كورقة أخيرة على طاولة رهاناتها .. «الجزيرة» تحاصر قطر

كورقة أخيرة على طاولة رهاناتها .. «الجزيرة» تحاصر قطر


تواصل قناة الجزيرة إصرارها على وصف "مقاطعة" قطر بالحصار، من خلال تلاعب لفظي مقصود، يرمي إلى استدرار العواطف، وإسقاط حالة من المظلومية المزيفة، عبر خطاب مسيس، ليس بالجديد، من حيث الصياغة والعبارات الموجهة. ولكن الجديد هذه المرة أن تكون قطر نفسها هي زهر النرد والورق الأخير على طاولة رهانات الجزيرة العبثية، ووجباتها (برامجها) "الأيديولوجية" المعدة سلفا.

بكائيات ملغمة

في تطور لافت، يذكر بدول أخرى، نالها ما نالها، من ويلات الجزيرة، وحصارها الملغم بالبكائيات التحريضية، إبان ما عرف بالربيع العربي. وكأننا أمام مشهد تراجيدي أخير تنقلب فيه أداة النفوذ على من صنعها، لهدف وحيد هو حماية وجودها حتى من صانعها.
فبينما "تأكل الثورة أبناءها"، عكست الجزيرة "عاشقة الثورات" الحال وها هي تأكل آباءها. القناة التي بشر بولادتها وزير خارجية قطر، بثقة مطلقة مطلع التسعينات، بوصفها قوة قطر المسلحة، مصرحا "بعنا طائراتنا لأبو ظبي، لسنا بحاجة إلى طيران وعسكر، نحن نؤسس لقناة ستكون القوات المسلحة القطرية". تقود اليوم بقيادييها المجموعين من كل حدب وصوب، انقلابا ضد مصلحة قطر الوجودية، من حيث التئامها مع محيطها.
وبالتالي، الجزيرة القناة هي من تحاصر قطر اليوم ثقافيا وسياسيا لتعزلها عن محيطها الحقيقي. لمصلحة نزعات سلطوية وأجندات أممية تخدم فقط أصحابها من القيادات والجماعات الحزبية المنبوذة. مع إضرار بالغ بمصالح الشعب القطري الاقتصادية وعلاقاته الإنسانية والمجتمعية بأشقائه في المنطقة.

حجر عثرة

والجزيرة بخطاباتها المزدوجة، لطالما وقفت حجر عثرة أمام كثير من المشاريع الإصلاحية الثقافية، بتحريضها المستمر وصناعتها المحترفة للإحباط، بوصفه وقودها الأهم عاطفيا، لتحريك الجماهير وتوجيههم - إذا ما لزم الأمر- وهو ما شهدت عليه كثير من المواجهات بين أبناء الشعب الواحد، فيما كانت الجزيرة دائما، هي الوسيط المحرض والساعي للوقيعة.
كل ذلك يأتي تحت ذريعة " الرأي والرأي الآخر" أو "إتاحة منبر لمن لا منبر له" التي يقول عنها المحاضر والباحث محمد أحمد أبو الرب بأنها "ليست سوى تصدير لتصور ساذج حول واقعة معينة، يراد من خلالها إثارة جمهور "المرئي" وإشغاله بوعي من قبل الوسيلة الإعلامية" 
مفصلا الباحث رأيه في كتابه "الجزيرة وقطر.. خطابات السياسة وسياسات الخطاب": "إن تحليل الخطاب الإعلامي لا ينفصل عن البنية الجمعية التي ينتج خلالها ويصدر، خصوصا تأثره بالأبعاد السياسية والاجتماعية والأيديولوجية، وقد يعتمد خطاب المرئي على بعض هذه الأبعاد بغية التأثير في الأبعاد الأخرى، أو استغلالها في توجيه خيارات الجمهور تجاه أحداث ومواقف يرغب خطاب المرئي في تعميمها وتشكيل رأي عام حولها".

حداد على الإرهاب

أي أننا اليوم أمام خطابات تحاصر قطر وشعبها مباشرة. كما حاصرت لعقدين من الزمان، بشكل مباشر وغير مباشر، شعوب العالم العربي من المحيط الى الخليج بصيغ لغوية وإعلامية غاية في الخطورة واللا مسؤولية، إذ هونت من مآلات الإرهاب حينا، ومجدته أحيانا أخر، للدرجة التي ظهر فيها طاقم عمل القناة صباح أحد الأيام متشحا بالسواد، ليس من أجل دماء بريئة أهدرت بسبب مناوشات عديدة لطالما تسببت فيها القناة، بين أبناء الشعب الواحد. ولكن حدادا على موت قائد القاعدة الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي.
ولعل هذا الفعل، الصادم اليوم، بمعايير هذا الزمن، وإدراك أفراده تجاه الجماعات الإرهابية وقادتها. لم يكن كذلك شعبيا. بناء على تكريس متواصل ومتراكم لما تريد أن تصل إليه القناة. فهذا أساس العمل الدعائي؛ المستمد من فرضية ضعف الذاكرة الجمعية، ومحاولة توجيهها.
لذلك وجب أخذ هذا الزخم الإعلامي الذي بثته الجزيرة لعقدين من الزمن على محمل الجد والعمل لإبطال مفاعيله. ومواجهته بمحتوى أقوى وأبعد تأثيرا، على المستويين الثقافي والسياسي. فالقضية إعلاميا أو حتى ثقافيا يجب ألا تكون مواجهة صوتية فارغة من المضامين. وتنقضي بزوال الجزيرة ورفع حصارها عن قطر الشقيقة. ولكن بمزيد من العمل المعرفي والثقافي على مستوى تقديم البديل الحقيقي إعلاميا وثقافيا.

الأكثر قراءة