لماذا تأخر صدور نظام الرهن العقاري؟!
تأخر صدور نظام الرهن العقاري على الرغم من المفاجأة التي ستدهش الجميع بأنه نظام بسيط وسهل ولا يستحق هذا الوقت من الدراسة، إلا من الناحية الشرعية وهي أيضا أسهل فهو نظام لا يختلف عن نظام التورق أو المرابحة. فلماذا يتأخر؟ ولي الأمر خادم الحرمين طلب الإسراع فيه والمسؤولون والمواطنون يتساءلون: متى سيصدر؟ وما الذي يعوقه؟
منذ سنوات والنظام يتداول بين مجلس الشورى وهيئة الخبراء وهو في مجموعه لا يتعدى ست صفحات، ويرافقه في المشوار نظام مراقبة شركات التمويل وهو لا يزيد على 15 صفحة ونظام التأجير التمويلي ومكون من 11 صفحة. المجموع 32 صفحة، أي أصغر من كتاب لطلبة المرحلة الابتدائية. فهل التأخير بسبب الروتين أم أنه بسبب عدم الحصول على الموافقة الشرعية عليه؟
لا أعتقد أن تزامن اعتماد النظام مع الأزمة التي مرت بها السوق الأمريكية وقبلها اليابان قد يكون هو السبب. فمشكلة (مشكلة السوق التحتي للرهن (الثانوي) Subprime وCredit Crunch وهو ممارسة إقراض أموال لأشخاص ليس لديهم تأهيل كاف أو تاريخ ائتمان جيد، وهي أخطاء حدثت في السابق ولم يتم الاحتياط لها. وقد بدأت حكومات تلك الدول بتصحيح تلك الأخطاء ووضع ضوابط أكبر وأكثر جدية لعدم تكرارها، ولكن تلك الدول لن تلغي نظام الرهن العقاري بل سيستمر لأنه أهم آلية لتأمين السكن لمواطنيها. ونحن يحب أن نصدر النظام وأن نستفيد من أخطاء الآخرين وأن نبدأ من حيث انتهوا.
الجميع ينتظر وبفارغ الصبر حل مشكلات الإسكان وتمكين المواطن من الحصول على قرض وتمويل. فهو حدث كبير سيكون له تأثيره في سوق العقار والاقتصاد الوطني في المملكة وسيساعد على عودة الرساميل المهاجرة، بل سيساعد على جذب استثمارات خارجية. هذا إذا أخذنا في الحسبان توجه الدولة لتوفير البيئة القانونية والمناخ الاستثماري الذي يحفظ حقوق الجميع خاصة بعد انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية.
والرهن العقاري معروف دولياَ فهو عبارة عن قرض لمدة طويلة مضمون مقابل عقار. ومضمون تعني أنه في حالة عدم قدرتك على رد المبلغ أو جزء منه فإن الراهن له الحق في بيع عقارك ليسترد استثماره. والرهن بسيط لدينا لعدم تعاملنا بالربا، بعكس الدول التي تسمح بالربا فهناك عدة أنواع وطرق معقدة لحساب الفائدة. وهدفه الرئيس هو الإسهام في توفير المساكن للمواطنين المحتاجين وبذلك فهو مقبول شرعاً لأن السكن من الضروريات وهو مقصود الشريعة.
وهو قرض عادي ولكن مضمون بعقار بينما القروض الأخرى تكون مضمونة بالمبلغ الذي يتم على أساسه الرهن في حالة القرض العادي هو الراتب الأساسي. بينما المكافآت والعلاوات لا تدخل في أساس الرهن ولكنها تساعد على تخفيف المبلغ كلما أضيفت لتسديد الرهن. وتختلف مدة الرهن ولكنها عالمياَ في حدود 25 سنة. ويقترن مبلغ القرض بقدرة المقترض على الدفعات الشهرية (الأقساط).
من المسلم به أن عملية الرهن قديمة كقدم الإنسان. ولكن الرهن العقاري بدأ مع ظهور المباني وفق صكوك ومستندات واضحة ومعتمدة. لذلك فالرهن معروف منذ قرون. ولكن البداية الفعلية لنظام الرهن العقاري كانت في 1930م في أمريكا. ولم تكن البنوك هي السباقة في ذلك بل كانت شركات التأمين. ولم يكن هدفها فقط الحصول على الربح من الفائدة والرسوم ولكن أملها ألا يستطيع الراهن دفع المستحق عليه وبذلك تتملك الشركة عقاره. وفي عام 1934م ظهر نظام الرهن العقاري المعرف حالياَ وذلك كمحاولة لإنعاش الاقتصاد الأمريكي من الهبوط الذي مر به. وقد كان 40 في المائة من الأمريكيين يملكون سكنا لهم. وكانت قيمة الرهن أو القرض لا تتعدى 50 في المائة من قيمة العقار. يوجد في الأسواق العالمية أكثر من نوع أو أسلوب للرهن العقاري. وأهمها: الرهن المرن:Flexible or Adjustable Mortgage. وهو يوفر طريقة مرنة لإدارة القرض. فمثلاَ تدفع مبلغا مقطوعا أو تزيد أو تنقص الأقساط أو أن تأخذ إجازة من الدفع لأشهر محددة. والرهن الثابت: Fixed-rate mortgage: وهو رهن ثابت الفائدة طوال فترة الرهن ولا يمكن تغييره. وكلا النوعين يندرج تحتهما منتجات بديلة أو نماذج محورة قليلاَ.
وكضمان للرهن فإنه لا بد من التأمين على الرهن العقاري. وهناك عدة أساليب وآليات للتأمين على الرهن العقاري ومنها: التأمين على الحياة، على المرض القاهر، حماية الرهن، على السكن أو العقار، على محتويات العقار.
كما أن النظام لن يكتب له النجاح إذا لم يتم تنظيم عملية التثمين والتقييم العقاري والتي ما زالت تمارس بطريقة غير مهنية ومن جهات غير مؤهلة أو مرخصة. ولذلك فإنه لا بد من النظر من الآن في تأسيس هيئة منظمة ورقابية لتأهيل مهنة التثمين والتقييم العقاري. خاصة أننا مقبلون على إرهاصات انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية وحتمية الحاجة إلى نزاهة هذا الموضوع وشفافيته.
لذلك فإن التثمين والتقييم العقاري يعد أهم الأساسيات لنظام الرهن العقاري ولإتمام صفقة الرهن وتحديد قيمة الرهن، فهي الأداة التي تعتمد عليها المؤسسات الاقتصادية في معظم دول العالم لمعرفة القيمة الفعلية والوقتية Present Value لكثير من المنتجات العقارية، وخاصة في عملية احتساب ضريبة الممتلكات والمباني Property Tax. وهي عادة تكون تحت إشراف جهة إشرافية ورقابية ممثلة بأعضاء من الدولة أو المؤسسات المدنية الرسمية والقطاع الخاص. مثل USPAP هيئة ممارسي مهنة التقييم في الولايات المتحدة. ولها أساسياتها وقوانينها ومقايساتها التي تكون مرتبطة بكود البناء ومواصفات وأنظمة المبنى وأساليب النظام الضريبي والتمويلي ونسبة الفائدة والربح المركب.
ونظام الرهن العقاري و احد من وسائل التمويل المعروفة والتي منها:
الإجارة: تأجير العقار على طالب التأجير ثم بيعه عليه في آخر المدة.
المشاركة المتناقصة وذلك بشراء العقار مشاركة مع طالب التمويل ومن ثم بيع هذه الحصة عليه بأقساط ومدة محددة.
الاستصناع: بناء العقار ثم بيعه عليه بأقساط ضمن مدة محددة.
المرابحة عن طريق بيع العقار بقيمة أعلى بعد شرائه من مالكه الأول.
التورق: بيع معادن أو سلع له وبيعها لحسابه وتسليمها له نقداَ.
البيع الآجل.
عقود BOT البناء، التشغيل، التحويل.
تقوم الصناديق الحكومية بتمويل المشاريع السكنية للأفراد أو المشاريع العقارية الاستثمارية عن طريق قروض ميسرة (حسن).
التمويل التقليدي وهو مبلغ نقدي مباشر بأرباح محددة ولمدة معلومة مرتبط بسعر الفائدة.
هناك الكثير من المعوقات التي لابد من الاهتمام بها لم يتطرق لها النظام الذي يدرس حالياً وهي:
– صعوبة التشريعات القانونية والجزائية والإجراءات الضابطة لحقوق أطراف العلاقة التمويلية.
– تعقيدات استخراج الصكوك وازدواجيتها.
– عدم الوفاء أو السداد في مواعيده واستحالة إخلاء العقار.
– عدم توافر الجهة الرقابية المناسبة لتتوافر لها القدرة على التمويل ومصداقية وشفافية المؤسسات المالية وتسهيل التعاون مع البنوك
– عدم وجود آليات تمويل مبتكرة تناسب ذوي الدخل المنخفض التي تحتاج إلى تمويل لشراء مسكن.
– تأخر كود البناء السعودي.
– مخاطر تذبذب أسعار الفائدة.
مما أراه أن خمس صفحات استغرقت سنوات لذلك فإن نظام الرهن قد يتأخر أكثر إذا لم تتغير الأمور ونجد من يبدي اهتماما أكبر بأمور المواطنين.