كيف يمكننا بحث شرعية التأمين

كيف يمكننا بحث شرعية التأمين

[email protected]

حينما كتبت في العدد الماضي عن الحوار الذي دار بيني وبين أحد الزملاء عن التأمين وعن بعض الأسباب التي يستند إليها ممن يرى عدم شرعيته، اقتصرت في مقالتي على ما ذكره هذا الزميل من أن التأمين على الحياة قد يشجع على القتل، وما رددت عليه في حينه بأنه لو كان هذا السبب يعوّل عليه لتحريم التأمين لتم تحريم الميراث كذلك لأنه قد يشجع على القتل.
ولقد كانت هناك ردة فعل طيبة من الزملاء والقراء على هذا المقال، وهناك من علّق على ما كتبت من القراء ومنهم من راسلني على بريدي الإلكتروني، ولكن لفت انتباهي ما كتبه أحد القراء الكرام الذي عاتبني بقوله إنك تستند في مقالتك إلى حجة ليست هي الأساس في تحريم التأمين وإنك تجاهلت الحجج التي أوردها بعض علمائنا الذين يرون حرمة التأمين أو بعض أنواعه. من ناحيتي فأنا بالتأكيد أحترم وجهة نظر القارئ الكريم وله الحق وكل الحق في عتبه علي، ولكني أقول له إنني لم أكتب تلك المقالة للتصدي لقضية شرعية التأمين بقدر ما كنت أهدف لاستعراض بعض ممن يملكون منهجية خاصة في التفكير، ومن خلال هذه المنهجية يتم الحكم في الأشياء، وكان حديثي في هذا المجال عن التأمين باعتباره نموذجاً يجتذب طريقة التفكير هذه، كما أنني في حقيقة الأمر مهتم بمعرفة كيف يفكر الناس فيما يخص التأمين، ومنهم على وجه التحديد طلبة العلم والمعنيون بالجوانب الشرعية أو حتى كل الجوانب التي تخص التأمين.

أما فيما يتعلق بقضية شرعية التأمين فأنا - وبلا شك - أعرف حجج هؤلاء العلماء التي يستندون إليها في تحريم التأمين وأعرف مدى قوة أو ضعف كل دليل يستندون إليه، وذلك بحكم اطلاعي وكتاباتي الكثيرة في مسائل شرعية التأمين، ولكنه مع ذلك لا يمكنني أن أستعرض هذه الحجج والرد عليها رداً علمياً وفق الضوابط التي يتبعها الباحثون في هذا الشأن وأحشرها في مقالة واحدة، فهذا ظلم لهم وظلم لي وظلم للتأمين كذلك، ذلك أن مجال الكتابة الشرعية المستفيضة في حرمة أو حل التأمين هو في المؤتمرات الندوات والمجلات العلمية المتخصصة، وما الصحف إلا لنشر خلاصة (الخلاصة) حول نتائج ما تتمخض عنه تلك الكتابات أو تلك الدراسات. فالصحف تصلح لأن تكون مجالاً لنشر مضمون فتوى معينة أو استعراض جزئية معينة تتضمن رأياً معينا عن شرعية التأمين أو رداً عليه وهكذا، ولكن فيما يخص مسألة شرعية التأمين ككل فإنه من غير الممكن أن تطرح هذه المسألة بكل جوانبها إلا عبر سلسلة من العمل الصحافي الذي قد لا يجد نتيجته إلا لدى القارئ الحصيف والصبور والمتابع الذي يستطيع أن يلملم عناصر الموضوع الذي سيتناثر عبر الزمن وهم قلّة في هذا الزمن الذي من ديدنه السرعة وعدم التعويل على الموضوعات التي يتم تجزئتها واستعراضها خلال مدة طويلة من الزمن.
وعلى العموم فإن كل هذا لا يمنع من الحديث حول شرعية التأمين ولكن مع أخذ الاعتبارات التي أشرت إليها أعلاه، ثم أنه وقبل طرح حجج كل طرف من الأطراف سواء الطرف الذي يرى حرمة التأمين ككل أو ذلك الذي يرى حرمة بعضٍ منه أو حتى الذي يرى أنه غير حرام بمجمله فإنه لا بد من الحديث عن التأمين من حيث طبيعته وجوهره وحقيقته وفنيّاته، وكذلك حقيقة شركات التأمين التي تعمل به حتى نتمكن من الحكم عليه حكماً منصفاً، وهذا ما سأبدأ به في مقالتي المقبلة إن شاء الله فانتظروني، وللقارئ الكريم الذي أثار هذه الملاحظات كل ود وتقدير.

الأكثر قراءة