الملك عبد الله راعي الفكر التنموي المستدام
المقصود بالتنمية المستدامة أن تفي الأنشطة الاقتصادية باحتياجات الجيل الحالي، دون التضحية بقدرة الأجيال القادمة على الوفاء باحتياجاتها، وهي نظرة تقتل الأنانية بالإيثار، فهي مناقضة تماما للفكر القائم على " أنا ومن بعدي الطوفان" إلى "غرسوا فأكلنا ونغرس ليأكل من بعدنا"، وبناء على هذا الفكر يتضح لنا بما نلمسه من تصريحات وقرارات ومتابعات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ أنه هو الراعي للفكر التنموي المستدام في بلادنا من أجل الجيل الحالي والأجيال المقبلة.
وإذا علمنا أن أحد تعاريف التنمية المستدامة يقول إنها "السعي من أجل استقرار النمو السكاني ووقف تدفق الأفراد على المدن من خلال تطوير مستويات الخدمات الصحية والتعليمية في القرى وتحقيق أكبر قدر من المشاركة الشعبية في التخطيط للتنمية " لأدركنا بشكل أعمق بأن خادم الحرمين الشريفين كيف يرعى الفكر التنموي المستدام قولا وعملا، فكلنا يعلم الزيارات التي قام بها خادم الحرمين الشريفين لجميع المناطق والمشاريع التنموية التي أطلقها في مناطق المملكة الـ 13 كافة.
ويتضح ذلك أيضا من خلال الاهتمام الكبير الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم، حيث أطلق ـ حفظه الله ـ "مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم" الذي خصص له تسعة مليارات ريال خلال ست سنوات هي مدة تنفيذ المشروع المرسومة، وهو ما يؤكد رؤيته بأهمية الاستثمار في الموارد البشرية على اعتبار أنه الاستثمار الأمثل الذي يحقق الأهداف التنموية المستدامة، فدائما ما يشير ـ حفظه الله ـ إلى العلم والعمل والإخلاص، ليؤكد أن العمل دون علم لا ينهض بالأمة بحال من الأحوال، فالعلم والمعرفة والمهارة ثم العمل المتقن، وكلنا رجاء أن ينجز القائمون على هذا المشروع المهم والحيوي المهام المنوطة بهم على أكمل وجه في المدة الزمنية المعلنة دون التذرع بأي نوع من الأعذار، وكلنا يعلم متابعة خادم الحرمين الشريفين لهذا المشروع الذي سيمثل حال نجاحه قوة دافعة كبيرة لتحقيق الأهداف التنموية المستهدفة.
وتتضح رعايته ـ حفظه الله ـ للفكر التنموي المستدام في مجال الخدمات الصحية، وها نحن نطلع على خبر توقيع الأمير متعب بن عبد الله نائب رئيس الحرس الوطني المساعد للشؤون العسكرية عقود إنشاء جامعة الملك سعود للعلوم الصحية وملحقاتها في رئاسة الحرس الوطني يوم السبت الماضي، وهو خبر يشعرنا جميعا بأن نمو الخدمات الصحية بالحرس الوطني لا سقف له، فرغم أنها بلغت ما بلغت من الجودة والرقي حتى أصبحت نموذجا ومفخرة إلا أنها دائما ما تعمل على التطور من خلال تعزيز نقاط قوتها ومعالجة نقاط الضعف، واغتنام الفرص المتاحة وتجنب المخاطر المحتملة، ومن الواضح أن مشروع الجامعة وملحقاتها يهدف لاغتنام المرافق الصحية المتطورة و المتاحة للشؤون الصحية والخبرات العاملة بها لمعالجة المخاطر المترتبة على هجرة الخبرات الطبية الوافدة التي قد تغادر إلى خارج البلاد حال اكتساب الخبرات في مرافق الشؤون الصحية الخاضعة لأعلى معايير الاعتماد الطبي العالمية، وبالطبع فإن تعليم وتأهيل الكوادر الوطنية الطبية والتمريضية والفنية يحقق الاستدامة من ناحية الموارد البشرية القادرة على إدارة وتشغيل المرافق الصحية التي تتوسع بشكل كبير يتناسب والتزايد في الطلب على الخدمات الصحية في المملكة نتيجة للنمو السكاني الكبير الذي تشهده بلادنا بفضل خطط التنمية المتعاقبة.
وكل متخصص في الاقتصاد يلحظ أيضا قيام هيئات تنظيمية لتنظيم وتطوير وحماية المتعاملين في الكثير من القطاعات الاقتصادية مثل هيئة السوق المالية، وهيئة الغذاء والدواء، وهيئة الإسكان، وهيئة الاتصالات وغيرها، وهي هيئات مهمة وحيوية في مجال تطوير أسواق تلك القطاعات بما يحفز المستثمرين لتنمية استثماراتهم في تلك القطاعات بما يسهم في تحقيق الاستدامة فيها بعيدا عن التأثر بالموازنات الحكومية المتذبذبة بتذبذب أسعار النفط، وبما يسهم أيضا في توليد الفرص الوظيفية وتنويع مصادر الدخل وتخفيض نسبة النفط في الناتج المحلي الإجمالي الذي مازال يشكل النفط أكثر من 70 في المائة منه، ولا شك أن إطلاق مثل هذه الهيئات يعد رعاية للفكر التنموي المستدام.
والفكر التنموي المستدام فكر يفضي لمواقف إيجابية وسلوكيات سليمة قائمة على قرارات رشيدة، وشيوع هذا الفكر في عقول القائمين على أجهزتنا الحكومية والعاملين في القطاع الخاص وقطاع المؤسسات غير الربحية سينهض بتلك الأجهزة والمؤسسات ويرفع من كفاءة إنتاجيتها بما لديها من إمكانيات مالية وإن قلت، على اعتبار أن الموارد غير المالية متعددة ويمكن أن تكون أكثر فاعلية من الموارد المالية، ولا شك أن رعاية خادم الحرمين الشريفين للفكر التنموي المستدام يشكل حافزا كبيرا للجميع لتبني هذا الفكر والعمل بموجبه، وهو ما نسأل الله أن يتحقق لما فيه مصلحة الجميع.
ختاما قد يكون تبني الفكر التنموي المستدام متعارضا مع مصالح شخصية للبعض مما يجعلهم يقفون موقفا سلبيا حياله وللأسف الشديد، وقد يكون البعض غير واع لماهيته وأهميته، وقد يكون البعض يرفضه لأسباب عاطفية غير عقلانية، ولهؤلاء جميعا أقول الأموال تأتي وتصرف للاستهلاك بجميع أنواعه حتى الصرف الخيري ولكنها يقينا تذهب دون رجعه، وهذا فكر أناني يقول بتمتع الجيل الحالي بالمال دون الاهتمام بالأجيال المقبلة، أما الأموال التي تأتي وتصرف على أصول بشرية ومادية ورأسمالية منتجة تدوم وتنمو بما يحقق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك وهنا النجاح حيث لا خوف عليه من الفشل حتى وإن ذهبن السبع السمان، وهو فكر يقوم على الإيثار، حيث ينعم الجيل الحالي والأجيال المقبلة بالموارد الحالية، لذا آمل من الجميع أن نعمل بفكر تنموي مستدام برعاية خادم الحرمين الشريفين راعي هذا الفكر وداعمه.