المستثمرون السعوديون الجدد
عندما يوجد أي تحول في الاقتصاد لأي بلد ترافقه تغيرات جذرية فيما يخص انتعاش قطاعات معينة وفي الوقت نفسه سقوط وانتهاء قطاعات ونماذج عمل معينة، فمثلا الاقتصادات التي كانت تعتمد على الزراعة وتحولت إلى الصناعة، يصبح النموذج الزراعي غير مرغوب ولا مربح، وكذلك التغيير الذي يحدث بسبب تطورات التقنية، فالتقنية الحديثة تقضي على القديمة، أو الطفرة في بعض القطاعات التي تكون قد حصلت بسبب إنفاق حكومي عال أو تنمية كبيرة لبلد معدم التنمية كما حدث في الصين ثم تتوقف بعد اكتمالها، وكما حدث في الولايات المتحدة في طفرة قطاع السكك الحديدية خلال القرن الـ 19 ثم انتهائها، وغيرها من الأمثلة الكثيرة لتغيرات اقتصادية ضخمة وقوية في اقتصادات البلاد. نحن هنا في السعودية وفي محاولة جادة لتغير النظام الاقتصادي من الاعتماد بشكل شبه كامل على النفط إلى اقتصاد يتمتع بمرونة أكثر ويقل اعتماده على النفط وتقل نسبة مساهمة الحكومة في الناتج المحلى والاقتصاد وترتفع مشاركة القطاع الخاص، وهذا إذا تحقق ـــ بإذن الله ـــ فإنه يعني سقوط واختفاء نماذج أعمال كانت مزدهرة وموجودة، ونمو وتطور نماذج جديدة مختلفة، وقد يعني تغير لائحة المليونيرات في السعودية، بحيث هناك أسماء كبيرة ستختفي وأسماء جديدة ستظهر وبقوة، وهذا حدث (وبشكل طبيعي) في كل دول العالم التي شهدت تغيرات اقتصادية لديها، حيث سقطت أو أفلست أسماء تجارية كبيرة وصعدت إلى سماء النجومية أسماء جديدة لم تكن معروفة، أما لماذا وكيف تسقط أسماء كبيرة لم تكن متوقعة؟ فالإجابة تتلخص في عدة أسباب منها أن كبر حجم هذه الأسماء أو الشركات يسبب لها ترهلا وثقلا للتكيف مع التغيرات الاقتصادية خصوصا إذا كانت سريعة. من الأسباب كذلك أن هذه التغيرات عندما تبدأ تكون صغيرة وغير ملحوظة للشركات الكبيرة التي عادة تتربع على عروش قطاعاتها وتشعر بالأمان وعدم الخطورة حتى تكبر وعندها يكون الأوان قد فات لمواجهتها. من الأسباب أن عقلية من يملكون ويديرون هذه الشركات لا تتمتع بالانفتاح والقابلية للتغير ولديها غرور ومكابرة ضد أي تهديد قادم. هناك أسباب أخرى لكن ليس هنا المجال لذكرها، أيضا التغير في النظام الاقتصادي قد يعني نهاية نموذج العمل لبعض الشركات بالكامل، فكما سيحصل في السعودية مع الخصخصة سيقل إلى درجة كبيرة نظام المناقصات في الوزارات خصوصا في وزارة مثل الصحة؛ فالشركات التي تعودت على نموذج المناقصات الحكومي ستضطر إلى التعامل مع القطاع الخاص وهو ما يشترط كفاءة أكثر وتكلفة أقل إذا لم تملكها هذه المنشأة (والكثير منها لا يملكها) ستغلق نشاطها لعدم جدواه. مثال آخر، نشاط التشييد والبناء الذي يعتمد على المناقصات الحكومية التي شهدت في السنوات العشر الماضية طفرة في مناقصات التشييد والبناء الحكومي، والآن قلت بشكل كبير سيتجه لزاما إلى البحث عن مصادر أخرى للعمل وقد لا يجد إلا العمل مع المطورين العقاريين ووزارة الإسكان. عموما نموذج العمل بنظام المناقصات والمحسوبيات انتهى وكل من اعتمد عليه سيواجه واقع التغير، والأمثلة كثيرة لنماذج أعمال أخرى في السعودية ستواجه التغير القوي.
ختاما، سنشهد خلال السنوات العشر المقبلة أو إلى 2030 موجات متسلسلة من التغيرات الاقتصادية تعصف بكثير من نماذج الأعمال لدرجة إنهاء بعضها، لكن في المقابل ستبرز نماذج جديدة أخرى لم تكن موجودة وقد تكون غير مستوعبة من قبل الجيل القديم من رجال الأعمال والمستثمرين. وكما ذكرت سنشهد بروز أسماء تجارية استثمارية جديدة تماما واختفاء أسماء كبيرة، وبالطبع هنالك من سيتكيف ويستمر من الجيل القديم الذي لا يعني التغير في الاقتصاد زواله إنما اختفاء البعض الذي لم يستطع التكيف، والعبرة هنا هو أين مكانك أخي القارئ من هذا التغير سواء كنت رجل أعمال اليوم أو تخطط لمستقبلك كرجل أعمال، أو موظفا ترسم لخطة وظيفية يزيد الطلب عليها في المستقبل؟ يجب أن تدرس الوضع بشكل حكيم وابتعد عن التفاؤل الحالم والتشاؤم المحبط الذي يضيع الفرص، وأعلم أن هنالك كثيرا من المحبطين الذين يرون المستقبل بتشاؤم لكن تذكر أن هؤلاء "لم ولن" يحققوا أي ثروات في أي بيئة كانت سواء في الفترات السابقة أو اللاحقة.