العلاقات العامة وأدوات التنافسية
لم تكن الأدوات اللا ملموسة, ومنها العلاقات العامة, عنصرا حاسما في المنافسة بين المؤسسات الخاصة السعودية في سوق مغلقة يتمتع العاملون فيها بالحماية والدعم والتفضيل، وهو ما جعل مجتمع الأعمال يعزف عن استخدام هذه الأداة إلا في حالات نادرة جدا. المؤسسات الحكومية أيضا لم تهتم باستخدام العلاقات العامة لأنها لم تكن تعاني تعدد مصادر المعلومات التي يتلقى المواطن منها معارفه ويشكل على أساسها مواقفه وسلوكياته.
الوضع تغير بعد العولمة الاتصالية والاقتصادية فأصبحنا مفتوحين على العالم حتى بات ما يحدث في جزء من العالم يؤثر بشكل مباشر فينا مواطنين ومجتمع أعمال، وهو ما يستدعي بالضرورة استخدام أدوات فاعلة في ظل هذه المعطيات الجديدة. ولا شك أن العلاقات العامة كأداة فاعلة تستخدم في تحقيق أهداف المؤسسات الحكومية والخاصة أصبحت غاية في الأهمية وحان وقت استخدامها, خصوصا أن الآخر يستخدمها بمهنية واحترافية لإدراكه ماهيتها وأهميتها وقيمتها ومتطلبات نجاحها، وهو ما يجعله أكثر قدرة منا على تشكيل المستهلك والرأي العام وتوجيههما.
أن تعرف لا يعني بالضرورة أنك ستطبق, فكثير منا يعرف ماهية وأهمية حزام الأمان لكن لا يستخدمه، ولو أن أحدنا أصيب بحادث مروري إصابة بالغة كان من الممكن تفاديها باستخدام حزام الأمان لتمنى أنه اعتاد استخدامه مهما كانت الظروف، وهذا ينطبق تماما على العلاقات العامة كأداة. فرغم أن كثيرا من القائمين على المنشآت الحكومية والخاصة أصبحوا يدركون أهمية العلاقات العامة كأداة فاعلة تسهم في تحقيق أهدافهم إلا أنهم ما زالوا مترددين عن استخدامها ودفع تكاليفها للمؤسسات التي تقدمها باحترافية ومهنية.
هذا الموقف من العلاقات العامة كأداة أصبح من الضروري استخدامها في ظل التنافسية الشديدة وتعدد مصادر التلقي الذي أدى إلى ندرة المؤسسات التي تقدم هذه الخدمة باحترافية, كما أدى إلى ندرة المواطنين العاملين في هذا المجال رغم أنهم الأقدر على القيام بتقديم هذه الخدمة على اعتبار أنهم الأكثر فهما لثقافة وسياسة واقتصاد بلادهم وتركيبة مجتمعهم وكيفية التأثير فيه دون مس الخطوط الحمراء, التي قد لا يعيها الوافد العامل في مجال العلاقات العامة.
التقيت أحد الإخوة وهو نائب الرئيس التنفيذي للجمعية الدولية للعلاقات العامة – فرغ الخليج وعضو لجنة الإعلام والإعلان في الغرفة التجارية والصناعية في الرياض ورئيس تحرير صحيفة "اليوم" سابقا تقاعد ليتفرغ لإدارة شركة علاقات عامة بالتعاون مع مجموعة من المهنيين السعوديين المحترفين, يقول لي إن معاناتهم مع العملاء تتخلص في ثلاثة مستويات: الأول عملاء لا يعرفون ماهية العلاقات العامة, حيث يظن كثير منهم أنها مصنع لنشر الأخبار لا غير أو أنها أداة للتفاهم مع وسائل الإعلام فقط. أما الثاني فيعرف ماهيتها ولكن لا يعرف أهميتها وأثرها في تحقيق أهدافه سواء كانت ترويجية أو توعوية أو تحفيزية أو توثيقية مع الآخر. أما الثالث فلا يعرف تكلفتها حيث يتوقع أنها زهيدة التكاليف رغم أنها جهد بشري فكري، وكلنا يعلم أن المفكرين الأعلى تكلفة، فما بالنا إذا كان المفكر سعوديا تراكمت لديه معارف ومهارات وخبرات كبيرة على مدى طويل من الزمن ولديه فرص وظيفية متعددة.
ويضيف أنه ومجموعة من العاملين والمهتمين في مجال العلاقات العامة ومن خلال الجمعية الدولية للعلاقات العامة استطاعوا أن يسهموا في نشر مفهوم العلاقات العامة وأهميتها وتكاليفها وأثرها كأداة حاسمة في كثير من الأحيان في تعزيز عناصر النجاح وإزالة العوائق لتحقيق الأهداف الخاصة والعامة، وهو ما جعل كثيرا من الشركات تهتم أكثر بهذه الأداة وتوظفها التوظيف السليم وتستقطب لها المؤسسات السعودية الكفوءة لتنفيذها، متوقعا المزيد من الطلب على هذه الخدمة في السنين المقبلة.
وأقول لدينا كثير من الجهات فشلت في تحقيق أهدافها لعدم توظيفها العلاقات العامة في تهيئة البيئة أو الرأي العام أو المسؤولين لتقبل أطروحاتهم وقرارتهم رغم أهميتها وحيويتها لأن الإنسان عدو ما يجهل، ولم تقم تلك الجهات برفع هذا الجهل من خلال الطرح الواعي والراقي لرفع درجة الوعي والإدراك بما يسهم في رفع نسبة المتقبلين وتخفيض نسبة الرافضين, خصوصا الفاعلين منهم، ولا شك أن فشل قرار توظيف النساء في المحال النسائية كان يمكن أن ينجح لو سبقته حملة تهيئة علمية هادفة ومستمرة.
كلي ثقة بمؤسساتنا الحكومية والخاصة وحتى مؤسسات المجتمع المدني غير الربحية بتطوير قدراتها من خلال استخدام جميع الأدوات المتاحة لتحقيق أهدافها، ولا شك أن العلاقات العامة باتت من الأدوات المهمة والحيوية التي يجب استخدامها بطريقة علمية سليمة من أجل رفع القدرات التنافسية وتحقيق الأهداف في أقل جهد ووقت ممكنين. وما أرجوه أن تضع الهيئة العامة للاستثمار في جدول أعمالها التوعية بأهمية العلاقات العامة كأداة فاعلة في تعزيز القدرات التنافسية، وليكن ذلك بالتعاون مع الجمعية الدولية للعلاقات العامة، خصوصا أنها الجهة الحكومية التي تسعى إلى رفع قدرات القطاع الخاص السعودي التنافسية.