التأمين الذي نريده
طموحاتنا في التأمين متركزة في ممارسات شركات التأمين. ونضع أيادينا على قلوبنا مع النمو المتزايد في أعداد شركات التأمين، فمنها الغث والسمين، ومنها من يجرب حظه في سوق واعدة، ومنها من يعي جيداً ما يفعل. والتجربة والممارسة وحدهما هما الحكم، لا كبر الشركة أو صغرها، والممارسة المهنية والأمينة للتأمين هي التي ستكون الفيصل، فالبقاء سيكون حتماً للأصلح.
وبالفعل بدأت الممارسات تتضح وظهرت على السطح صور شتى من الممارسات السلبية، فكم تتهلل شركة التأمين حين تأتيها لإبرام وثيقة تأمين، وكم تعبث في وجهك وتضع العراقيل حين تأتيها محدثاً عن وقوع المحظور وضرورة تنفيذ ما تعهدت به الشركة نظير القسط.
ومثل هذه الشركات تحكم على نفسها بالفناء دون أن تدري، فمع هذا العدد من شركات التأمين، لا بديل عن الجودة كهدف استراتيجي، لا الربح السريع الكبير. ففي مجال التأمين الصحي، الأكثر رواجاً الآن، بدأنا نرى شركات تأمين ترفض تحمل نفقات العلاج إذا زادت تلك النفقات عن مبلغ معين، وحتى لو كانت الوثيقة تغطي هذه النفقات صراحة! إذ قلما يتقدم المستفيد بشكوى، بسبب عدم علمه بما ينبغي عليه عمله في هذه الحالة، أو بسبب يأسه المعتاد من أي حل مرض، أو بسبب كسله. وهو ما يشجع شركة التأمين على أن تقول: "لنرفض تحمل النفقات ولنرى ماذا سيفعل".
وحتى لو قدم شكوى فلن نعدم وسيلة لإيجاد سبب يبرر رفض تحمل النفقات، ناهيك عن الوقت الذي يمكن أن يستغرقه إعداد الشكوى وفحصها وقيام الشركة بالرد على الشكوى...إلخ. هذه مظاهر لتأمين لا نريده، وهو ما يجعل مهمة الرقابة على شركات التأمين مهمة ليست سهلة، تحتاج إلى فعالية وسرعة وحزم.
التأمين الذي نريده هو أيضاً الذي نرى فيه بوضوح شديد معنى كونه تعاوني، فما أكثر استخدام هذه الكلمة ومترادفاتها "تكافلي" تضامني..إلخ، وما أقل ما نراه ونلمسه كتجسيد لها. والمشكلة أن الأمر متروك لمبادرات شركات التأمين بهذا الشأن، وهي إن بادرت وجدناها تقم بتوزيع ريالات معدودة حينما يتراءى لها ذلك.
وكما لو كان هذا هو المظهر الرائد لتعاونية التأمين، وكما لو كان الأمر اسماً لا أكثر رغم تشديد نظام مراقبة شركات التأمين على ضرورة أن يكون التأمين تعاونياً وألا يفقد شرعيته، وهو ما يقتضي أن يلغى ترخيص أي شركة لم تدلل على كون تأمينها تعاونيا. ويبدو أن هذه المسألة، أقصد مسألة تعاونية التأمين، لا تلقي إليها بعض الشركات بالاً. ونخشى أن تسير سوق التأمين الحالية نحو هذا الاتجاه، فنجد أنفسنا أمام تأمين تعاوني اسماً ولكنه تجاري كحقيقة واقعة. وهذا التأمين لا نريده. لذا ينبغي أن لا تكون تعاونية التأمين شعاراً، بل يجب أن تترجم إلى معايير وضوابط دقيقة ومحددة، وأن تلتزم شركة التامين بأن تبرز لجهة الرقابة مدى اتفاقها مع هذه المعايير والضوابط.
صحيح أن تجربة التأمين في المملكة وليدة، لكن لا ينبغي أن تُترك التجربة لتنضج وحدها، وبعد أن تتخلف عنها مآسي شتى سيكون من الصعب محوها من النفوس ومن الذاكرة، بل ينبغي أن ننشد ونكفل نضجها منذ البداية عبر آليات فعالة وحاسمة للرقابة عملاً بمبدأ "كن جاداً وإلا فارحل". عندها وعندها فقط سيتحقق لنا التأمين الذي نريده.
[email protected]