هل كل بيع من المؤسسين سيئ؟
تعمل الأسواق المالية كمنصة منظمة لعرض الأسعار وتناقل الملكيات للأوراق المالية للأصول التي تمثلها سواء كانت أسهم شركات أو سلعا أو سندات دين أو عملات وغيرها، لذلك نجد طرفين في كل معاملة؛ بائع ومشترٍ، مثلها مثل أي تعامل تجاري. في الآونة الأخيرة كثر الحديث حول قضية تخارج الملاك أو بيع الملاك "وهنا نقصد المؤسسين" نسبا من ملكياتهم خصوصا في الطروحات الأولية، ومع الأسف يوجد هنالك لغط حول فهم الدوافع لهذا التخارج والاستنتاجات المبنية عليها وعلى مدى التأثير في مستقبل الشركة وحركة السهم، وهنا نوضح بعض النقاط حول التخارج وأسبابه المتوقعة والتفريق بينهم حتى يستطيع المستثمر قراءة هذه الأخبار بشكل سليم وبعيد عن التهويل غير المنطقي.
في البداية يجب أن نفهم الأسباب التي من الممكن أن تجعل الملاك يبيعون كامل أو جزءا من حصتهم في الشركة ومنها:
1 - متطلب للإدراج: لا يمكن أن يتم تداول أسهم الشركة من دون وجود حصة للبيع والتداول ولذلك عند طرح الشركة للتداول يجب التخلي عن حصة مقابل سعر معين تكون متاحة للبيع والاكتتاب "حسب ما هو متبع في أغلب الأسواق"، وقد يحتج البعض بقضية لماذا لا يلجأ الملاك إلى زيادة رأس المال وطرح الحصة الجديدة للاكتتاب مباشرة من دون استفادة الملاك مباشرة من الاكتتاب؟ طبعا هذا خيار مطروح وتم العمل به "وإن كان بشكل محدود جدا" لكن ليس كل الشركات في حاجة إلى زيادة رأس المال ولذلك لا نستطيع تعميم هذا الخيار على الجميع.
2 - حاجة الملاك إلى المال لتمويل استثمارات أخرى أو تمويل احتياجاتهم: وهذا طبيعي حيث قد يلجأ الشخص إلى بيع جزء من ممتلكاته أو استثماراته حتى وإن لم يرغب في ذلك.
3 - التقييم المغري: من المنطقي إذا عرض عليك سعر مغرٍ لأي أصل "معروض للبيع" سوف تبيعه خصوصا إذا كان لديك سبل استثمار بديلة ومختلفة مغرية، وهذا يفسر بيع بعض المؤسسين أو الملاك الكبار لجزء من أسهمهم عند ارتفاعها بشكل جنوني ولمستويات تفوق بكثير القيمة الحقيقية للشركة مهما كانت جيدة، فلو فرضنا وبشكل مبسط جدا أن الشركة مكرر ربحها عند سعر 20 ريالا يبلغ 15 مرة، ولو فرضنا أن هنالك مضاربات وارتفاعات قوية حدثت في السوق رفعت سعر الشركة إلى 50 ريالا وبهذا ارتفع مكرر الربحية إلى حدود 38 مرة وهو بكل تأكيد مبالغ فيه وخصوصا في حال عدم توقع وجود نمو كبير في أرباح الشركة يقارب 250 في المائة وبشكل مستقر لأرباح السنوات العشر المقبلة وهو أمر من شبه المستحيل حدوثه، فلو كنت أحد الملاك لبعت أسهمي في السوق وهذا قرار طبيعي ومنطقي.
4 - التنويع: قد يلجأ ملاك الشركة إلى بيع جزء من أسهمهم لتحقيق تنويع في استثماراتهم ولتقليل مخاطر التركيز في أنشطتهم واستثماراتهم، حالهم حال أي مستثمر لديه محفظة ويعمل على تقليل المخاطر عن طريق التنويع بين القطاعات والأسهم.
إذن هنالك أسباب كثيرة تدفع الملاك إلى بيع أسهمهم سواء في عملية الطرح أو ما بعد الطرح ويجب عدم تصوير الأمر بشكل سيئ تماما، لكن لا يعنى ذكر هذه الأسباب أنه لا يوجد بيع تخارجي يحمل معاني سيئة على الشركة وخصوصا وجود تجارب حدثت في السوق السعودية أثرت في ثقة كثير من المتداولين، سواء شركات تدهورت نتائجها بعد الاكتتاب أو تخارج الملاك بشكل شبه كامل في وقت سبق تدهور أحوال ونتائج شركاتهم المتداولة، ولكيلا يقع المتداول في حيرة حيال الاكتتابات الجديدة وضرورة بيع الملاك لأسهمهم ليتم تداول شركتهم وبين التخارج ذي الدلالات السيئة، في حالة الاكتتابات الجديدة يتم مراجعة القوائم المالية السابقة والنظر إلى عدة مؤشرات منها "وعلى سبيل المثال فقط" استقرار المبيعات ونموها إلى جانب الأرباح، والأصول ونسبة الديون والهوامش وغيرها كثير ليتم الحكم على متانة وأداء الشركة، أما في حالة الشركات المتداولة فهنالك مؤشرات كثيرة تشعل حذر المستثمر "إذا حصلت وترافق معها سلسلة من البيع من قبل الملاك المؤسسين" منها نسب الديون وحدوث مشكلات في التدفقات النقدية، قرب انتهاء امتياز أو وكالة أو أي حقوق كانت الشركة تحقق أرباحا ومبيعات ذات نسبة كبيرة لها، قضايا قانونية ذات تأثير جوهري في استمرارية الشركة، غموض كبير ومهدد للقطاع الذي تعمل فيه الشركة قد يكون جراء تغيرات تقنية مدمرة أو تغيرات في اقتصاد البلد، ارتفاع كبير في تكاليف التشغيل في القطاع الذي تعمل فيه الشركة أدى إلى تقلص مخيف في هوامش الربحية وغيرها كثير من المؤشرات الخطيرة التي يجب الانتباه لها "إذا ترافق معها" بيع منظم "تخارج تدريجي" أو غير منظم من قبل الملاك.
ختاما هنالك كثير مما يمكن أن يذكر هنا لكن المجال لا يتسع والمهم أن يستوعب المتداول وأن يقرأ بذكاء المؤشرات ويستنبط إذا كان التخارج من النوع الطبيعي ولأحد الأسباب التي تم ذكرها في الأعلى أم كان دلالة واضحة على تخارج بسبب علم المؤسسين الذين هم في الأغلب أعضاء مجلس الإدارة بمشكلة جوهرية تهدد مستقبل الشركة واستمراريتها.