ثمن القيادة

ثمن القيادة

[email protected]

يشكل بدء العمل في مصفاة بورت آرثر في الولايات المتحدة الذي تشارك فيه "موتيفا" المملوكة جزئيا لشركة أرامكو السعودية، نقلة نوعية من ناحية، وتسليطا للضوء على جانب آخر تعلق بريادة السعودية على الساحة النفطية من الناحية الأخرى.
فالارتفاع الذي تشهده أسعار النفط والمستمر منذ نحو سنوات أربع أصبح يشكل معضلة من ناحية تفسير العوامل التي تقف وراءه، والكثير من المستهلكين بقيادة الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة يكررون مناشداتهم لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) بضرورة ضخ المزيد من الإمدادات من النفط الخام لكبح جماح التصاعد في سعر البرميل.
المنتجون، وعلى رأسهم السعودية، كانوا يشيرون إلى أن السوق لا تعاني نقصا في الإمدادات، وحتى إذا حدث هذا فإن الإمكانية متوافرة لضخ المزيد، وأن التصاعد السعري يعود في نهاية الأمر إلى عوامل أخرى من بينها التوترات الأمنية وضعف الطاقة التكريرية، الأمر الذي يرفع من سعر بيع المنتجات المكررة للمستهلكين، وهذه تصحب معها سعر برميل النفط الخام إلى أعلى. ويستشهدون بما شهدته آخر أيام إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون عندما تصاعد سعر البرميل وفي سنة انتخابية، الأمر الذي دفع كلينتون إلى اللجوء إلى المخزون الاستراتيجي وضخ بعض الإمدادات، لكن الخطوة لم تنجح في خفض سعر البيع للجمهور.
وبما أن ارتفاع سعر برميل النفط الخام إلى معدلات قياسية عليا ليس في مصلحة المنتجين خاصة إذا كانوا من ذوي الاحتياطيات الكبرى، كما هو الأمر مع السعودية، إذ يرغبون في رؤية استمرار اللجوء إلى النفط مصدرا للطاقة إلى أطول فترة ممكنة، فإن أي خطوة تهدف إلى جعل السعر معقولا إنما تصب في نهاية الأمر في حضن المصلحة الخاصة، وفي الوقت ذاته تسهم في طمأنة المستهلكين وتحقيق قدر من الاستقرار في السوق يحتاج إليه الجميع.
وفي هذا الإطار يمكن النظر إلى خطوة التوسع في الطاقة التكريرية لمصفاة بورت آرثر، في خطوة وصفت أنها تعادل إنشاء مصفاة جديدة وضعا في الاعتبار حجم الإضافة الجديدة البالغ 325 ألف برميل يوميا يتوقع أن تكتمل خلال عامين.
وهكذا، وبدلا من الاكتفاء بإخلاء طرف المنتجين من مسؤولية التسبب في تصاعد الأسعار، وأنه ينبغي على المستهلكين العمل على زيادة الطاقة التكريرية لديهم، فإن القرار السعودي بدخول ميدان صناعة التكرير بقوة إنما يشكل نقلة نوعية بالبحث عن حلول وعدم الاكتفاء فقط بالشكوى وتحميل المسؤولية للآخرين.
ومع أن الخطوة تقع في إطار استراتيجية قديمة للسعودية بالسعي ما أمكن إلى تحقيق قيمة مضافة إلى نفطها الخام وإيصاله مكررا إلى الأسواق متى ما توافرت الفرصة، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يقلل من حجم المخاطر التجارية المتمثلة في تصاعد تكلفة إنشاء مثل هذه المصافي، خاصة وبعض المشاريع التي تخطط لها السعودية تسعى إلى التركيز على النفط الثقيل الذي تنتجه ويجد أحيانا بعض المتاعب التسويقية. وتتمثل هذه المصاعب في عملية إعادة النظر المستمرة التي يقوم بها الشركاء الأجانب في هذه المشاريع، خاصة تلك التي ستقام داخل السعودية في ينبع، الجبيل، رابغ، وجازان، حيث يعتقد أن التكلفة تصاعدت بنسب تراوح بين 50 و100 في المائة خلال العامين أو الثلاثة التي مضت، الأمر الذي يجعل من الضروري إعادة النظر في المشروع من الناحية التجارية ومقدار العائد المتوقع منه خاصة وصناعة التكرير معروف عنها ضعف الهامش الربحي بصورة عامة.
هذا الوضع يعيد إلى دائرة الضوء خطوة مماثلة وهي الاحتفاظ بطاقة إنتاجية إضافية من النفط الخام، رغم ما يمثله قرار مثل هذا من عبء مالي واستراتيجي، وهو ما تستنكف عنه كبريات الشركات النفطية وموازنات بعضها تتجاوز موازنات مجموعة من الدول المنتجة للنفط. وقد يكون لهذه الشركات العذر كون عينها على حملة أسهمها، الذين يركزون على الوضع الذي بين أيديهم، ومطالبتهم لإدارات الشركات بتحقيق أرباح متنامية ومتصاعدة كل ربع سنوي تنشر فيها النتائج المالية.
لكن الدول لا تتصرف على هذا النحو التجاري أو الوقتي المحض، خاصة إذا كانت تتعامل مع سلعة استراتيجية مثل النفط تشكل بالنسبة لدولة مثل السعودية أكثر من مجرد سلعة يتم بيعها للحصول على عائدات من ورائها والإنفاق العام فقط.
قرار دخول ساحة الصناعة التكريرية لتوفير المزيد من الإمدادات التي يحتاج إليها السوق دلالة إضافية على التعامل المسؤول مع متطلبات السوق رغم المتاعب التجارية التي تحيط بكل الفكرة. ومثل هذه الخطوة قد تجد تقديرا وقد لا تجد من المستهلكين كبارهم أو صغارهم.
لكن من قال إن القيادة بلا ثمن؟ والقيادة ثاقبة النظر هي تلك التي تستطيع المواءمة بين البعدين التجاري والاستراتيجي، وهو ما تسعى إليه السعودية بجد.

الأكثر قراءة