رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مهاتير يسعى للعودة إلى السلطة مجددا

خوف السياسي من أن تنحسر عنه الأضواء أو أن تنسى الأجيال الجديدة اسمه وإنجازاته قد يدفعه إلى اتخاذ قرارات عبثية تسيء إلى مجمل تاريخه.
هذا ما ينطبق اليوم على رئيس حكومة ماليزيا الأسبق طبيب العيون د. مهاتير محمد. الرجل الذي أسهم في تحديث ماليزيا وتحويلها من بلد زراعي إلى بلد صناعي، وقاد حزب الجبهة الوطنية المتحدة للملايو (يعرف اختصارا باسم "أومنو") الحاكم من فوز انتخابي إلى آخر، وتزعم بلاده على مدى 22 سنة متواصلة، وضرب خلفاءه الذين اختارهم بنفسه الواحد تلو الآخر، قبل أن يسلم السلطة طواعية إلى رئيس الوزراء السابق عبد الله أحمد بدوي الذي خلفه في عام 2009 رئيس الحكومة الحالي "محمد نجيب تون عبد الرزاق"، وهو من عائلة ارستقراطية وسياسية معروفة، حيث إن والده هو تون عبد الرزاق وعمه هو تون حسين عون، وهما ثاني وثالث رؤساء حكومات ماليزيا على التوالي.
مهاتير لم يرق له، على ما يبدو، أن يلحق اسمه صفة "السابق"، لذا حاول دائما أن يطلق تصريحات وشعارات مثيرة للجدل واللغط من تلك التي تجري وراءها وسائل الإعلام المحلية والأجنبية. بل إنه حاول العودة إلى ذاكرة الشباب الذين لم يعاصروه من خلال لعب دور في فيلم من أفلام الخيال العلمي حمل اسم "الكبسولة"، مجسدا فيه شخصيته الحقيقية، حيث يسافر داخل كبسولة زمنية ليشاهد مستقبل ماليزيا طبقا لخطته التنموية المعروفة باسم "رؤية 2020"، لكن بطل الفيلم يسرق الكبسولة ويعود بها إلى مطلع الأربعينيات، أي إلى حقبة مقاومة الغزو الياباني، حينما كانت الملايو والسلطنات المجاورة شيئا لا يذكر. والهدف من المشاركة في فيلم وقصة هكذا معروف ولا داعي للتفصيل.
مهاتير محمد هذا، يسعى اليوم إلى العودة مجددا للسلطة وقد تجاوز الـ 90 من العمر، ضاربا بعرض الحائط مبدأ "إن لكل مرحلة رجالها"، و"إن مصلحة الوطن تقتضي ضخ دماء شابة جديدة في هياكل الدولة وإداراتها العليا"، منعا للترهل والتقهقر.
وهذا تحديدا ما تفيد به الأنباء الواردة من كوالالمبور، التي تقول إن الرجل أبدى موافقته على العودة إلى المشهد السياسي من خلال الانضمام إلى تحالف معارض لحزب "أومنو" الحاكم منذ استقلال البلاد عن بريطانيا في عام 1957 وهو الحزب الذي تربى في كواليسه وتدرج في أطره نائبا، فوزيرا، فنائبا لرئيس الحكومة، فرئيسا للحكومة من عام 1981 وحتى عام 2003. بل إن الأنباء نفسها أفادت بأن مهاتير لا يمانع من تزعم الحكومة إذا ما حقق التحالف الجديد فوزا في الانتخابات العامة المقبلة المقرر إجراؤها في منتصف العام المقبل.
لكن ما هذا التحالف الجديد؟ ومم يتكون؟ وما مدى حظوظ فوزه؟ وما دواعي ظهوره؟
لنبدأ الإجابة من السؤال الأخير. سعت أحزاب وتنظيمات سياسية ماليزية عدة منذ سنوات إلى التحالف والتكتل بهدف إنهاء احتكار حزب "أومنو" السلطة في البلاد، مستخدمة شتى السبل والوسائل المشروعة وغير المشروعة. وكانت البداية في عام 2011 بالتزامن مع أحداث ما سمي بـ "الربيع العربي" حينما خرجت مظاهرات شارعية غير مسبوقة تصدت لها قوات الأمن بضراوة.
وهذه الجماعات والتنظيمات وإن نجحت في انتخابات عام 2008 في جعل الحزب الحاكم يخسر تمتعه بالأغلبية البرلمانية لأول مرة منذ استقلال البلاد، ثم نجحت في تحقيق الأمر ذاته في انتخابات 2013 أيضا، فإن تحالف المعارضة لا يزال هشا ومفتقدا الرؤية السياسية الموحدة حول كيفية إدارة البلاد في ظل تباين التوجهات الأيديولوجية للجماعات المنخرطة فيه. في المقابل يبدو التحالف الحاكم بقيادة "أومنو" موحدا ويتمتع بالشرعية التاريخية، والدعم من قبل ملايين الناخبين الذين يفضلون الاستمرارية والاستقرار بدلا من منح أصواتهم لأحزاب لم يختبروها في السلطة، وبالتالي المراهنة على المجهول. هذا ناهيك عن وقوف وسائل الإعلام الرئيسة المؤثرة إلى جانب الحكومة، وتحقيق حكومة نجيب رزاق نسبة نمو اقتصادي معتبرة مدعومة بعملة وطنية قوية وسوق أسهم مرتفع.
يحدث هذا في الوقت الذي يعاني فيه رئيس الحكومة الحالي متاعب سياسية وقضائية متعلقة بمزاعم فساد محورها قيامه بتحويل جزء من أموال صندوق خاص بتعزيز الاقتصاد الماليزي إلى حساباته المصرفية الخاصة في الخارج. وعلى الرغم من أن المدعي العام الماليزي قرر أنه لم يثبت ارتكابه أي مخالفة جنائية، فإن مهاتير وبعض الطامحين للسلطة لم يكفوا عن تشويه صورة الرجل والطعن في مصداقيته، بل ألبوا عليه سكان الأرياف من مزارعي المطاط المحافظين في الدوائر الانتخابية الخاضعة لهم عبر استغلالهم قضية فساد مزعومة أخرى خاصة بشركة "فيلدا" الزراعية المملوكة للدولة.
أما فيما خص تحالف المعارضة الحالي فهو هش وبائس، وإن ادعى كثرة أنصاره، وقيامه بافتتاح فروع في أكثر من 160 دائرة من الدوائر الانتخابية البالغ عددها 222 دائرة. والدليل على صحة ما نقول هو أن عماده الرئيس مكون من حزب طارئ يحمل اسم "بيرساتو" (اتحدوا) أسسه مهاتير بالمشاركة مع محيي الدين ياسين، والأخير كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم في حكومة نجيب رزاق، لكنه طرد في تموز (يوليو) 2015 من الحكومة بعد أن أثار قضية الفساد المذكورة آنفا. والمفارقة أن السياسي المثير للجدل أنور إبراهيم الذي لفق له مهاتير تهمة أخلاقية، الموجود حاليا في المعتقل بارك هذا التحالف ودعا الجماهير لمساندته، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي