رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


رأس المال المغامر..القطاع الغائب

[email protected]

تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن دورنا الاقتصادي فيما بعد مرحلة النفط، وعن أهمية استغلال العوائد النفطية الحالية لتكوين اقتصاد أكثر تنوعاً بحيث نخفف من الآثار السلبية لاعتمادنا على النفط على الأداء الاقتصادي العام. وأشرت إلى أن الإبداع المعرفي يعد من أهم الوسائل التي تكفل تحقيق التنوع الاقتصادي كما أنه من أكثر العوامل التي تحقق قيمة مضافة للاقتصاد. لذلك تبنت المملكة هذه السياسة مدعومة برؤية حكيمة من القيادة بإنشاء جامعة الملك عبد لله للعلوم والتكنولوجيا لتكون دافعاً لمسيرة البحث والإنتاج العلمي في المملكة. لكن المتفكر في التجارب السابقة يجد أن المملكة أنشأت الكثير من مراكز البحوث العلمية سواء في الجامعات والمؤسسات الحكومية السعودية أو كمؤسسات قائمة بذاتها كمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، لكن تلك المؤسسات البحثية، وعلى الرغم من إنجازاتها العلمية، إلا أنها لم تحقق الهدف المنشود منها وهو تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد. إذ إن البحث والإبداع العلمي ليس هدفاً في حد ذاته، لكنه وسيلة إلى تحسين الأداء الاقتصادي للدولة بشكل ينعكس على الرفاه الاجتماعي العام. لذلك لم تكن تلك المنشآت البحثية قادرة على تحويل تلك الإنجازات العلمية إن وجدت إلى قيمة مضافة في الاقتصاد بتوظيفها في منتجات قابلة للتداول بما يحقق للمجتمع المزيد من التوظف والارتفاع في مستوى الدخل. إذاً السؤال المهم هو كيف يمكن للاقتصاد استيعاب أي إنجاز علمي مهما كان مصدره؟
هناك حلقة مفقودة في نظامنا الاقتصادي، وهي تلك الحلقة التي تربط بين المبدع في مجال المعرفة وبين المستثمر المستعد للمخاطرة برأس ماله لاستغلال تلك المعرفة وتحويلها إلى أمر واقع يحقق قيمة مضافة للاقتصاد. هذا النوع من المستثمر يطلق عليه الرأسمالي المغامر The Venture Capitalist. ورأس المال المغامر Venture capital يعرف بأنه عبارة عن ملكية خاصة لرأس المال يقدم بواسطة مهنيين محترفين في مجال معين لمشروع استثماري يحمل في طياته فرص النمو المستقبلي. وتاريخياً يعد المسلمون الأوائل أول من قدم هذا النوع من الاستثمار للعالم من خلال المرابحة الشرعية والتي يشترك فيها الممول والمغامر (مدير المشروع) في المخاطرة باقتسام الأرباح والخسائر الناتجة عن المشروع. ورأس المال المغامر يتأسس في العادة بواسطة مجموعة من الخبراء في مجال معين، كتقنية المعلومات مثلاً، يكونون ممن عملوا سابقاً في مجالات مشابهة، ويمثلون مجموعة الشركاء في المجموعة. هؤلاء الأشخاص بما لديهم من خبرة ومعرفة بدقائق الصناعة يعملون على اقتناص الأفكار الجديدة في مجالهم والتي يمكن أن تنطوي على فرص نمو مستقبلي كبير. ومن ثم يقومون بعرض هذه الفرص على الممولين الذين يساهمون مع الشركاء المهنيين في المجموعة في تمويل وتنمية هذه الفرصة الاستثمارية وتحويلها إلى واقع عملي، مما يعود عليهم بالربح الكبير وعلى المجتمع بزيادة فرص التوظف والنمو الاقتصادي، والأهم من ذلك أن مثل هذه الأفكار الإبداعية سوف تجد لها طريقاً إلى الواقع.
إذاً من المهم قبل أن نركز على عملية البحث العلمي أن نتساءل عن الكيفية التي يمكن بها استغلال نتائج البحث العلمي في نماء المجتمع، وهذا بالتأكيد سيقود الباحثين ومراكز البحث العلمي الكبرى إلى التركيز على البحث العلمي الذي يؤدي إلى حل مشاكل يواجهها المجتمع السعودي باستخدام طرق جديدة لأن هذا النوع من الإبداع هو الذي سيكتب له النجاح. على سبيل المثال اختراع منتجات صناعية تؤدي إلى تخفيض تكلفة تحلية المياه، لأن مثل هذا النوع من الاختراعات يتعامل مع مشكلة حقيقية يواجهها المجتمع. ومهمة الرأسمالي المغامر هي عملية تقنين هذا البحث العلمي وتوجيه مساره من خلال توفير فرص التمويل فقط للإبداعات التي تحل مشاكل حقيقية يواجهها المجتمع. لكن السؤال الأهم: على من يا ترى يقع عبء تشجيع رأس المال المغامر هذا؟ في رأيي أن الدولة يجب أن تضطلع بالعبء الرئيسي في هذا المجال بتوفير البيئة المناسبة لمثل هذا الاستثمار أولاً. وثانياً بالدخول كممول مستثمر في رأس المال المغامر. وهذا سيؤدي إلى تشجيع انتشار هذا النوع من الاستثمارات من جهة، ومن جهة أخرى سيتيح الفرصة للشباب لتقديم إبداعاته إلى السوق بتوفير فرص تمويل لن تتوافر له بسهولة من خلال فرص التمويل التقليدية بسبب ارتفاع درجة المخاطرة في هذا النوع من الاستثمار. وهذا بدوره سيؤدي إلى تنويع كبير للاقتصاد من خلال استحداث قطاع آخر يدعم فرص التوظف ويزيد من فرص تصدير للخارج ومن ثم تنويع مصادر الدخل للاقتصاد.

باحث ومحلل اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي