«رحلة اللقلق» .. أن تصحو وحيدا بلا عائلة
جلسنا أمام شاشة السينما نترقب بقلق بدء عرض فيلم الرسوم المتحركةA stork’s journey بسبب عدم ملاحظة الإقبال الشديد على مشاهدته، واستمررنا طيلة فترة ما قبل العرض أنا وابنتي نتبادل النظرات المقلقة، نتناول الفوشار وندعو أن يكون اختيارنا جيدا، إلى أن بدأت اللحظات الأولى من الفيلم التي أقل ما يقال عنها «دخلة شمالية» جذبتنا لأحداث أخذت تتسارع بشكل منسق وماتع الى أن وصلنا إلى اللحظة الأخيرة التي تعرف «بالنهاية».
بداية مشوقة
تدور أحداث الفيلم الدرامي الكوميدي حول طائر يدعى ريتشارد (يؤدي صوته تيلمان دوبلر) ولد في الدقائق الأولى من الفيلم لأب وأم توفيا قبل ولادته بدقائق معدودة بعد معركة مع أحد الوحوش الطائرة، فجاءت أم تنتمي إلى فئة طائر اللقلق اسمها أورورا (تؤدي صوتها الممثلة إيريكا شرودر) احتضنت الطائر، وأخذته إلى منزلها الذي تقطنه برفقة زوجها وابنها الصغير ماكس (يؤدي صوته الممثل جايسون جريفيث)، وتربى هذا الطائر مقتنعا بذاته على أنه لقلق وليس طائرا دوريا، ولقد نجح المخرج توبي جينكيل بالتعاون مع ريزا ميماري في سرد هذه الأحداث بسرعة قياسية أسر فيها عقل المشاهد ولم يفسح مجال للتشتت للحظة واحدة، ويعود الفضل في ذلك ليس فقط إلى سرعة تواتر الأحداث بل إلى اللوحة التصويرية الرائعة التي عمد المخرج إلى إظهارها، خاصة عندما وضعت أورورا الطائر ريتشارد في ورقة خضراء وحملته كسلة وطارت به إلى منزلها، فلقد كانت تحلق بمناظر خلابة مع موسيقى تصويرية رائعة أمتعت المشاهد بلحظات جميلة.
لحظات فراق
لكن هذه اللحظات السعيدة التي عاشها الطائر ريتشارد مع أخيه ماكس ووالديه لم تدم طويلا، رغم أنه اندمج في عاداتهم وتقاليدهم وأكلهم، كما كان يلهو ويمرح طوال الوقت مع ماكس، إلا أن فصل الخريف قد أتى ولا بد لطيور اللقلق من الهجرة إلى إفريقيا، وريتشارد بالطبع لأنه ينتمي إلى فصيلة العصافير فهو لا يستطيع احتمال الهجرة وتقلبات أحوالها الجوية، فما كان منهم إلا تركه نائما يلتحف ورقة الشجر ويحلم أنه مهاجر مع عائلته إلى إفريقيا.
تقنيات عالية
ولقد أضفت تقنية التصوير الثلاثية الأبعاد بعدا جماليا للمشاهد خاصة تلك التي تتطاير فيها أوراق الشجر في فصل الخريف فتشعر أنك في قلب الطبيعة وتتمايل بين الأغصان، فبعد أن استفاق الطائر على واقعه المؤلم ووحدته الموجعة بدأت الأحداث تسوء رويدا رويدا، فاللقالق تصارع العواصف أثناء الهجرة، والطائر ريتشارد يصارع الغابة وحيدا يبحث عن من يواسيه إلى أن التقى بطائر ينتمي إلى فصيلة «البوم» واسمها أولغا( تؤدي صوتها الممثلة نيكوليت كريبيتز)، تبادلا الأحاديث وأخبرها بوضعه المأساوي، حاولت أن تقنعه أنه ليس لقلقا وأنه طائر دوري مكانه هو البلد الذي ولد فيه، لكنه رفض رفضا قاطعا وأصر على أنه من سرب اللقالق، ولقد حاول المخرج هنا أن يمرر فلسفة الفيلم التي تنص على رفض الواقع إذا كان لا يناسبه والإصرار على ما يقتنع به الفرد حتى لو كان خطأ.
الوقوع في الفخ
استمر على هذا الحال وحاولت أولغا بشتى الطرق إقناعه إلا أنه أصر على الهجرة إلى إفريقيا. في هذه الأثناء التقوا صدفة ببغاء مسجونا، ساعدوه في الهروب مقابل أن يساعدهم في الصعود إلى القطار والهروب إلى إفريقيا، لكنه خدعهم وأخذهم إلى إسبانيا لخدمة مصالحه الشخصية التي تتمثل في إحياء حفلة غنائية، فهو مهووس بالغناء ويريد أن يوصل موهبته في مهرجان غناء الببغاء الذي يقام في إسبانيا، ولقد كان واضحا السلاسة في سرد الأحداث والتنقل فيما بينها فتارة تدمع أعيننا لبعض المشاهد الحزينة وتارة أخرى نضحك للمشاهد الكوميدية.
وصل الثلاثي وجهتهم فهرب الببغاء إلى حفلته، وأصر ريتشارد على معرفة طريق إفريقيا واللحاق بسربه، تشاجر مع أولغا التي تتحدث دائما مع أحد لا وجود له، لكنها مقتنعة أنه إلى جانبها طوال الوقت، وافترقا ومن ثم تصالحا ووعدته بالبقاء معه لحين لقائه بأفراد عائلته، لكن كيف سيعرف أين هي عائلته وكيف سيتوجه إليها؟
عصافير الإنترنت
في هذه الأثناء يذهل المشاهد بلقطة أكثر من رائعة أدخل فيها المخرج تقنية العصر والإنترنت، لكن بطريقة مختلفة، فالعصافير هناك تقف على سلك الإنترنت في الفضاء ويلتقطون الشبكة ويطلعون كالبشر على كل ما يريدون، فجلست أولغا ودار حوار عصري تكنولوجي بينها وبين العصافير الأخرى، وفتحت حسابا على مواقع التواصل الاجتماعي وعند كل طلب صداقة أو إعجاب تظهر كأن صاعقة كهربائية ألمّت بها، وبعد البحث وجدوا أين سرب اللقالق وكيف يمكن اللحاق بهم. ولم يقف إبداع المخرج عند فكرة الإنترنت بل تعداها إلى إصدار أصوات التنبيهات كتلك التي تصلنا على جوالاتنا، فمع كل تنبيه كان المشاهدون ينظرون إلى جوالاتهم.
وصولا إلى الهدف
تحدى ريتشارد كل المصاعب ووصل بعد عناء طويل إلى إفريقيا، ولتحديد مكان اللقالق بسهولة وقفت أولغا على سلك الإنترنت مع اثنين من العصافير في تلك المنطقة واكتشفا سويا أن اللقالق في مأزق ووحش ضخم أخذ ماكس إلى كهفه واحتجزه هناك، ولم يخل هذا المشهد من اللحظات الكوميدية التي تمثلت في الحوار التقني. أولغا لديها ثلاثة آلاف طلب صداقة وكثير من تنبيهات الإعجاب على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن الطائر ريتشارد اشتهر بقصته على تلك المواقع إلى أن أصبحت العصافير الأخرى تناديه وتسأله إذا ما كان هو الذي يتم تداول قصته على الإنترنت.
ذهب ريتشارد في النهاية وخاض معركة شرسة مع الوحش لينقذ ماكس ويعود سالما إلى أهله، لكنه اقتنع في النهاية أنه ليس لقلقا بل هو «عصفور دوري».
إقبال ضعيف
وعلى الرغم من ضخامة القصة والإخراج والموسيقى التصويرية لفيلمA stork’s journey إلا أنه لم ينتشر ويأخذ حقه بالشكل المطلوب ولعل السبب يعود إلى انعدام التسويق بالشكل الصحيح، فالشركة المنتجة جريندستون إنترتينمنت تعتبر من الشركات الصغيرة في عالم الإنتاج، فضلا عن ذلك، لم يمض سنة على إصدار فيلم Storks من بطولة أندي سامبيرج وإخراج دوج سويتلاند ونيكولاس ستولر، الذي لم يحقق بدوره نجاحا باهرا بل إيراداته جاءت خجولة رغم أنه أيضا يحاكي فيلمA Stork journey في ضخامة الإنتاج والتصوير والقصة المشوقة، وكان الفيلم يحكي قصة طيور اللقلق التي توقفت عن مهمتها الأساسية ألا وهي توصيل الأطفال حديثي الولادة! حيث تحول عملها إلى توصيل الطرود، ولكن خطأ ارتكبه جونيور –أفضل طائر تسليم – أدى إلى إنتاج طفلة استثنائية مميزة، فيحاول جونيور بمساعدة صديقته توليب – البشرية الوحيدة على جبل طيور اللقالق – توصيل تلك الطفلة، فيخوضان مغامرة ماتعة وشيقة. والسؤال الذي يطرح نفسه في نهاية المطاف هل اللقلق يعجز عن التحليق في سماء الفن السابع؟