الدجاجة أم البيضة؟
تركزت عين واشنطن على فيينا خلال الأسبوع الماضي، وفي الوقت الذي تركزت فيه عين فيينا على واشنطن. والمكان في الحالين مجرد مؤشر.
فواشنطن، العاصمة الأمريكية، إنما هي تعبير عن مكان السلطة واتخاذ القرار بالنسبة لأكبر اقتصاد في العالم وأكبر مستهلك للنفط. أما فيينا، فهي العاصمة الأوروبية الوحيدة التي قررت قبل أكثر من أربعة عقود من الزمان القبول بمنظمة جديدة شبه مجهولة والسماح لها أن تقيم رئاستها لديها، وذلك بعد أن عبرت جنيف، الخيار الأول لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك)، بصراحة، عن عدم حماسها لاستضافة المنظمة الوليدة.
لكن الزمان دار دورته، وهاهي عين القوة العظمى الوحيدة في العالم تتعلق بـ (أوبك) وهي تلتقي في فيينا علها تستجيب للطلب والإلحاح الأمريكي الذي دفع بالرئيس جورج بوش إلى زيارة الدول الخليجية الشهر الماضي، ثم ليعقبه وزيره للطاقة سام بودمان. وفي الحالين كانت هناك رسالة واحدة، واضحة ومختصرة: زيدوا الإنتاج حتى يتدفق المزيد من النفط إلى الأسواق عل ذلك يسهم في خفض سعر البرميل وبالتالي يجنب الاقتصاد الأمريكي الوقوع في حفرة الكساد.
لكن ملامح الكساد بدأت فعلا، الأمر الذي دفع بوش للتوصل إلى تفاهمات مع قادة الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ وطرح خطة تحفيز اقتصادي دعمها مجلس الاحتياط الفيدرالي بخفض لمعدلات الفائدة بأمل استباق تحول التباطؤ إلى كساد، وهي الكلمة التي يتجنب الكل مجرد التلفظ بها.
الذين التقوا في فيينا كانت قلوبهم معلقة بواشنطن، أو بصورة أدق، كانوا ينتظرون نتاج ما قامت به واشنطن خلال الأسابيع القليلة الماضية ومدى تأثير تلك الخطوات في الوضع الاقتصادي. فبالقدر نفسه الذي يبدو فيه الاقتصاد الأمريكي مفتوحا على كل اتجاه، فإن وضع سعر البرميل يبدو كذلك. هل يظل متأرجحا في حدود 90 دولارا يزيد وينقص عليها أو تتصاعد وتيرة هبوطه وبأي معدل؟ فدخول الاقتصاد الأمريكي مرحلة الكساد يعني طلبا أقل على النفط، وعليه يصبح المطلوب خفض معدلات الإنتاج الحالية، لا رفعها.
وصبيحة الجمعة الماضي، وهو اليوم الذي كان يفترض أن يلتقي فيه وزراء (أوبك) لتحديد خطواتهم المستقبلية والإعلان عنها، خرجت صحيفة "الهيرالد تربيون" بعنوان يلخص الوضع: "أوبك تستمع إلى السوق وتتجاهل بوش"، وذلك عكسا لما كان عليه مزاج السوق الذي عبر عنه الوزراء بصور متباينة وذلك حتى قبل اتخاذ قرار رسمي، إنه لا يبدو هناك مبرر للاستماع إلى نصيحة بوش وأركان إدارته بضخ المزيد من الإمدادات، لأن وضع السوق يشير إلى العكس.
وإذا كانت الأعين تركز على واشنطن وفيينا مكانا، فإنها زمانا تستشرف ما يمكن عليه الوضع في الخامس من الشهر المقبل، حيث يلتقي الوزراء مجددا للبحث فيما يمكن أن يكون عليه حال السوق في الربع الثاني. وهذا زمان ينخفض فيه الطلب تقليديا على النفط. فهذا فصل الربيع، وإذا كانت المخزونات من النفط الخام في مستويات متدنية نسبيا، إلا أن وضع المخزون من البنزين يبدو مريحا، وهذا عامل له ثقله، فقطاع النقل يظل الأكثر طلبا على المنتجات المكررة، وفصل الربيع تتزايد فيه الحركة استعدادا لموسم قيادة السيارات.
لكن من الآن وحتى الاجتماع المقبل، فإن الانتباه سيتركز على تحركات سعر البرميل، وإذا صدقت التوقعات الأمريكية، فإن النصف الأول من هذا العام قد يشهد استقرار سعر البرميل في حدود 85 دولارا، وهو معدل يبدو مقبولا للمنتجين والمستهلكين على حد سواء، لكن مشكلته الأساسية أن أحدا لم يعتمده، وبالتالي تظل القرارات الخاصة بدعمه مثار جدل خاصة عند متابعة تأثير هذا المعدل السعري على الوضع الاقتصادي بصورة عامة وعلى الاستهلاك والطلب تحديدا.
لكن الأهم من ذلك وجود عنصر تأثير ضخم خارج المعادلة الرسمية، وهو ما تلخصه حالة المضاربة التي بدأت تلعب دورا محرضا وصل إلى درجة أن ثلث سعر البرميل الحالي يعود لأسباب تتعلق بالمضاربة. ومع حالة الضعف التي يعيشها الدولار، فإن النفط أصبح قبلة المضاربين كونه يوفر لهم ملاذا آمنا إلى حد ما، وإلى أن تصل معدلات الفائدة إلى وضع غير مغر بالمرة، فإن حالة المضاربة هذه ستظل تلقي بثقلها على السوق النفطية مضيفة عاملا من عوامل عدم الوضوح والغموض الذي يجعل من الصعوبة بمكان التخطيط والتحرك حتى باتجاه المستقبل القريب.
إلى جانب هذا هناك العامل الصيني والتوجه الحذر إلى تقليل الدعم الذي يقدم إلى المنتجات المكررة، وإذا كان سيؤدي هذا في نهاية الأمر إلى تقليص الاستهلاك على الطاقة كما تنبئ بعض المؤشرات، وفوق هذا إذا كان سيسهم في رفع أثمان البضائع الصينية، وهو ما يعتبر عاملا إضافيا لتعضيد عناصر التضخم في الاقتصادات الغربية، ويعيد إنتاج الأسئلة التي تواجه السوق.