مؤتمر جدة للطاقة .. هل ينافس مؤتمر دول هيئة الصين للطاقة؟!

يأتي مؤتمر جدة للطاقة اليوم، الذي دعا له خادم الحرمين ويحضره أكثر من 35 دولة ووزراء النفط فيها، وكأنه استجابة لرغبة هذه الصحيفة عندما طالبت به قبل عام، "أن يكون لنا كياننا الخاص لنترأس منظمة مشابهة لمؤتمر دول هيئة الصين لها وندعو غيرنا من الدول الأخرى والمستفيدة من ثروتنا النفطية للمساهمة معنا "وذلك خلال انعقاد مؤتمر دول الطاقة لهيئة الصين التي تتبع روسيا، وطالبت أن نكون نحن الرواد وتساءلت عما إذا كان من المصادفة أن مقالي في العام الماضي عن الرؤية المستقبلية للمملكة بأن نكون دولة أو مملكة الطاقة وقد تزامن مع المقال في وقته انعقاد مؤتمر دول الطاقة التي تتبع روسيا. وهي مؤسسة أو هيئة للطاقة مكونة من عدة دول أكبرها الصين وروسيا وينضم لها كازاخستان وطاجكستان وبعض الدول التي استقلت من الاتحاد السوفيتي، وهو مؤتمر معروف وتهدف من خلاله المنظمة للتحكم في أبحاث ومسارات وتوجهات الطاقة في العالم وكيف تتمكن تلك الدول من الاستفادة منها، ولكن أكثر ما شدني هو حرص ثلاث دول أخرى ومطالبتها بالانضمام إلى تلك المنظمة، وهذه الدول هي إيران والهند وباكستان، وهذا الاهتمام من تلك الدول يجعلني أعيد الطرح والتفكير في ضرورة أن نتقدم للانضمام لتلك المنظمة، أو أن نبحث الموضوع لمعرفة لماذا هذا الاهتمام، أليس هناك ما يلفت النظر؟ فهم جيراننا من الشرق والشمال، أو أن يكون لنا كياننا الخاص لنترأس منظمة مشابهة لها وندعو غيرنا من الدول الأخرى والمستفيدة من ثروتنا النفطية للمساهمة معنا، فنحن كمجتمع ودولة أفراد ومؤسسات يجب أن يكون لدينا رؤية مستقبلية واضحة ومبنية على قدراتنا ومقدراتنا، فمعظم دول العالم تسعى لأن يكون لها مسمى يعكس حضارتها وما تسعى إلى الوصول إليه. وتتسابق وتتصارع فيما بينها لمسميات مثل آسيا الجديدة وآسيا السياحية والاقتصادية والتجارية، بينما نحن أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم نفتقد رؤية مستقبلية واضحة لما نهدف إليه. ومع الأسف معظم الخبراء في النفط ليسوا سعوديين وإن كانوا من دول عربية شقيقة، وماذا ستكون رؤيتنا التي نحملها للأجيال المقبلة عندما ينتهي مخزوننا من النفط، أو عندما يتضجر العالم من مشكلات التلوث البيئي، خاصة بعد التوجه العالمي الأخير لتجنب الطاقة النفطية؟ ومحاذير ذلك علينا من فرض ضرائب أو عقوبات. أليس من الأولى أن نبدأ من الآن في وضع رؤية وخطة مستقبلية للاستفادة من مدخراتنا النفطية لتطوير تقنية تقليل التلوث من الوقود وفي الوقت نفسه تطوير البدائل الأخرى للطاقة التي حبانا الله بها مثل الطاقة الشمسية والكيميائية وغيرها؟ وأن نسخر إمكاناتنا للبحث العلمي والتطوير لتلك البدائل وندرب أبناؤنا من خلال برامج مشتركة مع الدول التي سبقتنا في هذا المجال؟ وما الذي يمنعنا أن نحلم أن نكون دولة أو مملكة الطاقة Energy Kingdom؟!
هل لدينا أي شك في أننا دولة حباها الله بثروات من الطاقة لا تحصى بدءاً من النفط ومشتقاته إلى البدائل النظيفة للطاقة، ثروات من جيولوجية وطبيعية ومناخية من الأشعة الشمسية والشمس اللاهبة إلى الثروة الهائلة من الرمال التي يصنع منها السليكون للشرائح الضوئية، وإلى صحراء ووديان مناسبة لمجارٍ أو أنفاق هوائية لتحريك مراوح الطاقة الهوائية وإلى محاصيل التمور التي يستفاد منها في الطاقة الكيميائية من حرق السكر وتحويله إلى أنواع الوقود الكحولية.
مجموعة كبيرة من المخرجات والثروات التي لا بد من تبني فكرة تطويرها حسب الأولوية والأهمية من خلال خطة طويلة المدى وعلى مراحل من عشرات إلى مئات السنوات، فالعالم يتوجه إلى هذا المسار، ولنجار التسابق العالمي الذي تتزعمه ألمانيا حالياً وتنافس فيه سويسرا وأمريكا وهو التوجه إلى أهم بديلين حاليين للطاقة النفطية وهما الطاقة الشمسية والطاقة الهوائية. وتسعى حالياً الصين والهند وكندا للدخول بقوة في هذا المجال الذي أزف وقته.
وأعود إلى ما سبق أن أشرت إليه من وسائل الطاقة الشمسية باتجاهيها لتوفير الطاقة: الاستفادة من حرارة الشمس بالأسلوب التقليدي أو تطوير التقنية لتركيز حرارة الشمس في بؤر عاكسة لتسليط حرارة شديدة تساعد على التبخير للمياه ومن ثم تقطيرها، وإمكانية تطوير محطات تحلية مياه صغيرة جداً ويمكن استعمالها لكل منزل، وقد تكون مناسبة للمزارع والمصانع البعيدة عن المدن. والاتجاه الآخر للطاقة الشمسية هو الأكثر تعقيداً وتكلفة وهو استعمال الخلايا الضوئية (فوتوفولتك) لتوليد الطاقة الكهربائية وتخزينها، وهو المجال الذي تتسابق إليه الدول، وقد كان العائق أمام هذا البديل هو عدم جدواه اقتصاديا بسبب التكلفة العالية لصناعة الخلايا الضوئية الفولتية، ولكن التطور الأخير الذي جعل تلك التكلفة تقل 50 في المائة عّما سبق هو الذي أعاد الاهتمام بها، ثم البديل الآخر وهو المراوح الهوائية لتوليد الطاقة وبالتوجهين السابقين للطاقة الشمسية نفسيهما، فالمراوح الهوائية كانت تستعمل في هولندا بطريقة تقليدية وميكانيكية بسيطة لنقل المياه من جهة إلى أخرى، كما كانت تستعمل لضخ المياه من الآبار الضحلة. ولكن التوجه الحالي هو لاستعمال تقنية المراوح الهوائية لتوليد الطاقة الكهربائية من خلال مزارع من المراوح الكبيرة التي تبلغ ريشتها عشرات الأمتار، وتدير تلك المراوح توربينات ضخمة وكافية لتوليد طاقة كهربائية لإنارة مدينة كبيرة. وأخيرا وليس آخراً بدائل الوقود البيولوجية أو الكيميائية مثل الوقد بالكحول والهيدروجين والغازات الأخرى، ويستخرج الكحول من محاصيل زراعية معروفة كمصدر للسكر أو الجلكوز، وقد يكون ما لدينا من ثروات التمور في المملكة ما يمكنا من تصدير هذه الطاقة للعالم.
هذا المؤتمر اليوم قد يكون أهم وأكبر من مؤتمر الدول التي تتبع لروسيا. وحضور المنظمات الكبيرة مثل (أوبك) وصندوق النقد ومنظمات الطاقة الدولية الأخرى وشركات النفط يعطي المؤتمر زخما كبيرا، وهي دعوة لجيراننا سواء إيران أو الهند أو باكستان للانضمام إلينا. وعلى المستوى المحلي قد يحرك فينا بعض الشعور في أهمية التحرك لنكون مملكة الطاقة أو على الأقل نكون شركاء فيها في ضوء منظمة (أوبك) أو أكبر من ذلك. وتجعلني أربط الرؤية المستقبلية لنا كمقترح للمضي قدما في موضوع مملكة الطاقة وحث المسؤولين أو المختصين في هذا المجال على وضع أيديهم معنا لإنارتنا عن مدى جدية وجدوى هذا المقترح. وإلى طرح الموضوع في مسابقة عالمية وعلمية مثل جائزة الملك فيصل الخيرية وللمساهمة في طرح الموضوع للنقاش في حلقات الحوار الوطني، ووضع خطة ورؤية مستقبلية متميزة وتميزنا عن غيرنا، وأن نسخر لذلك البحث القدرات المالية والبشرية والعلمية للتطوير وأن نزرع في أبنائنا هذه القدرات وأن نوجههم التوجيه الصحيح من خلال جامعات ومعاهد تدريب، وأن نسعى لأن نكون دولة الطاقة بكل ما يحمله الاسم من أبعاد.
آمل أن يدعم هذا المؤتمر دعوتنا لنكون دولة الطاقة وأن تكون هي الرؤية المستقبلية التي نسعى لها إضافة إلى الرؤية التي منّ علينا بها الله وهي الإسلام، وألا يسدل الستار على هذه الرؤية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي