مفتي المملكة:في كتاب الله علاج لمرضى القلوب والأبدان

مفتي المملكة:في كتاب الله علاج لمرضى القلوب والأبدان

طالب مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ بضرورة الإعداد المسبق للندوات الطبية ذات المسائل الشرعية التي يتم تنظيمها ليتم تشكيلها وفقا للقضايا العصرية المستجدة التي يعاني منها الأطباء ويبذلون الجهد للتعرف عليها، والعمل على إيجاد الحلول الشرعية لهذه المشكلات التي تعترضهم، جاء ذلك في كلمة ألقاها في ختام ندوة "تطبيق القواعد الفقهية على المسائل الطبية" التي نظمتها إدارة التوعية الدينية في الشؤون الصحية في منطقة الرياض في فندق الإنتركونتننيتال في الرياض.
وقال إن الشرع لم يأت بمنع ما ينفع ولا بمحاربة أي تقدم نافع، إنما حارب الضرر والأذى والبذيء، وما يهدد البشرية ويقضي على حياة الإنسان، فالخير والصلاح والمنافع العامة جاء الإسلام بتأييدها. ورفض كل ضار تمحض ضرره أو غلب شره وضرره على خيره، فالأضرار المحضة قد جاءت الشريعة بضدها والمنع منها وجاءت بتحقيق ما فيه المصلحة والمنفعة.. ألا ترون الشرع قد أباح للمسافر الفطر في رمضان، بل أحياناً قد يجب الفطر على من يهدد الصوم حياته ويقضي عليها. ومضى يقول: ألا ترون أنه إذا كان استعمال الماء ضارا على المسلم أنه يجب عليه أن يتيمم، والعجب والرياء علاجها في كتاب الله بالدعوة لإيمان صادق مستمد من الشريعة الغراء.
وذهب مفتي المملكة إلى تقسيم المرضى في الحياة إلى قسمين، أحدهما مرضى القلوب والآخر مرضى الأبدان، مؤكدا أن في كتاب الله علاج لهذين المرضين، وبين أن أمراض القلوب من النفاق والشرك والشك والكبر صفات ذميمة وينبغي البُعد عنها وكل ما يخل بذلك، ومما يوصل إليه والله جل وعلا وصف النفاق بأنه مرض.. وأي مرض أعظم ممن تظاهر بالدين والله يعلم من قلبه خلاف ذلك.. وفي كتاب الله علاج للعجب والكبر والرياء بالدعوة للإخلاص والتواضع والبُعد عن كل ما يقرب لهذا العمل السيئ".

علاج لأمراض الأبدان
وأوضح المفتي العام للملكة: إن في القرآن علاجا لأمراض الأبدان، فهو شفاء لأمراض قلوبهم وشفاء لأمراض أبدانهم وقال "هذه الندوة المباركة من مميزاتها وضوح الرؤية وتصور الجميع ما عند الآخرين، لأننا يجب أن نفهم هذه الشريعة بأنها شريعة كاملة، وأن المنتسبين إليها يعلمون حقا أنها شريعة كاملة.. لقوله تعالى "ما فرطنا في الكتاب من شيء"..
واستشهد على ذلك بما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بما يوضح كيف قدر المصالح وكيف حماية الإنسان في حماية الأبدان من كل ما يضرها، وقال إن الشرع شرع عادل مع كل ما فيه خير وما فيه منفعة وهو ضد كل ما يهدد كيان المجتمع أفرادا أو جماعة.. هذه هي غاية الشرع".
واعتبر مفتي عام المملكة الندوات والبحوث التي أقيمت ذات خير ولله الحمد لتأصيلها للمسألة الطبية التي تجعل الطبيب المسلم يعلم أن عمله عمل شريف وعمل خير، وأن هذه الأعمال الذي يقوم بها هي نوع من الجهاد في سبيل الله، والمساهمة في إصلاح الأمة كون أطباءنا أطباء ملتزمين مستقيمين ظاهرهم الخير والصلاح والاستقامة، فهذه من نعم الله علينا وقال: إن هذا الطبيب المسلم الذي سافر وجال وكد وتعب وأفني وقتا كبيرا من عمره حتى رجع بهذا العلم الذي يمارسه كل يوم ويزداد علما وتجربةً وثقافة طبية، يرى نفسه في صلة مستمرة بشريعة الله فيستفيد من تعاليم شريعة الإسلام وتأصيلها حتى يكون عمله عملا منطلقا من خير وإخلاص وحب للخير".
وامتدح اللقاءات التي أقيمت في الندوة وقال: إنها لقاءات مباركة وأرجو أن تعقبها لقاءات أخرى.
بعد ذلك جرى لقاء مفتوح مع المفتي العام أجاب فيه عن أسئلة المشاركين.
ثم أعلنت التوصيات المقترحة التي جاءت على النحو التالي..
أولا: إصدار مدونة تتضمن حصرا للقواعد والضوابط الفقهية الطبية يشترك في إصدارها نخبة من الفقهاء والأطباء والاهتمام بتدريس القواعد الفقهية الطبية في الكليات الطبية والاهتمام بتدريس المبادئ الطبية في الكليات الشرعية، وحث المختصون في العلوم الشرعية على الاهتمام بربط المسائل الطبية بالقواعد الفقهية في التدريس وكتابة البحوث العلمية ووضع كتيب مختصر يشمل التعريف بعلم القواعد الفقهية، وحث الأطباء والعاملين في المجال الصحي على دراسة القواعد الفقهية والاستفادة منها في معرفة الإحكام الطبية، ودعوة الأطباء لتحديد معنى دقيق جدا للمصطلحات الشرعية المرتبطة بالطب وإعادة دراسة بعض المسائل الطبية الشائكة وفق ما تدل عليه القواعد الفقهية وجمع الأمثلة والتطبيقات الطبية الواردة في بحوث الندوة وإدراجها تحت قواعدها وضرورة اجتماع الطبيب والفقيه عند كتابة البحوث الطبية الفقهية، وتنسيق لقاءات دورية بين الفقهاء والأطباء وعقد ورش عمل حول مجموعة من المسائل الطبية وتزويد المختصين في العلوم الشرعية والأطباء والعاملين في المجال الصحي بنسخة من السجل العلمي، وتشكيل لجنة تتولى صياغة التوصيات والسعي إلى تفعيلها.
ثانيا: إقامة مركز معلومات يجمع المواضيع الفقهية الطبية وإنشاء مجلس علمي يجمع الفقهاء والأطباء وحث الكليات الشرعية على طرح برنامج دراسي يتضمن تدريس جملة من المقررات التي تعنى بشرح أحكام مسائل الطب وقواعدها وضوابطها، والاهتمام بتأهيل الأطباء من الناحية الشرعية، والسعي إلى اقتراح بعض الوسائل المساعدة في تدريس العلوم الطبية باللغة العربية، وتزويد مكتبات المستشفيات بأهم المؤلفات في العلوم الشرعية عامة، وحث أعضاء التوعية الدينية في مستشفيات المملكة العربية السعودية على عقد مثل هذه الندوات واللقاءات واستحداث وحدات البحوث الشرعية في إدارات التوعية الدينية وعقد دورات شرعية لأعضاء إدارات التوعية الدينية في مستشفيات المملكة العربية السعودية.

التجميل أمر مشروع والأصل جوازه

وكانت ورش العمل قد اختتمت بورشة عنوانها (الجراحات التجميلية في ندوة تطبيق القواعد الفقيهة على المسائل الطبية)، تحدث فيها أولا الشيخ الدكتور عياض السلمي أستاذ أصول الفقه في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حيث قال: إن هناك ندرة يسيرة في النصوص الشرعية التي تتعلق بالتجمل الجراحي، والسبب عدم تقدم طبي جراحي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء، موضحاً أن هناك نصوصا واردة مثل النصوص التي تحرم الوشم والوصل، وأن التجميل أمر مشروع والأصل جوازه، مبيناً أن الأدلة في المسائل الطبية محدودة.
وأوضح السلمي خلال ورشة العمل التي تناولت موضوع الجراحات التجميلية على هامش انعقاد ندوة تطبيق القواعد الفقهية على المسائل الطبية، أن العمليات الجراحية لم توجد إلا حديثاً، وأن الواجب وضع عدد من الضوابط والقواعد الواضحة التي يستطيع الطبيب تطبيقها، وقال السلمي "إنه لا يمكن اللجوء للجراحة إلا في حال إمكانية علاجها بأقل من ذلك، وإن جرح الجسم الأصل فيه المنع فبعض الناس لديه هاجس في الجمال، فالجمال محبوب ومطلوب".
وقال: إن الناس تغلب عليهم أهواؤهم في عملية التجميل، فالطبيب عليه أن يقدِّر مدى حاجة المريض لإجراء علمية تجميل أم لا.
وأشار إلى أن قواعد الشرع العامة جزء كبير منها ما يعرف بالقواعد الفقهية التي فيها نصوص كثيرة، وأن القواعد العامة مثل قاعدة لا ضرر ولا ضرار، والمشقة تجلب التيسير لها ضوابط وشروط، وعلى مَن يريد استعمالها أن يتقنها كمال الإتقان حتى لا يقع في خطأ عظيم.
وأكد أن أعداد جميع الجراحات التجميلية لا تتوقف عند حد معين، وعلى الفقهاء بعد تطور مسائل الجراحات التجميلية أن يضعوا ضوابط عامة، وقال السلمي "الفقيه مهما بذل من جهد فإن معرفته بدقائق ما يجري في تلك العمليات لن تكون كمعرفة الطبيب المتخصص، وأن يكون عمل الفقهاء هو تخريج المناط وتحديده وإيضاحه".
وأبان أن الطبيب الذي يكون ملماً بالقواعد الفقهية وضوابطها بشكل عام عليه أن يطرح على نفسه ستة أسئلة هي: 1- ما مقصد الشخص من إجراء العملية، أم يريد التجمل، أو الهروب من العدالة؟ 2- وهل هناك ما هو بديل عن الجراحة؟ 3 - وهل ورد في مثل هذه الجراحة نص خاص؟ 4 - وهل هناك طريق أخرى لتحقيق رغبة طالب الجراحة من غير الجراحة؟ 5 - هل الجراحة مثمرة ومنتجه ويغلب على الظن نجاحها؟ 6 - وهل الطبيب قادر على إجرائها ويوافق المريض عليها؟ وأنه يجب على الطبيب استحضار جملة من القواعد الفقهية المتعلقة بالجراحات التجميلية أو المتعلقة بالتطبب عموماً.
ونوّه السلمي بأن هناك اختلافا بين بعض العلماء في مسألة تحقيق المناط وهل هو اجتهاد أم لا، وأن دليل ثبوت الحكم الشرعي هو الكتاب والسنة وأي دليل سواهما يستنبط منهما، وأن الأطباء ينبغي عليهم بعد تحصيل جملة من العلم الشرعي ألا يشترط لهم أن يبلغوا درجة الاجتهاد، ولكن يقدرون على تطبيق هذه الضوابط بعد معرفتهم بحدودها.
ودعا السلمي إلى وضع ضوابط وقواعد عامة للوصول إلى نتائج من خلال عقد مثل هذه الندوات لتأصيل هذه القواعد وهي: 1- إن الأصل في التجمل الإباحة، 2 - فيما يتعلق بحكم الجراحة التجميلية لإصلاح عيب باطن أو ظاهر، مشيراً إلى أن العيوب الظاهرة التي تسبب حرجاً حقيقياً لا بأس من إجراء العلميات الجراحية لها وليست مجرد أوهام .
ومن جهته قام الدكتور عبد الله الثنيان استشاري جراحة التجميل والحروق في مدينة الملك عبد العزيز في الحرس الوطني بتقديم عرض مفصل عن أنواع التجميل ودوافع الجراحات التجميلية وإمكانية علاجها وعلاج الجراحات التجميلية الطارئة وعلاج بعض الأمراض: الدوالي منها والأورام وعلاج آثار بعض الأمراض مثل: الندبات والجروح، كما تحدث عن رغبة البعض في إجراء عمليات تحسينية في العضو والرغبة في الظهور بالمظهر الحسن من خلال الرغبة في معالجة الصلع وتصغير الثدي عند الرجال، أيضاً تطرق إلى تجديد الشباب والقضاء على مظاهر الشيخوخة من خلال إجراء علميات الشد، كما تحدث عن رغبة البعض في إجراء عمليات تقليدية بين من خلالها إيجابياتها وسلبياتها، كما بين تعمد البعض إجراء عمليات تغيير الملامح للتستر، وبين مدى تعرض البعض للدافع النفسي.
هذا وقد شهدت الورشة مداخلات عدة من قبل الحضور تمت الإجابة عنها من قبل المشاركين.

الأكثر قراءة