تنافس شركات التأمين على أساس الأسعار يعرض المؤمن عليهم للإفلاس

تنافس شركات التأمين على أساس الأسعار يعرض المؤمن عليهم للإفلاس

"الاقتصادية" أبو السعود أحد أقدم ممارسي التأمين في السعودية

حدد خبير في مجال التأمين في السعودية عددا من المعوقات التي تعترض تطور قطاع التأمين وتحد من نموه في السوق المحلية، والتي على رأسها نقص الوعي التأميني، الذي ترجع أسبابه إلى إحجام معظم شركات التأمين عن الاستثمار في الإعلان لتنمية الوعي في هذا المجال لدى المجتمع، وهو الأمر الذي أدى بدوره إلى تدني إنفاق الفرد على التأمين في المملكة.
وبين عبد العزيز علي أبو السعود الخبير في مجال التأمين في السعودية، أن من بين المعوقات التي تواجه قطاع التأمين أيضاً التنافس غير السليم بين الشركات على أساس الأسعار بدلاً من التنافس على أساس الخدمة، مما أثر سلباً في قدرة بعض شركات التأمين على الوفاء بالتزاماتها بالتالي تعرض العملاء إلى مشاكل مالية كبيرة قد تؤدي إلى إفلاسهم.
لكن أبو السعود الذي يطلق عليه الكثير من المهتمين في مجال التأمين لقب "أب التأمين في السعودية"، كان أكثر تفاؤلا بمستقبل سوق التأمين في المملكة على الرغم من هذه المعوقات، بقوله: "إن قطاع التأمين السعودي لا يزال واعداً ومن المؤمل أن يشهد نمواً مستمراً سواء كان ذلك بسبب التأمينات الإلزامية أو بسبب زيادة الوعي التأميني بين الناس، على اعتبار أن هناك مصادر كثيرة لأقساط التأمين لم تستغل بعد".
ويرى أبو السعود الذي يعد أقدم ممارسي التأمين في السعودية ـ إذ يمكن لنا أن نقول تجاوزاً إنه يحمل خلال مشوار حياته الطويل في التأمين حقيبة تاريخ التأمين في المملكة ـ أهمية أن يكون التأمين إلزاميا على أصحاب المهن الذين قد تؤثر الأخطاء التي يرتكبونها في عملائهم، وكذلك على المباني والمرافق العامة، مثل: المطاعم، الفنادق، مدن الألعاب الترفيهية، مراكز التسوق.
وتحدث أبو السعود في حوار له مع "الاقتصادية" عن بدايات سوق التأمين في السعودية، وكيف كان رجال الأعمال والمستثمرون السعوديون يؤسسون شركات تأمين خارج الحدود فيما يقتصر عملها على السعودية، كما تطرق إلى الاحتيال الذي يحصل في قطاع التأمين، مبديا أسباب انزعاجه من كثرة الترخيص لشركات التأمين الحالية، ومطلعا قراء "الاقتصادية" في أولى صفحاتها عن التأمين على أمنتيه فيما لو كان مسؤولا حكوميا في قطاع التأمين.

إلى الحوار:

حدثنا عن بداية عملك في التأمين؟
بدأت العمل في التأمين في الستينيات من القرن الميلادي الماضي.

من هنا البداية

كيف هي مسيرة التأمين في السعودية؟
إن بدايات نشاط التأمين في المملكة ربما تعود إلى الثلاثينيات من القرن الميلادي الماضي، وكان نشاط التأمين آنذاك بواسطة وكلاء محليين لشركات تأمين أجنبية وكان التأمين على البضائع الواردة إلى المملكة أكثر أنواع التأمين شيوعاً بين التجار في ذلك الحين، وقد أصدر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ نظاماً عصرياً للتأمين يكون على السفن المحملة بالبضائع أو الفارغة وعلى معدات السفن وآلاتها وجهازها ومؤونتها وأجور الشحن وعلى البضائع وعلى كل ما كان له ثمن ويمكن أن يصادف خطراً بحرياً. و قد نظمت مواد النظام التفاصيل التي يجب أن تحتوي عليها وثيقة التأمين البحري حسب الأصول التي كانت سائدة آنذاك.

بدأنا من "برمودا" و"الجزر العذراء"

ما تقييمك لتجربة التأمين في المملكة؟
إن نشاط التأمين بقي حكراً على وكالات شركات التأمين الأجنبية حتى الستينيات من القرن الميلادي الماضي، حيث اتسع نشاط التأمين في المملكة مع اتساع المعاملات التجارية. وبعد انطلاقة التطور الاقتصادي في التجارة، الزراعة، الصناعة، ومشاريع البنية التحتية الكبرى نشأت شركات تأمين كثيرة مملوكة كلياً أو جوهرياً من قبل مستثمرين سعوديين، ولما كان تأسيس شركات التأمين في المملكة متعذراً آنذاك فقد اضطر أصحاب شركات التأمين تلك من رجال الأعمال والمستثمرين السعوديين إلى تأسيسها خارج المملكة.
وقد جرى تأسيس بعض هذه الشركات في بداية الأمر في المناطق التي لا تفرض ضرائب مثل برمودا والجزر العذراء وغيرها، لكن سرعان ما اتجهت أنظار المستثمرين السعوديين إلى البحرين بعد صدور قرار من وزير المالية السعودي آنذاك محمد أبا الخيل تمت بموجبه معاملة الشركات التي يؤسسها الخليجيون في إحدى دول الخليج كشركات سعودية من حيث خضوعها إلى الزكاة بدلاً من الضريبة.
وتجاوز عدد شركات التأمين المملوكة كلياً أو جوهرياً للسعوديين والمسجلة خارج المملكة 60 شركة سجل العدد الأكبر منها في البحرين وقدرت حقوق المساهمين والاحتياطيات في تلك الشركات بنحو ملياري ريال، أما أقساط التأمين التي حققتها تلك الشركات فقد تجاوزت ثلاث مليارات ريال في السنة، وقدر عدد العاملين في تلك الشركات بأكثر من ثلاثة آلاف شخص منهم نحو 500 سعودي و800 آخرين من جنسيات عربية والباقي من جنسيات أخرى.
وكانت تلك الشركات تدار بواسطة قيادات قادرة وجيدة ومدربة ولديها فرق عمـل مؤهلة فنياً ومتمرسـة في مجالات الاكتتابات التأمينية التقليدية وتسوية المطالبات والتسويق. وقد ساهمت هـذه الشركات بالتعاون مع شـركات تأمين ـ إعادة تأمين عالمية ـ في توفير التغطية والحماية التأمينية للمشاريع الضخمة خلال سنوات الإعمار.

معوقات تعترض سوق التأمين

ما هي برأيك المعوقات التي تعترض سوق التأمين السعودية؟
الحقيقة أن أهم عقبة كانت تعترض تطور قطاع التأمين في السعودية، قد زالت بصدور نظام مراقبة شركات التأمين ولائحته التنفيذية، لكن هذا لا يعني أنه لا توجد هناك معوقات أخرى وإن كانت أقل شأناً.
ومن هذه المعوقات نقص الوعي التأميني، الذي ترجع أسبابه إلى إحجام معظم شركات التأمين عن الاستثمار في الإعلان لتنمية الوعي التأميني، وذلك بسبب عدم وضوح الرؤية بالنسبة لحقها في الإعلان، وقد بقي إنفاق الفرد على التأمين في المملكة متدنياً حتى الآن بسبب نقص ذلك الوعي، وفي تقديري أن معدل هذا الإنفاق قد يكون في حدود 300 ريال في السنة حالياً.
ومن ضمن المعوقات أيضا النقص الحاد الحاصل في الأيدي العاملة المحلية المدربة للعمل في هذا المجال، إذ إن عدد السعوديين العاملين في قطاع التأمين لا يزال متواضعاً جدا، ويكاد ينحصر بين 30 و 40 في المائة من مجموع العاملين في القطاع على أحسن تقدير، واعتقد أن من أسباب إحجام بعض السعوديين عن العمل في هذا القطاع هو تحفظات دينية وغير دينية على نشاط التأمين وإلى توافر فرص العمل في المجالات الأخرى التي لا شبهة فيها. ونأمل أن تكون هذه التحفظات في طريقها إلى الزوال بعد اكتمال جميع أنظمة التأمين في المملكة.
ومن المعوقات أيضاً التنافس غير السليم بين شركات التأمين على أساس الأسعار بدلاً من التنافس على أساس الخدمة، الأمر الذي يدفع الأقساط إلى مستويات متدنية غير مجزية ويؤثر سلباً في قدرة شركة التأمين على الوفاء بالتزاماتها ويعرض بالتالي عملاء أمثال هذه الشركة إلى مشاكل مالية كبيرة قد تؤدي إلى إفلاسهم.

يريدون فتوى شرعية

ما أطرف موقف مر عليكم في التأمين؟
من المواقف الطريفة التي مررت بها قبل سنوات أنني استدعيت وزملاء آخرين للمشاركة في اجتماع لجنة متفرعة من إحدى الهيئات التي كانت تريد استطلاع آراء بعض العاملين في حقل التأمين عن التأمين على المركبات بعد صدور قرار مجلس الوزراء القاضي بفرض التأمين على الرخصة والمركبات، وفي ختام المناقشة فوجئنا بمطالبة أحد أعضاء اللجنة لنا بإحضار فتوى شرعية تفيد بجواز التأمين في حين أن موضوع النقاش كان قرار مجلس الوزراء القاضي بفرض التأمين الإلزامي!

معهد لعلوم التأمين

لو كنت مسؤولاً حكومياً كبيراً في قطاع التأمين, ما أول قرار ستتخذه في سوق التأمين السعودية؟
سأسعى إلى تشخيص المشاكل والسلبيات الموجودة في قطاع التأمين وإلى العمل على معالجتها، ولعل أول قرار سيكون إنشاء معهد لعلوم التأمين لتأهيل وتدريب وإعداد أيد عاملة سعودية ذات كفاءة تلبي حاجة شركات التأمين وحاجة جميع أنشطة التأمين الأخرى مثل الوساطة والاستشارات ورياضيات التأمين والكشف على الأضرار وتقديرها وتسويتها، من الكوادر السعودية المدربة.

الوعي التأميني

إذا نظرنا في الأفق البعيد ما الذي ترونه فيما يخص مستقبل سوق التأمين السعودية؟

يبدو لي أن مستقبل سوق التأمين في المملكة واعدة ومن المؤمل أن تشهد نمواً مستمراً سواء كان ذلك بسبب التأمينات الإلزامية أو بسبب زيادة الوعي التأميني بين الناس فهناك مصادر كثيرة لأقساط التأمين لم تستغل بعد.
كما أنني أرى ـ ولعل ذلك من باب التمني ـ أن عدد شركات التأمين قد ينخفض من العدد الحالي، الذي ينتظر أن يصل إلى 42 شركة، إلى ما بين 10 و20 شركة تأمين، وأن ينخفض عدد شركات الوساطة من 32 إلى ما بين 10 و15 شركة.

التحايل موجود

هل تعتقدون أن التحايل يمثل ظاهرة في سوق التأمين السعودية؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي الإجراءات المناسبة للحد من هذه الظاهرة؟
لا يخالجني أدنى شك أن التحايل موجود وهناك الكثير من حالات التحايل ولكن هل يرقى ذلك إلى مستوى الظاهرة، لا أظن ذلك، وأتمنى أن يحد تطبيق نظام مراقبة شركات التأمين من تفاقم مشكلة التحايل.

لا أعرف دور لجنة التأمين

بصفتكم نائب للرئيس في اللجنة الوطنية للتأمين، هل تعتقدون أن اللجنة تقوم بالدور المنوط بها؟ وهل ترون مناسباً أن تكون اللجنة مستقلة وممثلة من جميع مهن التأمين؟

ليس سراً أن مسيرة اللجنة الوطنية للتأمين لم تكن سلسلة متصلة من النجاح منذ تأسيسها في منتصف الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي، وليس هذا مستغرباً فاللجنة كانت تسعى لتمثيل قطاع لم يحظ قط باعتراف إلا في السنوات الثلاث الماضية بعد صدور نظام مراقبة شركات التأمين.
ومع أنني لا أعرف على وجه الدقة ما الدور المنوط باللجنة إلا أنني أزعم أن اللجنة قد عملت بجد ونشاط، خصوصاً خلال العامين الماضيين، في تبني ومعالجة قضايا قطاع التأمين. وسعت إلى التعاون والتنسيق مع مؤسسة النقد العربي السعودي وجهات أخرى، ولكي يكون للجنة وزن ومصداقية يجب أن تضم في عضويتها جميع الفعاليات العاملة في قطاع التأمين بما في ذلك شركات التأمين ـ إعادة التأمين ـ وما يشار إليهم الآن بالمهن الحرة مثل وسطاء ووكلاء واستشاريي التأمين وخبراء المعاينة وتقدير وتسوية الأضرار وإدارة المطالبات وغيرها، وأرى أن تكون اللجنة مستقلة لكي تتمكن من التعبير عن اهتمامات ومشاكل قطاع التأمين بموضوعية واستقلال.

الألعاب الترفيهية ومراكز التسوق

ما مجال التأمين الذي ترى أن يكون تأميناً إلزاميا، بعد التأمين الصحي وتأمين السيارات، ولماذا؟
أرى أن يضاف إلى التأمينات الإلزامية المعروفة حالياً ـ التأمين على المركبات والتأمين الصحي ـ التأمين على المسؤولية العشرية والتأمين على الأخطار المهنية للأطباء والمهندسين والمحامين والمستشارين والمحاسبين وغيرهم من أصحاب المهن الذين قد تؤثر الأخطاء التي قد ترتكب من قبلهم أثناء ممارستهم لعملهم في عملائهم أو في الجمهور، كما أرى أن يكون تأمين مسؤولية أصحاب المباني والمرافق العامة، مثل المطاعم، الفنادق، مدن الألعاب الترفيهية، مراكز التسوق، وغيرها، تجاه الجمهور إلزامياً أيضاً.

من قال التأمين حرام؟

لو أتى إليك شخص وقال لك إن التأمين (حرام) ماذا ترد عليه؟
أقول له لو كان التأمين حراماً لما أصدر ولي الأمر ثلاثة أنظمة للتأمين يعمل بها حالياً، وأحيله إلى آراء فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع وفضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان والمرحوم الشيخ الدكتور مصطفى الزرقا في موضوع التأمين.
كما أقول له إن الإسلام قد حض على العناية بحفظ المال، والتأمين من وسائل حفظ المال والاطمئنان على انتفاء خسارته، والتأمين ضرب من ضروب التعاون التي تفيد المجتمع وسيكون من المتعذر إن لم يكن من المستحيل الاستغناء عن التأمين في هذا العصر، فبدونه لا يمكن أن تنشأ الصناعات الكبرى وتتطور المشاريع الطموحة ويتسع التبادل التجاري بين شعوب العالم، فإذا كان الأمر كذلك فإن التأمين قد أصبح ضرورة لا غنى عنها ويجب أن يكون بالتالي مباحاً لأن الضرورات تبيح المحظورات.

أبنائي والتأمين

ـ هل تنصح أبناءك بالعمل في مجال التأمين؟
لا أرى أن يحاول الأب أن ينصح أبناءه بالعمل في المجال الذي عمل أو يعمل هو به، وعليه أن يترك لهم الخيار قدر الإمكان، أما بالنسبة لأبنائي فإن اثنين منهم يعملون في مجالات أخرى غير التأمين أما الثالث فرغبته يكون طبيباً.

الأكثر قراءة