تقدير عمر النفط .. مجرد مضاربة
لا يخفى على القارئ الكريم أن الوقود الأحفوري الذي يتكون من النفط الخام والغاز الطبيعي والفحم الحجري هو مصدر ناضب للطاقة. الوقود الأحفوري عموما والنفط على وجه الخصوص، ثروة منّ الله بها على البشرية قادتها لثورة صناعية ومدنية لا مثيل لها. فالنهضة والتطور الصناعي المتسارع خلال العقد الأخير خير شاهد على ذلك.
عندما نقول إن النفط مصدر للطاقة ناضب، هذا يعني أن له نهاية عاجلا أو آجلا. نقرأ ونشاهد هنا وهناك بعض التصريحات التي لفتت نظري أن عمر النفط في دولة ما هو كذا، وذلك بناء على حسبة بسيطة تتم بحساب كمية الاحتياطي "المؤكد" وقسمته على كمية الإنتاج اليومي الفعلي ويكون ناتج القسمة هو عمر النفط.
لتتضح الصورة للقارئ الكريم، سأضرب مثالا افتراضيا مبسطا لذلك. لو افترضنا أن كمية الاحتياطي "المؤكد" في دولة ما هي مليار برميل، وتنتج هذه الدولة يوميا مليون برميل من النفط، فعليه يكون عمر النفط في هذه الدولة هو حصيلة قسمة مليار برميل على مليون برميل الذي يساوي في هذه الحالة 1000 يوم أو 2,73 عام.
الحقيقة إن حساب عمر النفط بهذه الطريقة غير علمي ألبتة وغير دقيق لأسباب كثيرة سنسلط الضوء على أهمها في هذا المقال بإيجاز. أولا، إن الاحتياطي "المؤكد" متغير وغير ثابت غالبا، فبحساب عمر النفط بالطريقة السابقة فإننا نتجاهل الاحتياطي "غير المؤكد" ونقصيه من المعادلة وهذا غير منطقي. الاحتياطي "غير المؤكد" من الممكن تأكيده أو جزء منه على أقل تقدير، ولعلي أخصص مقالا مستقلا في قادم الأيام، أتناول فيه آلية تأكيد الاحتياطي النفطي "غير المؤكد" والطرق العلمية لذلك. ثانيا، كمية الإنتاج اليومي في حد ذاتها متغيرة في أي دولة منتجة للنفط في العالم،. تزيد هذه الكمية وتنقص بحسب معطيات أسواق النفط العالمية من عرض وطلب. أضف إلى ذلك الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية والفنية والسياسية للدولة المراد حساب عمر النفط فيها.
ثالثا، حتى فيما يخص الاحتياطي النفطي "المؤكد" فإن القابلية للاستخراج متغيرة وليست ثابتة تحكمها الظروف الجيولوجية والتقنية لكل مكمن من مكامن النفط المختلفة وباختلاف الحقول النفطية التي تنتمي إليها. أيضا لا يمكن إغفال العمل الدؤوب والاستثمارات الضخمة لتطوير التقنيات التي من الممكن أن تزيد نسبة استخراج النفط على 50 في المائة من كل مكمن.
مما سبق يمكن القول إن عمر النفط متغير وليس ثابتا وفقا للعوامل المتغيرة التي تم ذكرها. ولكن هذا لا يعني أن باب "التخمين العلمي" يجب أن يقفل، بل بالعكس هو أداة يمكن الاستئناس بها لشحذ الهمم والاستنفار للتخطيط واستشراف المستقبل والعمل بكل جهد استعدادا لمرحلة ما بعد النفط.
ختاما، أود القول إن هناك تشابها بين الإنسان وبئر النفط، فلبئر النفط شهادة ميلاد وشهادة وفاة، وبين ميلاده ووفاته كثير من الوعكات المكلفة ماديا لتحسين صحته "الإنتاجية". أعمار بني آدم لا يعلمها إلا الله ولكن يمكننا أن نحدد معدلها تقريبيا. هذا ينطبق على أعمار النفط كذلك من وجهة نظري، يمكن محاولة التقريب والتخمين لكن يستحيل الجزم، ولذلك إذا سئلت عزيزي القارئ عن عمر النفط في دولة ما، فقل: "الأعمار بيد الله".