عن المخزون
يبدو أن وضع المخزون النفطي سيلعب دورا مؤثرا خلال فترة الأسابيع القليلة المقبلة وحتى الاجتماع المقبل لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك). وحدد المهندس علي النعيمي وزير النفط السعودي الإطار العام بقوله إنه قرب اجتماع آذار (مارس) ستكون الصورة أوضح فيما يتعلق بوضع المخزون وربما قريبا من منتصف نطاقها في خمس سنوات. وقتها يمكن للمنظمة أن تحدد ما تفعله بالإنتاج والحجم الذي ستقرره خفضا أو رفعا لإمداداتها للسوق.
ظلت المخزونات التجارية عاملا مهما في موازنة السوق بين العرض والطلب عبر التقلبات الموسمية، ثم جاء الحظر النفطي عام 1973، وبرز من ضمن الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة، المستهدف الأول من الحظر، فكرة الاحتياطي النفطي الاستراتيجي. وبدلا من مخزون عادي يتحرك وفق احتياجات السوق، فهذا مخزون وضع من أجل الطوارئ، التي استندت إلى خاصية الصناعة النفطية ذات الطبيعة الاستراتيجية لاستخدامه في اليوم الأسود عندما تنقطع الإمدادات لأي سبب سياسيا كان أو غيره مثل الحروب أو الاضطرابات التي تقع في مرافق بعض المناطق المنتجة وتعطل من تدفق الإمدادات.
المفارقة أن الاستخدام الأول لهذا المفهوم جاء إثر مزاوجة بين البعد التجاري والاستراتيجي. فعقب اندلاع الثورة الإيرانية أصابت السوق حمى أنه سيحدث انقطاع في الإمدادات، وهو ما رفع سعر البرميل إلى قرابة 40 دولارا وقتها، وهو سعر لم تشهده الصناعة النفطية من قبل، رغم أن المنتجين الآخرين كانت لديهم القدرة على التعويض عن أي نقص.
أدى هذا إلى تصاعد الإنتاج حتى وصل في بعض الأحيان إلى وجود قرابة ثلاثة ملايين برميل يوميا فوق الحاجة الفعلية للسوق. وفي وضع كهذا تذهب الكميات الفائضة إلى المخزونات. وهي التي لعبت دورا إضافيا بعد سنوات قليلة، إلى جانب بروز الإمدادات من المنتجين خارج (أوبك)، لتضغط على هيكل الأسعار حيث بدأت الفجوة تتسع بين السعر الرسمي الذي تعتمده المنظمة وأسعار السوق الحرة التي صارت تتخذ منحى تنازليا، وهذا ما وضع بذرة التوجس لدى (أوبك) تجاه المخزون.
أول استخدام فعلي للمخزون في الإطار الاستراتيجي جاء قبيل شن قوات التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة لإخراج الرئيس العراقي السابق صدام حسين من الكويت في عام 1991. فبسبب انقطاع النفطين العراقي والكويتي عن الأسواق نتيجة قرارات الحظر التي اعتمدها مجلس الأمن وقتها، فقد رؤي دعم السوق بضخ كميات من المخزون النفطي الاستراتيجي أضيف إليها خطوة السعودية رفع إنتاجها وقتها لذات السبب، وهو ما أدى إلى حالة استقرار في السوق بعد فترة قليلة.
المرة الثانية التي تم اللجوء فيها إلى المخزون الاستراتيجي كانت في عام 2000، في خواتيم أيام إدارة الرئيس بيل كلينتون، تصاعدت فيها أسعار النفط، وانعكس ذلك على سعر الوقود الذي يشتريه المستهلكون من محطات التعبئة. وبما أن تلك كانت سنة انتخابية، ونائب الرئيس آل جور مرشح عن الحزب الديمقراطي، وسعر جالون الوقود كاد يصبح قضية انتخابية، فقد أمر كلينتون بضخ خمسة ملايين برميل علها تسهم في إحداث تراجع في سعر الوقود للمستهلكين، وهو ما لم يحدث.
أما المرة الثالثة التي تم اللجوء فيها إلى المخزون ولأسباب طبيعية تخلو من البعد السياسي، ففي صيف عام 2005 إثر إعصاري كاترينا وريتا وذلك للتعويض عن تراجع حجم الإمدادات الداخلية بسبب التدمير الذي لحق بمرافق الصناعة النفطية في منطقة خليج المكسيك.
وهكذا فبالنسبة للمخزون الاستراتيجي تبدو التجربة جيدة، فالمرات الثلاث التي تم اللجوء إليه كانت واحدة بتوافق مع المنتجين، والثانية لمواجهة كارثة طبيعية والثالثة أثبتت أنه لا يمكن استخدامه وسيلة لخفض الأسعار ما لم تكن العوامل الأخرى مثل العرض والطلب مواتية، كما اتضح من تجربة كلينتون.
على أن الهم الأساسي للمنتجين في (أوبك) هو وضع المخزونات التجارية التي يمكن أن تصبح عرضة للتلاعب من التجار والمضاربين والباحثين عن الربح دون وضع في الاعتبار أي عوامل أخرى.
واتضح هذا الهم بصورة واضحة عبر جهود "أوبك" بعد الانهيار السعري أواخر العقد الماضي وبداية تحرك سعر البرميل إلى أعلى منذ العام 2000، عندما اهتمت (أوبك) بوضع المخزون بحسبانه إحدى آليات التأثير في السعر. لكن هذا يتطلب متابعة وضع المخزون بدقة وحجم ما سحب منه بخاصة خلال فترة الشهرين الماضي والحالي بسبب فصل الشتاء. فالربع الثاني تبدأ عمليات بناء المخزون التي تتصاعد بصورة واضحة خلال الربع الثالث، وهذا ما تحتاج (أوبك) إلى ضبطه بدقة، الأمر الذي يتطلب متابعة أفضل. لكن في النهاية يبقى السؤال: ما السعر الذي تفضله (أوبك) وتستخدم آلية المخزون من ضمن آليات أخرى للوصول إليه، وهو السؤال الذي تجنبته "أوبك" حتى الآن؟