الصينيون في جازان.. طلائع للتقنيات الصناعية الشرقية
بناء على قواعد السوق الحرة والنظرية الرأسمالية بمدارسها المختلفة، فإن المستوى التوازني للاستثمار الأجنبي المباشر يعتمد بدرجة أولى على الجدوى الاقتصادية للاستثمار الأجنبي ومدى الاستفادة الاستراتيجية من الاستثمار تبعاً لظروف المستثمر في وقت اتخاذ القرار الاستثماري وللجهة التي يتم الاستثمار بها. فالتوازن النهائي بين الجهة المستثمرة والجهة المستثمر بها في الاقتصاديات الحرة يعتمد في نهاية المطاف على تلاقي المصالح وتوافق الأهداف. فالفرق بين الاستثمارات التي لا تبنى على أساسيات اقتصادية ومالية تتسق مع أهداف طرفي الاستثمار تنتهي في الغالب إلى أن تكون استثمارات مبنية على أهداف سياسية أو أيديولوجية تستهدف المديين القصير والمتوسط، إلا أنها تواجه حقائق السوق الحرة والتنافسية على المدى الطويل عند افتراض ثبات الظروف ودخول منافسين يعتمدون على قوى السوق في حسابات الربح والخسارة والسوق المستهدفة. فعلى سبيل المثال، شهدت مرحلة الستينيات والسبعينيات استثمارات أجنبية مشتركة بين أذرع القطاع العام الاستثمارية في الدول الاشتراكية المتقدمة اقتصادياً حينها مع دول العالم النامي التي تتبنى نفس النهج أو تسير في الطريق الأيديولوجي نفسه، إلا أن هذه البرامج المشتركة عانت من الترهل وعدم القدرة على المنافسة مع الشركات والمشاريع الاقتصادية الأخرى المبنية على دراسات السوق ومدفوعة بأهداف اقتصادية بحتة.
وتلجأ الشركات إلى الاستثمار الأجنبي المباشر للحصول على فوائد قد تكون مرتبطة بالنفاذ إلى السوق المستهدفة كافتتاح سلسلة متاجر وال مارت في الصين، الحصول على فوائد نسبية كالاستثمار في قطاعات النفط والغاز كاستثمارات بريتيش بيتروليوم في نيجيريا، الاستفادة من انخفاض تكاليف مدخلات الإنتاج كالعمالة ورأس المال، وغيرها من العوامل التي تهدف في نهاية المطاف إلى حصول الشركات المستثمرة على ميزات تنافسية لا يتم الحصول عليها عند الاقتصار على الاستثمار المحلي. وكما تسعى الشركات التي تتبع نموذج الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الحصول على ميزات تنافسية، فإن الاقتصاديات والدول تسعى للحصول على ميزات تنافسية ونسبية مقارنة بغيرها للتمكن من جذب كم أكبر ونوعية أفضل من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. والمعني بالنوعية الأفضل من الاستثمارات الأجنبية المباشرة هي تلك الاستثمارات التي تتناغم مع الأهداف الاقتصادية الكلية للاقتصادات الجاذبة للاستثمار. فعلى سبيل المثال، إذا كان اقتصاد معين يعاني ارتفاع معدلات البطالة، فإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تعتمد على كثافة عنصر العمل تعد من نوعية أفضل لظروف الاقتصاد المستقبل للاستثمار مقارنة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تعتمد على كثافة رأس المال. لذا، فالاستراتجية والأهداف الاقتصادية المحلية تعد المحدد الأول لعملية جذب الاستثمار الأجنبي ونقطة الانطلاق لتصميم استراتيجيات جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
بناء على ما تقدم، فإن وراء عمليات الاستثمار الأجنبي المباشر أهدافا لمختلف أطراف الاستثمار بما فيها المستثمر الأجنبي والدولة المستقبلة للاستثمار. وفي سياق الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد أوردت "الاقتصادية" في العاشر من أيار (مايو) الفائت خبراً مفاده قيام مؤسسة الصين للألمنيوم التي تعد رابع أكبر منتج للألمنيوم في العالم من خلال شركة شالكو التابعة لها بتوقيع اتفاق يمنحها ملكية 40 في المائة من مصهر ألمنيوم في مدينة جازان الاقتصادية برأسمال ستة مليارات دولار يشاركها فيه مجموعة "إم. إم. سي." الماليزية للصناعة والطاقة ومجموعة بن لادن السعودية. بداية، هناك عدة دلالات لخبر الاستثمار الأجنبي الصيني والماليزي في المشروع الصناعي الذي يعد الاستثمار المباشر الصيني الأكبر في القطاع الصناعي السعودي. فمن وجهة نظر المستثمر الصيني، يعد الاستثمار في صناعة الألمنيوم في المملكة مغرياً لعدة أسباب منها انخفاض تكاليف مدخلات الإنتاج وخصوصاً الطاقة المستخدمة في العملية الإنتاجية، سهولة نقل التقنية التي يمتلكها المستثمر الأجنبي، توافر سوق كبيرة قادرة على استهلاك جزء من إنتاج المشروع، واقتصاد يتوقع له أن ينمو بتسارع نظراً لارتفاع أسعار النفط. وحقيقة، فإن قيام المستثمر الصيني بالاستثمار في صناعة الألمنيوم قد يكون لسد ثغرة تنافسية في السوق العالمية كان يمكن للمنافسين أن يستغلوها من خلال الاستثمار في صناعة الألمنيوم السعودية والاستفادة من الميزات التنافسية الخاصة بالتصنيع في المملكة.
وختاماً، وبالنسبة للمملكة، يعد تنويع مصادر الاستثمار الأجنبي المباشر من الأمور المهمة للاقتصاد السعودي لتقليل مخاطر التركز في الاستثمارات الأجنبية بجانب تقليل مستويات التذبذب والهزات النظامية التي قد تنجم عن الظروف الاقتصادية في البلد الأم للمستثمر الأجنبي. كما أن نوع التقنية الصينية التي يتم توطينها تضيف إلى التقنيات الغربية التي تم استخدامها وتوطين بعضها في السنوات الماضية بما يؤدي إلى الحصول على مزيج من التقنيات العالمية بنكهة محلية.