اعتبار المآلات
عند القراءة في مثل قول الله: ?يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون?. وقوله: ?ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم?. وقوله: ?فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج?.
وفي مثل قوله صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيح لما أشير عليه بقتل المنافقين: (لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه). وقوله للأعرابي لما بال في المسجد: (لا تزرموه). إلى غير ذلك مما جاء في الكتاب والسنة من هذا الباب نرى فيه اعتبار الشارع لمآلات التشريع، سواء في ذلك باب الأمر أو النهي، إذ من المتقرر أن التكاليف الشرعية إنما جاءت على وفق مصلحة العباد الأخروية والدنيوية، ومن هنا فإن الناظر في فقه الشريعة قد يقع له قدر من التردد في الجزم ببعض الأحكام الشرعية لما يتنازعها من أصل جواز الفعل، وما يؤول إليه ذلك الفعل من المفسدة، أو من أصل ترك الفعل وما يؤول إليه من دفع مفسدة راجحة، وهذا الباب من العلم قدر من التحقيق لا يحسنه كل ناظر في فقه الشريعة، قال الشاطبي: "وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق، محمود الغب، جار على مقاصد الشريعة".
ومن هنا فإنك إذا نظرت في كلام أئمة الفقه وأعيانه وقعت على قدر فاضل من التطبيقات لهذا الباب من العلم في جملة مما قرروه في قواعد الاستدلال والنظر، فمن ذلك اعتبار جملة منهم لما يعبر عنه بقاعدة الذرائع سلبا وإيجابا، وقاعدة الحيل والمنع منها، ولا يشكل على ذلك قول بعض الفقهاء بجواز الحيل في الجملة فإن القائلين بذلك إذا تأملت تطبيقاتهم تحت هذا الباب ترى أنها لا تنفك عن اعتبار حكم المآلات ولذا لم يحفظ عن أحد منهم القصد الصريح إلى اطراح الحكم الشرعي وإسقاطه بالحيل.
والحاصل أن هذا الباب من العلم ينبغي أن يصار إلى الاعتناء به وتقريره عند النظر في الأحكام الشرعية، ولا سيما إذا علم أن أحكام الشارع في الغالب الأعم منها جاءت على وجه مراعاة الحكمة التي في مقدور المكلف إدراكها والبناء عليها، وإن كان أصل مقصود الشارع هو تحقيق العبودية لله عز وجل، قال تعالى: ?وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون?. والله الهادي.