رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


ترقبوا.. انتفاضة اقتصادية أمريكية جديدة!

أرجو ألا يعتبرني البعض مروجاً لأمريكا ومصالحها، ولكن الهدف معرفة كيف يمكن اتخاذ قرار استثماري سواء كان سيادياً أو خاصا، حيث إن مثل تلك القرارات تتطلب قراءة المستقبل وفك الرموز. ففي الاستثمار يكون دائما الرابح الأكبر هو من يتحرك قبل الأخيرين ويستشف التوجهات المستقبلية أين كانت طبيعة هذا الاستثمار. حتى الاستثمار في العلاقات الدولية هو أمر في غاية الأهمية الاستراتيجية للاستثمار على مختلف الأصعدة وبالذات للدول التي تبحث عن ضمان أمنها ومستقبلها! ويكفي الإشارة إلى أزمة الغذاء العالمي وكيف أثرت وسوف تؤثر بشكل حقيقي على الأمن الغذائي لبعض الدول ما لم تكن هناك خطط واقعية وعملية لمقابلة تلك الأزمة!
ومهما أوتي الإنسان من علم فإن الأهم يبقى للفراسة والقدرة الذاتية على ربط العناصر والعوامل المحيطة بشكل يساعد على تكوين الصور أيا كانت إيجابية أو سلبية. وقد سبق أن قدمت في محاضرة عن مستقبل علاقة العملات الخليجية بالدولار تحت عنوان بـ "الدولار يحتضر أو يتحضر"، وقد بدأ وكأن ما قلت استفزازي وغير منطقي! ولكن هذه هي معادلة قراءة المستقبل بالقدر الذي هو علم يبنى على أسس من التحليل وربط المعطيات ببعض، هي أيضا نظرة شخصية قد لا يستطيع صاحبها إثباتها إلا عند وقوعها. وقد تكون هذه إحدى مشاكل وإشكاليات مثل هذا النوع من الكتابة!
أمريكا قوة عظمى Superpower، ولم تأت هذه القوة من فراغ ولكن من خلال أجيال عملت على الوصول إلى هذا المستوى من القوة عبر مفهومين رئيسين الحرية والمساواة، وهما دستور أمريكا كما نعلم. ولا يوجد في التاريخ القديم كله أن انهارت قوة بشكل مفاجئ وإنما تموت الأمم بالتدريج. فكما أننا نحن كأمة نحتضر منذ مئات السنين، قد تكون الأمة الأمريكية في طريقها كذلك, ولكن نحن نتحدث عن عقود أو قد تكون قرونا حتى يتحقق ذلك فلا تزال الأمة الأمريكية تحصل على أعلى معدلات الجوائز العلمية العالمية وبالذات للحاصلين على جائزة نوبل! في المقابل القوى الجديدة أيضا لا تأتي بقرار وإنما بالتدريج من خلال بناء أجيال وهو ما نشاهده الآن عن بعض القوى التي بدأت تنهض بعد عقود من العمل الدائم والدءوب, وبالتالي لا يمكن أن تموت أمة فجأة وتولد أمة أخرى فجأة. وهذه حقائق التاريخ كما يقول كتاب قصة الحضارة لويليام جيمس ديورانت وغيره. الأمم لا تولد بقرارات!!
أمريكا كنظام تتميز بأن أفضل ما لديها في دعم مسيرتها الشفافية شبه الكاملة Transparency والتغذية العكسية Feedback في كل ما يجري فيها سواء على المستوى الفردي أو الجماعي والمؤسساتي، ولديها مؤسسات المجتمع المدني على أن تساعدها على التحقيق والتحقق من وجود هذين العنصرين وتفاعلهما الدائم. ورغم الفضائح التي ارتكبتها أمريكا ابتدأ من قيامها كدولة على حساب شعب الهنود الحمر وانتهاء بما يجري في العراق وأفغانستان, فإن كل ما نعرفه جاء من داخل أمريكا نفسها, وآخر تلك الفضائح كشف مؤسساتها هي لعمليات التعذيب في أبو غريب! فهي التي كشفتها وهي التي تتعامل معها بكل ثقة. وبالتالي أحد أهم أسرار أمريكا الإعلام!! لا أعتقد أن هناك شعبا بمثل شفافية أمريكا مهما اختلفنا معها وحولها. ولا أعتقد أن هناك شعبا يستفيد من أخطائه مثل أمريكا. وقد أختلف مع الكثيرين الذين يقولون إن أمريكا لا تستفيد من أخطائها. فعلى المستوى الاقتصادي، فإن الفضل في كل ما نشاهده من تطور في النظام المالي الحالي هو لأمريكا وذلك منذ عام 1928م وحتى اليوم. فهي التي تغامر وتطور المنتجات والأدوات المالية وتجربها وتنجح وقد تخسر ومن ثم تطورها مرة أخرى بناء على السلبيات التي ارتكبتها في السابق وتخرج من أزمتها دائما أقوى من السابق. قبل عام 1928م كانت الفلسفة الاقتصادية الأمريكية أن ندع الجميع يعمل، فالدولة لا تتدخل في شيء. وبعد الانهيار درست الأمة الأمريكية ما حدث ووجدت أن لا بد للدولة من دور في حماية الاقتصاد والأطراف الأضعف من المعادلة الاقتصادية حسب ظروفها ومعطياتها. فقد أدركت أمريكا الوجه البشع للرأسمالية منذ زمن إذا ما تركت دون لجام. ومن هنا بدأت رحلة تطور التشريعات المالية والاقتصادية منذ ذلك اليوم، وعند حدوث كل أزمة نجد أن أمريكا تقوم بمراجعة كاملة لكل ما حدث ومعرفة أسباب حدوثه ومن ثم نجدها قد خرجت بنظام أقوى من سابقه. كان ذلك في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات والستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات وتعد الأزمة الحالية أول أزمات القرن الـ 21.
الآن أمريكا تعيش في الوضع نفسه بعد أزمة الرهونات العقارية وما تبعها من ارتدادات لا تزال تتكرر بين الفينة والأخرى. وقد خسرت أمريكا الكثير ولا تزال تخسر سواء على هذا الصعيد أو على الأصعدة السياسة والنزيف المستمر في حربها على العراق وأفغانستان وقواعد القاعدة في كل مكان كما تقول! وحسب آخر التقديرات حول أزمة الرهن العقاري فإن المتوقع أن تتجاوز الخسائر التريليون دولار (ألف مليار دولار) أي 3.75 تريليون ريال. وقد خسر الدولار خلال عامين أكثر من 30 في المائة من قيمته وهو ما لم يخسره منذ السبعينيات الميلادية عندما أصبح الدولار العملة الدولية الرسمية بدلا من الذهب. ولكن هذا كله يدخل فيما يعرف بالاقتصاد غير الحقيقي أم اقتصادها الرئيس فلا يزال قويا، رغم أن هناك قلقا حقيقيا حول المنافسات الجديدة من الصين والهند والبرازيل وغيرهما، ولكن كما قلنا سر تفوق الأمريكان أن انفتاحهم الكامل يعطيهم أسبقية مطلقة في التطور.

لذلك انتظروا انتفاضة "دولارية" قوية بمواصفات أمريكية وشروط أمريكية سواء أحببنا ذلك أم لم نحب على الأقل في المديين القصير والمتوسط, أما على المدى الطويل فإن في الأفق أمما تسعى لاحتلال المراكز الأولى بلا شك، وقد تنجح في الوصول إلى أهدافها وقد تتصادم مع أمريكا أو قد يكون التصادم قد بدأ! ولكن المؤكد أن تلك الأمم ليس من ضمنها الأمة العربية المجيدة! بل إن تلك الأمم تخطط للنجاح على الآخرين عبر السيطرة على مقدراتنا وبحورنا وبيوتنا! والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي