بين زمنين

بين زمنين

زعيمان ومزرعتان ومسافة زمنية بينهما تقارب السنوات الثلاث.
في الأسبوع الماضي استضاف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله الرئيس الأمريكي جورج بوش في مزرعته في الجنادرية. وفي نيسان (أبريل) 2005 استضاف بوش في مزرعته في كراوفورد (تكساس) ولي العهد وقتها الأمير عبد الله. وإلى جانب الحميمية التي أسبغها المكان على اللقاءين، كان هناك أمر آخر مشترك: قضايا النفط.
في مزرعة تكساس كان الهم الأمريكي يتلخص في إذا كانت السعودية تستعد فعلا لمقابلة تزايد الطلب على الإمدادات، ولهذا كان رد الفعل العملي تقديم عرض يلخص خطط السعودية لرفع طاقتها الإنتاجية وضمان توافر الإمدادات اللازمة حتى في حال حدوث انقطاع لأي سبب من الأسباب في أي من الدول المنتجة.
وإلى جانب هذا الهم الثابت، كانت الأجواء ملغمة بكتاب مات سيمونز، الذي أثار تساؤلات حول قدرة السعودية من ناحية الاحتياطيات النفطية على الاستمرار في رفع طاقتها الإنتاجية ومن ثم تلبية احتياجات السوق المتصاعدة، إذ تحدث عن بعض المتاعب التي تواجه حقل الغوار، أكبر حقل نفطي في العالم، مضيفا أنه إذا كان الغوار يواجه مشكلة، فإن الصناعة النفطية السعودية تواجه مشكلة كذلك، وإذا كانت السعودية تواجه مشكلة، فإن الصناعة النفطية العالمية تواجه مشكلة.
الكتاب لقي رواجا وقتها ردت عليه السعودية من ناحية عملية عبر خططها المحددة لرفع الإنتاج، بل وأطلقت تحديا أن المكامن الأرضية تحتوي على قرابة ثلاثة تريليونات برميل من النفط تحتاج إلى التقنية والاستثمار والإرادة السياسية لجعلها حقيقة معاشة تضاف إلى نحو تريليون برميل هي حجم الاحتياطي النفطي المتعارف على وجوده في الوقت الحالي.
هذه المرة وبسبب ارتفاع الأسعار، ما أعاد تسليط بعض الأضواء على نظرية ذروة النفط، إلا أن هم الرئيس الأمريكي لم يركز على ضمان الإمدادات لمقابلة الاحتياجات المتصاعدة، وإنما فعل شيء تجاه سعر البرميل الذي يهدد بتسريع الكساد الاقتصادي في بلاده، وهي في نهاية الأمر أكبر مستهلك للنفط وصاحبة أكبر اقتصاد في العالم، ودخولها مرحلة الكساد سيؤثر في المنتجين كذلك، وهي الرسالة التي سعى إلى إيصالها إلى مضيفيه الخليجيين.
لكن ما بين قبل ثلاث سنوات والآن تضاعف سعر البرميل تقريبا من نحو 54 دولارا إلى قرابة الـ 100، وهو ما فرض نفسه في أي محفل.
بوش لم يكن وحده المهتم بسعر برميل النفط. فقبل يوم سبقه الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي إلى الرياض، ومع أنه في إجابة جانبية مع بعض رجال الأعمال طرح فكرة 70 دولارا سعرا ملائما للبرميل، إلا أنه اشتكى كذلك من تأثيرات ارتفاع السعر في اقتصادات المستهلكين كبلاده.
الغريب أن الوكالة الدولية للطاقة، التي تضم تجمع المستهلكين وتنطق باسمهم، أصدرت بيانا مطلع هذا الشهر وهو بداية العام تناولت فيه موضوع أسعار النفط العالية متحدثة عن مختلف العوامل ليس من بينها الخط المعهود في تحميل منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) مسؤولية ارتفاع سعر النفط والطلب إليها ضخ المزيد من الإمدادات لخفض السعر.
وزير النفط السعودي المهندس علي النعيمي استبق أحاديث بوش بالقول إن السوق هي التي تحكم السعر، وأن المنتجين مهما توافر لهم من إمدادات، هم في نهاية الأمر أحد العوامل التي تؤثر في سعر البرميل وليسوا العامل الأوحد.
وإذا كان النعيمي قد تحدث بواقعية أن المنتجين وإمداداتهم هم في النهاية أحد عناصر تحديد السعر ولا يمكنهم منفردين تحديد مستواه، فإن المستهلكين الغربيين يحتاجون من جانبهم إلى التعايش مع حقيقة أنهم ليسوا القوة الوحيدة المؤثرة فيما يتعلق بالطلب. فمع مؤشرات الكساد في الاقتصاد الأمريكي وتدفق الأرقام حول تراجع استهلاك الدول الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، إلا أن الطلب يظل في حالة نمو رغم تفاوت النسب والأرقام. والتفسير يعود إلى الاستهلاك المتصاعد في الصين والهند، والدول النامية عموما وعلى رأسها الدول المنتجة نفسها.
هذه إحدى ملامح العولمة في بعض تجلياتها، وإذ لم تعد الاقتصادات الغربية اللاعب الوحيد على المسرح، فإن الشركات الغربية الكبرى التي ارتبطت بصناعة النفط لم تعد كذلك المؤثر الوحيد في هذه الصناعة، إذ تشاركها النفوذ والتأثير شركات النفط الوطنية في الدول المنتجة وأخرى تمثل الدول البازغة على خريطة العالم السياسية والاقتصادية.
إنه زمن الانتقال بين عالم قديم لا يزال يتشبث بمواقعه، وآخر جديد يسعى لتأكيد وجوده .. وما يجري في سوق النفط أحد الانعكاسات.

[email protected]

الأكثر قراءة