"حقائق الخير"
من أخص حقائق الشريعة كمال الدين، وهذا يعني مفهوماً واسعاً لمعنى كماله المطلق، وتقرأ تحت معنى "كمال الدين" أن فيه تجديداً لصلة الإنسان بالله سبحانه، ومن معنى هذا عناية الشريعة بقدر من الأزمنة التي لها اختصاص بمقام العبودية لله، وترى في هذه العشر "عشر ذي الحجة" رسالة مفتوحة للعمل الصالح حينما قال صاحب الشريعة عليه الصلاة والسلام – فيما رواه البخاري وغيره -: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر...) الحديث.
إن هذا المَثَل في الشريعة يصل الإنسان بحقائق العبودية ويبعث في النفس تجديد العناية ببناء الإيمان في النفس، ومثل هذا ترى في أزمنة أخرى ربما خصت بعمل أو فتح فيها باب العمل بشيء من التفضيل، وتحت هذا يفترض أن يقرأ المسلمون ولا سيما علماء الشريعة أن هذه الفضائل هي من النعم الشرعية التي يجب شكرها، ثم لا بد من صياغة رسالة فاضلة للعمل الصالح على هدي صاحب الشريعة الذي كان يوسع مفهوم العمل الصالح وكان يحدث أصحابه وأمته بمثل قوله: (كل معروف صدقة).
إن المسلمين اليوم يجب أن توضح لهم معاني الخير والرحمة والعبادة التي تضمنها دينهم الذي وصفه الله بالكمال في كتابة، فيرون في المعروف الذي دعا إليه الشارع عملاً صالحاً يبتغى به وجه الله سبحانه، وحين يوجد هذا الفهم الذي يستصحب معرفة بالشريعة ومقاصدها، فإنك ترى أثره في حياة المسلمين العامة عبادةً، وخلقاً، وسلوكاً، وبراً.
إن صناعة المعروف أحد معاني البر في حكم الشريعة لأن حمل رسالة الخير يعنى صدقاً في النفس واعتدالاً في النظر، واتصالاً بالفطرة وزكاة النفس، وهذا في شريعة الإسلام أساسه وأصله الإخلاص لله وحده، فترى بهذا نور العبودية مع حسن مخالقة الناس، وإذا رجعت إلى معنى كلمات الرسول، صلى الله عليه وسلم، في عشر ذي الحجة فإن أخص مقامات العبودية فيها هي الفرائض التي هي أحب ما يتقرب به إلى الله سبحانه، ولكن النفس يجب أن تبقى مفتوحة على الباقيات الصالحات التي هي خير عند ربك ثوابا وخيرا مردا. والله الهادي.