عام الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد السعودي.. و ترقب لمواجهة التضخم

عام الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد السعودي.. و ترقب لمواجهة التضخم

يتفق معظم الاقتصاديين والمراقبين في أن عام 2007 كان عام التحرير الاقتصادي والإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد السعودي بجدارة، بعد أن عمدت الحكومة من جهة وعبر مئات القرارات إلى إحداث نقلة نوعية في الإجراءات والأنظمة والقوانين المسيرة للعمل الاقتصادي من جوانبه كافة، ونهوض القطاع الخاص في فضاءات جديدة وأدوار أخرى من جانب آخر. يقول حمد السياري محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي في المنتدى الاقتصادي الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي نظمه معهد التمويل الدولي قبل أسابيع" لقد ظل القطاع النفطي منذ بداية الثلاثينيات يمثل العـصب الـرئيس لاقتصاد المملكة، وللحد من ذلك، اتخذت الحكومة في العقود الثلاثة الأخيرة قرارا اسـتراتيجيا بتنويع وتوسيع القاعدة الاقتصادية من خلال تطبيق سلسلة واسـعة مـن الإصـلاحات والسياسات لتطوير البيئة الاستثمارية وجذب مشاركة أكبر من القطاع الخـاص وتـسهيل تدفق الاستثمار الأجنبي إلى البلاد".
إن المتتبع لمسيرة الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها السعودية رغم الظروف الاقتصادية الدولية التي عصفت بالعالم وتؤثر في الاقتصاد الوطني خلال العام 2007، ليس أقلها ارتفاع أسعار النفط وتراجع عملة الربط بالريال "الدولار"، وارتفاع مستوى التضخم لأعلى مستوياته، وأزمة الرهن العقاري في أمريكا، يؤكد أن ما تم تحقيقه يستحق الثناء.
يؤكد السياري في خطابه الذي ألقاه في تشرين الثاني (نوفمبر)، أن السعودية حققت في العقد الأخير تقدما هاما حيث أقرت الدولة مجموعة جديدة من القوانين والأنظمة والمبادرات التنظيمية ذات صلة بالأنشطة الاقتصادية بلغ عددها 42 منها 19 كانت للإعداد للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية الذي تم في عام 2005م، وكـان آخر هذه المبادرات في العام 2007 ومن أهمها تطوير النظام القضائي.

تحفيز الاقتصاد

يقول مسؤولون ومراقبون في عدد من المناسبات الاقتصادية المهمة إن السعودية اتخذت عددا من الخطوات لتحفيز الأنشطة الاقتصادية وجذب الاستثمار الأجنبي لها إذ تم تخفيض نسبة الضريبة المقطوعة على الشركات من 45 في المائة إلى 20 في المائة، وإلغاء شرط رأس المال الأدنى الأولي، كما تمت مراجعة القائمة السلبية للاستثمار والسماح بالاستثمار الأجنبي في قطاعات حيوية كخدمات التأمين، وتجارة
الجملة والتجزئة، والنقل الجوي والخطوط الحديدية وخدمات الاتصالات، وغيرهـا.
كما وضعت الحكومة هدفا لها أن تكون في مصاف اقتصادات العالم العشرة الأولى الأكثـر جاذبية للمستثمر في عام 2010م من خلال فتح قطاعات اقتصادية إضافية أمام الاستثمار الأجنبي المباشر وبما يتماشى والإصلاحات الاقتصادية المستمرة من أجـل تطـوير البيئـة الاستثمارية في المملكة.
وقد أثمرت هذه الجهود في تحقيق أهدافها، فوفقا للتقرير الأخير الذي أصدره مـؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالتجارة والتنمية، برزت المملكة كأكبر المستفيدين مـن الاسـتثمار الأجنبي المباشر في العالم العربي في عام 2006م، حيث بلغ الاستثمار الأجنبي المباشـر 18مليار دولار أمريكي، أي بزيادة نسبتها 51 في المائة على2005 وقامت أيضا مؤسستا
التصنيف العالميتان ستاندرد آند بورز وفتش برفع التصنيف الائتماني السيادي للمملكة.
ووفقا لمؤشر البنك الدولي لتيسير ممارسة الأنشطة التجارية، تم رفع تصنيف المملكة من A+المرتبة الثامنة والثلاثين في 2006 إلى المرتبة الثالثة والعشرين في 2007 .
ومن جانب آخر، قامت الحكومة بتشجيع إنشاء وتوسيع الصناعات ذات القيمـة المضافة في المجالات التي تتمتع المملكة فيها بمزايا تنافسية مثل انخفاض تكلفة الطاقة والموقـع الاستراتيجي ووفرة المواد الخام
ووضع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله حجر الأساس لأربع مدن اقتصادية كبرى في رابغ وحائل والمدينة المنورة وجازان، ويتوقـع
أن تجذب استثمارات تقدر بنحو 300 مليار ريال وأن توفر أكثر من مليون فرصة عمـل.
وهنا نعود إلى حديث محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي والذي أشار فيه إلى إن أحد أهم المؤشرات الدالة على التقدم الذي تحقق في تنويع الاقتصاد هو تصاعد نمو الصادرات غير النفطية التي لم تكن لها أهمية كبيرة في مطلع الثمانينيات، إلا أنها شـهدت ارتفاعاً كبير في السنوات الأخيرة، وحققت ارتفاعاً مستمرا منذ عام 2000حيث تقدر صادرات القطاع غير النفطي بنحو 21 مليار دولار في 2006 ومثلت 6 في المائة ً تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي 13.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي .

تعامله مع أزمات 2007

الرهن العقاري

لقد أثبت الاقتصاد الوطني واقتصادات المنطقة قدرة على المقاومة الفاعلة لمواجهة التحديات التي عصفت بالعام 2007، إذ لم تتراجع معدلات النمو في السعودية أو في دول الخليج الأخرى، رغم تعرضها بشكل مباشر أو غير مباشر لأزمات اقتصادية دولية منها تراجع الدولار والتضخم وأزمة الرهن العقاري.
لقد دفعت دول الخليج بالأزمة العالمية للرهن العقاري في فنائه الخلفي وأصرت على الاستمرار في تنمية الطلب المتنامي على العقارات وأدواتها في الأسواق الخليجية، إذ عمدت السعودية إلى الاستمرار في إطلاق برامج التمويل والإقراض السكني، سواء من خلال ميزانياتها العامة أو عبر مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات العقارية، كما أن السياسة التي كانت تتبعها الاستثمارات الحكومية والخاصة والنظام المصرفي المتطور جنبت الاقتصاد مخاطر الانكشاف التي طالت استثمارات أوروبية وأمريكية عقب أزمة الرهن في الشهور الأخيرة.
يقول السياري هنا " إن الاقتصاد السعودي جزء لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي وهو عرضة بالتالي لمخاطر الأنظمة المالية، ورغم أن السعودية لم تمر بالأزمات المالية وأزمة السيولة الـتي عانتها بقية دول العالم نتيجة للأزمة الأخيرة، إلا أننا نواصل جهودنا الرامية إلى متابعـة السوق المحلية باستمرار لضمان استمرار استقراره في ظل السياسات والأنظمة ".

التضخم

رغم عدم قدرة متخذي القرار الاقتصادي في المملكة على الحد من ارتفاع مستوى التضخم في البلاد لارتباطها بعوامل متنوعة مرتبطة بالاقتصاد العالمي، إلا أن الجهات المعنية عمدت لبذل كل ممكن لإبقائه في مستويات معقولة مقارنة بما هو الحال في الدول المجاورة، إذ لم يتجاوز بحسب آخر إحصائية رسمية 5.3 في المائة، فيما تجاوز في قطر مثلا 12 في المائة.
وهنا حاولت الحكومة السيطرة على التضخم عبر دعم بعض السلع الأساسية وخفض الجمارك أو إلغائها عن بعضها، كما تم تخفيض فائدة إعادة الشراء، ورفعت من مستوى الاحتياطات البنكية في المؤسسة من 7 في المائة إلى 9 في المائة، وإجراءات أخرى متنوعة.
ومع أن معدل التضخم أقل من مستواه في معظم دول المنطقة نتيجة حجم القاعـدة الإنتاجية المحلية، ونتيجة توافر الدعم المباشر أو غير المباشر لبعض السلع والخدمات الأساسية كالدقيق والوقود والمياه والكهرباء وبعض المنتجات الغذائية المحلية و أخذ في الحسبان زخـماً النشاط الاقتصادي إلا أن استمرار الارتفاع يستوجب الحذر والمراقبة.

تراجع الدولار

لقد حركت مشكلة تراجع الدولار الكثير من القضايا المرتبطة بالاقتصاد الوطني ومنها التضخم في العام 2007، وسعت وزارة المالية ومؤسسة النقد إلى تجاوز الضغوط التي تطالب بفك ارتباط الريال بالدولار أو تعويمه، لتأكيد الاستقرار الذي تمتعت به العملة السعودية على مدى سنوات طويلة في الأسواق العالمية، وهي من المهام التي يصعب تحقيقها في ظل اقتصاد متغير ومتطور.
أبقت السعودية على سياسة الصرف المتبعة، وعمدت إلى اتخاذ إجراءات تمنع من المضاربة على العملة الوطنية في بورصات العملات الدولية وأبقت على سياسة التشاور مع دول الخليج كمنظومة اقتصادية انتهت بسوق خليجية مشتركة.

تحديات 2008

يواجه الاقتصاد السعودي العديد من التحديات وأهمها ارتفاع وتـير ة التـضخم بشكل يثير القلق، إذ إن العوامل التي دفعت التضخم للارتفاع المتسارع لا تزال قائمة وأهمها خارجيـاً موجة التضخم العالمية في المواد الغذائية وفي السلع الأساسية ً ومحليا الارتفـاع الملحـوظ في تكاليف السكن في المدن الرئيسة نتيجة التوسع الاقتصادي وزيادة الطلب علـى المـساكن
والمكاتب، إضافة إلى ازدياد الطلب المحلي نتيجة زيادة الإنفاق الاستثماري وتوسع قطـاع الخدمات خاصة الخدمات المالية وخدمات الإنشاء والتعمير.
ورغم ذلك نشير إلى ما قاله محافظ مؤسسة النقد في خطابه الأخير وهو أن اقتصاد السعودية يمـر ً حاليـا بمرحلة نمو متسارعة في جميع قطاعات الاقتصاد على مستوى ووتيرة وعمق غير مـسبوق، وأن الحكومة تتولى تعزيز ديناميكية هذا النمو بسياستها المعلنة حول الإصـلاحات الهيكليـة
والتحرير الاقتصادي، كما يدل على ذلك نجاحها في جذب القطاع الخـاص والاسـتثمار الأجنبي المباشر بشكل رئيس إلى القطاعات الإنتاجية غير النفطية من الاقتصاد.

الأكثر قراءة