سوق النفط مفتوحة على كل الاحتمالات عام 2008

سوق النفط مفتوحة على كل الاحتمالات عام 2008

يبدو أن سعر برميل النفط الذي عاش أكثر أوقاته تقلبا العام الماضي مرشح لرحلة مماثلة هذا العام نسبة لأن العوامل التي حكمت تحركاته خلال الفترة الماضية ستكون فاعلة على الأرجح خلال عام 2008. ورغم أن الآراء تتباين حول ما إذا كانت السوق ستشهد حالة فعلية من شح الإمدادات، إلا إنه من الواضح أن السوق ستكون مشدودة، الأمر الذي سيجعل من أي نقص طفيف في الإمدادات لأي سبب مثل عوامل الصيانة أو الحرائق أو انقطاع من قبل أحد المنتجين ولو في حدود بضعة آلاف من البراميل انعكاسات مباشرة على سعر البرميل وتحركه صعودا وهبوطا.
العوامل التي يفترض أن تؤثر في سعر البرميل عديدة. فهناك ما يعرف بالعوامل التقليدية مثل حجم العرض والطلب، وهناك الوضع الاقتصادي العام على نطاق العالم ككل وفي بعض الأسواق الرئيسية من الناحية الاستهلاكية إلى جانب وضع الطقس.
النمو الاقتصادي يفترض أن يكون العامل الأساسي في تحديد حجم الطلب المتوقع، والتقديرات السائدة حتى الآن تشير إلى تراجع في حدود 1 في المائة بالنسبة للنمو المتوقع في الاقتصاد العالمي إلى 4.8 في المائة، علما أن الدول النامية يتوقع لها أن تحقق نسبة نمو أفضل إلى 6.1 في المائة، بينما الصين تظل صاحبة نسبة النمو الأكبر وهو 9.9 في المائة. ويلاحظ في هذه الأرقام أن معدلات النمو الأكثر ارتفاعا تلك الخاصة بالدول النامية خاصة منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر منتجة ومستهلكة رئيسية للنفط الخام والمنتجات المكررة، كما أن الصين والهند أصبحتا لاعبتين رئيسيتين في تحديد مسار الطلب ومن ثم سعر البرميل.
حالة عدم الوضوح واليقين ستظل من جانبها المسرح النفطي والتوقعات بصورة عامة. فالوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة مثلا يظل مفتوحا على مختلف الاحتمالات. فبعد سنوات عدة من النمو المتصل، تتزايد المؤشرات الخاصة بالتباطؤ الاقتصادي بسبب التأثير البطيء لارتفاع سعر النفط إلى جانب عوامل أخرى، الأمر الذي دفع مجلس الاحتياط الأمريكي إلى العودة إلى سياسة خفض معدلات الفائدة لتحفيز النمو وضبط التضخم. والاقتصاد الأمريكي بحكم حجمه الضخم يظل الأكثر تأثيرا في التطورات العالمية، ولو أنه ليس الوحيد بعد دخول لاعبين جدد ما يظهر في تراجع تأثير دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي خاصة الغربية منها.
حالة عدم الوضوح هذه صارت تجد طريقها في التوقعات الشهرية التي تنشرها مؤسسات الرصد مثل الوكالة الدولية للطاقة، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكي وهي الذراع الإخصائي لوزارة الطاقة الأمريكية والتقرير الشهري لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" إلى جانب مؤسسات خاصة مثل المركز العالمي لدراسات الطاقة وبعض المؤسسات المالية والاقتصادية كالبنوك والدور الاستشارية مثل مجموعة باركليز و"سوسيتي جنرال" أو "ميريل لينش" وغيرها. ففي كل مرة تنشر هذه المؤسسات توقعات ثم تعود في المرة التالية وغالبا بعد شهر، لإعادة النظر في توقعاتها تلك صعودا أو هبوطا.
ترجمة توقعات النمو الاقتصادي إلى أرقام تتعلق بوضع النفط هي الخطوة التالية لوضع السيناريوهات الخاصة باحتمالات العرض والطلب. ومع أن كلا من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية والتقرير الشهري لـ "أوبك" حافظا على تقديرات متقاربة 1.38 مليون برميل يوميا بالنسبة لإدارة معلومات الطاقة و1.32 مليون بالنسبة لـ "أوبك"، ومع وضع المخزون الذي ظل يتأرجح في حدود المتوسط الذي كان عليه قبل سنوات خمس صعودا وهبوطا، مما يجعل الوضع مشدودا ويعطي عاملا كالطقس الفرصة أن يؤثر بصورة أو بأخرى إذا كان الشتاء قارسا أو معتدلا مثلا أو انقطاع طفيف من إمدادات أحد المنتجين.
على أن المفاجأة جاءت من قبل التوقعات الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة التي رفعت حجم الطلب على النفط إلى أكثر من مليوني برميل يوميا. ويلعب وضع الإمدادات من المنتجين خارج "أوبك" دورا في تحديد الوضع العام للإمدادات. فهؤلاء ومع السوائل يوفرون قرابة 60 في المائة من احتياجات السوق، لكنهم ينتجون بطاقتهم القصوى من ناحية، كما أن العديد من المشاريع التي يفترض أن تبدأ الإنتاج إما لأول مرة وإما حالة توسع واجهت بعض المتاعب، الأمر الذي أثر في معدل الإمدادات المنتظر من خارج المنظمة.
فالعالم الماضي شهد نموا متواضعا، إن لم يكن مخيبا للآمال فيما يتعلق بحجم النمو في الإمدادات من المنتجين خارج "أوبك" إذ تراوح في حدود نصف مليون برميل يوميا. والتوقعات أن هذا العام سيكون مماثلا لما شهده العام الماضي. فرغم أن بعض المنتجين سيسجلون نموا ملحوظا مثل روسيا وأذربيجان، لكن ما تضيفه هذه الدول إنما يكون في واقع الأمر تعويضا عن تراجع الإنتاج من منتجين قدامى من خارج "أوبك" أمثال المكسيك ودولتي بحر الشمال بريطانيا والنرويج، الأمر الذي يجعل من حجم الإضافة الفعلية في آخر الأمر قليلا للغاية.
وعليه سيكون التركيز على منظمة "أوبك" وقدرة الدول الأعضاء فيها على تلبية احتياجات إضافية للسوق.

الأكثر قراءة