة السياسة ربما لعدد من السنوات بعد سنوات من الاستقرار والتنمية والتطور لم تشهدها تركيا من قبل، وبعد سنوات من العمل السياسي المنظم والعلاقات الدولية المرتبة وتعاطف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مع مراحل الإصلاح الاقتصادية التي تمر بها تركيا. إن الأتراك شطار في ارتداء طاقية الإخفاء والخروج إلى المجتمع الدولي في حالة إقرار المحكمة منع الحزب والقادة بصورة قانونية أخرى كما رأينا في السابق، حيث اعتمد حزب العدالة والتنمية على الطبقة الوسطى التي نمت وترعرعت الآن وأصبحت ذات تأثير كبير في التوجهات السياسية، وسيكون أثر ذلك كبيرا في المحادثات الأوروبية للانضمام إلى العضوية وكذلك القوى الكردية المعارضة التي ترى في إمكانية التفاهم مع حزب العدالة والتنمية وحل المشكلة القبرصية ـ التركية والتقارب الكبير مع الدول العربية والإسلامية، وكذلك القرب الأكيد من أمريكا، وعسى أن يثوب الكثير إلى رشدهم لإعادة كتابة القانون التركي الذي تمت إعادة صياغته بعد الانقلاب الذي قاده العسكر في عام 1980، وكأن التاريخ يعيد نفسه لسنوات ماضية عندما قدم عدنان مندريس اليميني إلىَ منصب رئيس الوزراء بعد أول انتخابات برلمانية، وقد قام عدد من الضباط بالانقلاب الأول بمساعدة القوى العلمانية وبعض المعارضين السياسيين ليؤدي ذلك إلى إسقاط الدولة حيث كان مندريس يتمتع بالفترة الثالثة كرئيس للوزراء، وتم تنفيذ حكم الإعدام في عدنان مندريس في أيلول (سبتمبر) 1961م. إن تعاون العسكر كما نشر أخيرا في جريدة "طراف" التركية لإسقاط الدولة واتجاه المحكمة العليا للنظر في أيلول (سبتمبر) في منع الحزب وكذلك الرئيس ورئيس الوزراء توجهات تدعو للعجب، فقد تقدم المدعي العام بطلب للمحكمة لمنع الحزب وواحد وسبعين من أعضائه من ضمنهم رجب أردوغان والرئيس عبد الله قل، ومنعهما من ممارسة السياسة باعتبارهما يقودان البلاد إلى الخروج من العلمانية وتطبيق الشريعة الإسلامية. لقد كان على رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أن يقول في خطابه للبرلمان في الأسابيع الماضية، إن المحكمة الدستورية ربما تجاوزت حدودها في النظر في هذه الدعوى، وبذلك تظل تركيا منقسمة بين فريقين، فالجيش يشعر أنه حارس العلمانية ويملك الكلمة العليا والسلطة القصوى لقيادة البلاد وليست صناديق الاقتراع والسلوك الديمقراطي الذي يجب أن يسود. ومهما نتج عن هذه التوجهات فإن واجبنا كجيران ومسلمين الاهتمام بالشأن التركي وتعلم لغتهم وتشجيع صناعتهم وسياحتهم واحتوائهم كدولة صديقة وجارة مهما كانت النتائج، وفي حالة صدور قرار منع الحزب والأعضاء، فإن الأتراك شطار في العودة باسم آخر وشعار آخر وبالأفكار نفسها.
والله الموفق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي