ضياع 8 ملايين كتاب عربي بسبب التعصب والجهل ومزاجية الحاكم
عاش الكتاب عبر العصور مأساة متكررة تتمثل في إحراقه وتدمير مراكز وجوده من مكتبات ودور للعلم, وملاحقة مؤلفيه واضطهادهم وحتى قتلهم, وأسباب محنة الكتاب والمكتبات عديدة, منها التعصب الأعمى، والغزو الأجنبي للبلاد, وجهل الحاكم وبطانته ممن يعانون نوعا من عقدة نقص تجاه الكتاب, خاصة فيما يتعلق بالمؤلفات الفلسفية والعلمية, الأمر الذي تسبب في ضياع ما يقرب من ثمانية ملايين كتاب عربي على أقل تقدير, هي ثمرة جهود العلماء والفلاسفة عبر عصور, وخسارة من الصعب أن تعوض في تراثنا الفكري والإنساني.
أحرقوا كتبهم بأنفسهم: ولعله من المضحك والمبكي معا أن يقوم صاحب الكتاب أو المكتبة بإحراق كتبه بنفسه, لأسباب تتراوح بين اليأس أو الانتقال إلى معسكر فكري آخر, فقد أقدم أبو حيان التوحيدي على إحراق كتبه بيديه كانتقام يائس من مجتمع لا يستحق برأيه عناء البحث وإعمال العقل, وفي القرن الثاني للهجرة أحرق عمرو بن العلاء مكتبته التي يقال إن الكتب رصت فيها رصا حتى بلغت السقف, لا لسبب إلا رغبته المفاجئة في التنسك!! وممن أتلفوا كتبهم بأنفسهم داوود بن نصير الطائي في القرن الثامن للميلاد, وكانت كتبه تضم نفائس قيمة في الأدب والفقه واللغة, قبل أن يقرر صاحبها إغراقها في مياه الفرات, أما السبب فهو أنه ارتأى عدم وجودها بعد أن درس الفقه!!
ظاهرة دفن الكتاب: وكانت الكتب تدفن إما خوفا من الحاكم أو رهبة من تخلف الجو السائد وأذى العامة, وهو بمثابة سجن يودع فيه الكتاب إلى أن يمكن استعادته ثانية بعد تبدل الأحوال, وممن قام بدفن مكتبته أبو سفيان بن سعيد الثوري، خشية من بطش الخليفة المهدي, ومنهم كذلك عطاء بن مسلم الكوفي, أما أبو كريب الهمزاني وهو من محدثي الكوفة المعروفين في القرن الثالث للهجرة, فقد أوصى قبل وفاته أن تدفن كتبه معه!
الصليبيون يحرقون ثلاثة ملايين كتاب في يوم واحد: ومن أكبر الكوارث التي ألمت بالكتاب, تدمير مكتبة بني عمار في طرابلس لبنان, على يد الصليبيين في القرن العاشر للميلاد, وكانت تضم نحو ثلاثة ملايين كتاب ومخطوطة، التهمتها النيران في يوم واحد بقرار من الكونت برترام سانت جيل الذي ظن أن المكتبة لا تضم إلا المصاحف!!
أما مكتبة دار العلم في بغداد, وهي مكتبة عامة عرفت في القرن الخامس للهجرة كمركز إشعاع فكري مهم, وتضم أكثر من مائة ألف كتاب, ويؤمها كبار المفكرين والأدباء من أمثال أبي العلاء المعري, فقد أحرقت على يد السلطان طغرل لسبب لا يزال مجهولا حتى الآن!!
حكام وأمراء مثقفون أسهموا في مجزرة الكتاب: لكن الغريب حقا هو قيام شاعر معروف وحاكم مثقف عرف بتشجيعه للأدب ورعايته للأدباء والعلماء, هو المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية, بإتلاف واحدة من أهم مكتبات الأندلس, وهي مكتبة ابن حزم الأندلسي, بدافع من الحسد والحقد الشخصي لصاحبها,الأمر الذي دفعه لإحراق جميع كتبها علنا!!
جهل الحاكم واغتيال الكتاب: والأمثلة التي تدل على الكتب التي أتلفت بدافع جهل الولاة والحكام عديدة, منها إحراق كتب الغزالي بأمر من الأمراء المرابطين في المغرب, وإحراق جميع كتب الحكمة والمنطق في عهد دولة الموحدين على يد محمد بن تومرت, فقد شهدت مدينة فاس محرقة كبرى كانت الكتب تلقى فيها بالجملة بعد أن هدد المنصور الموحدي من يكتبها أو يشتغل بها بشديد العقاب.