الصحافي العالمي

الصحافي العالمي

"الصحافي مقامر, ورقيب, وناصح, ووصي على الملوك, ومعلم للأمم, وأربع صحف معادية, أشد ترويعا وتخويفا من ألف حربة مسنونة" (نابليون بونابرت).
"أمسك بخناق القارئ دوما, في الفقرة الأولى, وأدخل إبهامك في قصبته الهوائية, في الثانية, واحشره في الزاوية حتى السطر الأخير" (بول أونيل – كاتب أمريكي).
ولد ديفيد راندال في إنكلترا عام 1951, وعمل محررا في الصحف المحلية خلال السبعينيات والثمانينيات, حيث كتب لكل من صحيفتي "صن " و"الأوبزيرفر", سافر عام 1990 إلى كينيا لإعادة هيكلة صحيفة "ساندي ستاندارد" التي تصدر في نيروبي, وأصبح منذ ذاك الحين صحافيا استشاريا معروفا على المستوى العالمي.
كتب راندال بعدها للعديد من الصحف والمجلات العالمية, مثل صحيفة "التايم" الأمريكية, و"لوس أنجلوس تايم", ومجلة "فورتشو الإسبانية", وأسهم في إعادة بناء صحيفة "موسكو تايم" الروسية, التي لاقت نجاحا كبيرا بعد صدورها بحلتها الجديدة.. أدار راندال العديد من المؤتمرات والحلقات الدراسية في أوروبا وأمريكا وإفريقيا وآسيا الوسطى, ونال عدة جوائز صحافية, وهو يعمل اليوم كمدير إداري لصحيفة "الإندبندنت".
في 1996 كتب "الصحافي العالمي", الذي اعتبره النقاد من أهم الكتب التي تعرف بطبيعة وجوهر المراسل والصحافي الماهر, وله كتابان آخران هما "الرياضي العظيم", و"الحماقة الملكية".

الكتابة الصحافية الجيدة لم تعد مطلبا خاصا بالصحافيين وحدهم, ففي عصر ثورة الاتصالات, بات الجميع في حاجة إلى تطوير لغة تواصل جيدة, لتحسين رسائلهم بحيث تصبح أكثر سرعة ووضوحا, سواء أكان ذلك في مواقعهم الشخصية على الإنترنت, أم عبر البريد الالكتروني, أو في الكتابة المطبوعة, وهذا الكتاب يقدم للصحافيين فرصة اكتساب صفة " العالمية", بتوفير رؤية شاملة تغطي جميع مفاصل المهنة, وبتحليل ونقد وتخطي القوالب الصحافية القديمة التي أصبحت عائقا حقيقا في سباق وسائط الإعلام المعاصرة.
يقدم المؤلف دروسا مهمة في كتابة المقدمة, التي تعد أهم فقرة في القصة الصحافية, فهي التي تجعل القارئ راغبا في متابعتها حتى النهاية أو توقفه للبحث عن مقالة أخرى, خاصة أن الصحف تقرأ عادة من قبل أشخاص لا يملكون الوقت الكافي, وفي أمكنة وظروف ليست مناسبة للاسترخاء والتفكير كالقطارات والشوارع وقاعات الانتظار, من هنا تأتي أهمية المقدمة المثيرة التي ينبغي لها أن تجمع بين الوضوح والمباشرة, يتجنب المحرر فيها كل ما يعوق الاستحواذ على اهتمام القارئ, مثل الأسماء الرسمية الطويلة المملة, على طريقة "تعلن وحدة مكافحة التلوث في وزارة الزراعة والثروة السمكية...", فمثل هذه العبارة ستسبب تحول القارئ عن المقالة إلى أخرى بشكل تلقائي. ويستعرض الكتاب أنواع المقدمات الصحافية التي ينبغي أن تستخدم كمفاهيم ومناهج للكتابة وليس كقوالب لا حياة ولا إبداع فيها, مثل المقدمة الصادمة, ومقدمة الخلاصة, ومقدمة السؤال, ومقدمة الدعابة وغيرها.
أما امتلاك اللغة الصحافية المميزة, فيحتاج إلى أكثر من الموهبة وحدها, ويتطلب التمكن من أساسيات يمكن تلخيصها في, وضع مخطط مسبق على الورق للمقال المنوي تحريره, والتأكد من وضوح الفكرة في ذهن المؤلف قبل الشروع بكتابتها,كما أنه من المهم جدا إدراك أن القارئ لا يملك معرفة مسبقة بالقصة المنشورة حتى لو كانت تصدر في حلقات, ومن الضروري تذكيره بإيجاز بما سبق نشره, ومن المهم كذلك شرح العبارات والرموز الاصطلاحية, وتجنب الإفراط في استخدامها, من باب استعراض ثقافة المحرر أمام جمهور القراء, والذي ينتهي عادة بإصابة هذا الجمهور بالملل.
ومن الأمور التي ينبغي على الصحافي تجنبها, السقوط في شرك الكليشة الجاهزة, والتورط في اختيار مادة معروفة تماما للجمهور كمادة أو كعبارة جاذبة في المقال الصحافي, فإذا كنت في لندن, تجنب الإشارة إلى ساعة بيج بن أو إلى الضباب, وإذا كنت في باريس فدع الحديث عن الأزياء لشخص آخر غيرك, وابذل جهدك دائما لابتكار عبارات جديدة خاصة بك, بدلا من محاولة تعديل تشبيهات وعبارات قالها آخرون, هذه المحاولات التي تنتهي عادة بإفراغها من مذاقها المميز والانحدار إلى لغة متهافتة ومملة.
من جهة أخرى تبدو اللغة الصحافية الملطفة, التي تسعى للتخفيف من وطأة الأحداث الجسيمة, مطبا آخر ينبغي تجاوزه, فلن يكون من الممكن ولا من المقنع نقل وقائع مذبحة صبرا وشاتيلا دون أن نخدش شعور القارئ, إلا إذا كان ذلك على حساب الحقيقة, ومصداقية الصحيفة.
ويفرد المؤلف مساحة مهمة للحديث عن كتابة التقارير الصحافية التي تتضمن الأرقام والإحصاءات, والتي لا يجب استخدامها دون تمحيص وتدقيق في مدى مطابقتها للواقع, والتأمل في مصادرها, وعدم التردد في استبعادها إذا لم تكن هذه المصادر مقنعة, كما ينبغي على الصحافي الماهر, التساؤل بجدية عن الهدف الذي دفع بهذه الجهة أو تلك لتقديم الإحصاءات للصحافة, وهل هو بدافع المصلحة الشخصية أم لتحقيق أهداف مؤسساتية ترويجية, ولماذا يتم الكشف عنها الآن وليس في وقت آخر, وغير ذلك من الدوافع والشروط التي تلقي بظلال الشك على مصداقية الأرقام والبيانات, كما يحذر راندال بشكل خاص من الدور التضليلي الذي قد تلعبه الرسوم البيانية التي تستخدم على نطاق واسع اليوم لإظهار الإحصاءات, وكيف يمكن أن توحي الأشكال والخطوط الملونة بأبعاد أكثر ضخامة مما تقوله الأرقام المجردة, وينطبق الأمر نفسه على مفهوم العينة الإحصائية التي تبنى البيانات عليها في العادة, والتي قد لا تكون معبرة بشكل حقيقي وكاف عن الميدان الذي يفترض توصيفه بشكل أمين ومحايد.

الأكثر قراءة