الإعلام والتأمين.. حكايات جميلة
أتذكر قبل عدة سنوات من الآن وحينما بدأت أنا ومجموعة صغيرة من الصحفيين العمل في مجال الإعلام التأميني كنا نتخوف من أن الخطاب الإعلامي في مجال التأمين سيكون خطاباً من طرف واحد أو أنه سيكون بيننا وبين القارئ حوار أشبه (بحوار الطرشان)، وكان هناك عدد من الصحافيين الذين تخوفوا من الكتابة في مجال التأمين أولاً لأنه يعد بالنسبة لهم حقلاً غامضاً وكانوا غير متأكدين من قدرتهم على الخوض فيه، وثانياً لأنهم حتى وإن وجدوا ما يكتبون فيه فربما لن يجدوا أحداً يقرأ لهم فيذهب جهدهم هباء. ولكن المفاجأة كانت جميلة بالنسبة لهم فقد اكتشفوا جمال هذا الحقل وكأنهم دخلوا في غابة متجانسة يجذبهم كل يوم فيها جمالها وجمال محتوياتها فتحمسوا لذلك حماساً شديداً يقودهم في ذلك ما حباه الله في النفس البشرية من حب للاستطلاع والاكتشاف، كانوا يقولون لي لم نكن نعلم هذا السر الغامض الذي جعلك تتحمس للعمل الإعلامي في مجال التأمين إلا بعد أن توغلنا وسبرنا غور هذه الغابة العصية وما زادنا ذلك إلا إصراراً على اكتشاف مكنوناتها الجميلة والشيقة.
الكثير منهم تحمس بعد ذلك لنقل هذه الأسرار وهذه المكنونات إلى القارئ الكريم وكانت المفاجأة أكبر حينما بدأ تفاعل القراء مع ما يكتب في مجال التأمين، وكان هذا التفاعل مرده حب المعرفة عن هذا الوليد الجديد في السوق السعودية – وأقول الوليد الجديد بالنسبة للتأمين فيما يخص المواطن السعودي على اعتبار أن التأمين كان معروفاً لبعض الشركات والجهات الخاصة إلا أنه كان جنيناً مغيباً لم يتعرف عليه المواطن العادي إلا من خلال الأنظمة التي صدرت أخيراً ولاسيما في مجال التأمين على الرخصة ومن ثم المركبة وكذلك التأمين الصحي.
المهم أن القارئ بدأ يتساءل عن هذا المولود والذي يسمى تأميناً وكان تساؤله سببه زيادة التعرف على هذا الضيف الجديد أو لأنه معني مباشرة بالتأمين وخصوصاً أن الحديث آنذاك كان يدور عن ضرورة ضبط سوق التأمين وإخراج الشركات المتلاعبة من السوق وكان المواطن آنذاك تستنزفه شركات التأمين دون أن تقدم له خدمة تذكر مستغلة بذلك جهله وعدم معرفته بفوائد ووظائف التأمين.
وكنا كمجموعة نكافح من أجل التنبيه على بناء مستقبل مشرف لسوق التأمين السعودية وكان عدد قليل جداً من الشركات الجادة يدعم توجهنا في هذا المجال على اعتبار أن تلاعب كثير من الشركات يؤثر في نهجها وفي نهج السوق ككل. وكانت الشركات تتسابق مع الزمن لاستغلال عدم وعي المواطنين وعدم وجود جهات قضائية محددة يلجأون إليها. وحدثت بعد ذلك كثير من الكوارث التي كنا نحذر منها ووقع المواطن ضحية لكثير من هذه التلاعبات وبدأ كثير من القراء في النهاية يسردون معاناتهم ولكن بعد فوات الأوان.
وعلى العموم كنا في تلك الحقبة متحسرين على هذا الوضع الذي آلت إليه حال كثير من المتعاملين مع هذه الشركات.
آما الآن فنحن نعود والمواطن أكثر وعياً والسوق كذلك أكثر انضباطاً، ولكن تبقى التوعية في التأمين هي الهدف الذي ينبغي التركيز عليه نظراً لأن هذا الحقل لابد أن يواكبه عمل إعلامي مسؤول ولاسيما في هذا الوقت بالذات وهذا ما نطمح إليه.