البحر الأحمر .. من «صفر خدمات» إلى مرفأ المليارات
لطالما كانت البحار والمنافذ المائية أبوابا للخير الوفير وملتقى للتعايش الإنساني على مر العصور. والسعودية التي يحدها البحر الأحمر من شمالها إلى أقصى الجنوب حظيت بفرصة طبيعية استثنائية لم تستثمر لعقود طويلة على الوجه المطلوب. أو بتعبير أدق: "صفر خدمات" هو ما قدمته السعودية على امتداد هذا الساحل بحسب الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي ولي العهد رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في حديثه الأخير للتلفزيون السعودي.
أسماك ومعادن
وهذا "الصفر" غير مقبول، لا بالنسبة لموقع جغرافي متميز لمعبر يربط إفريقيا بآسيا، تستخدمه آلاف المراكب يوميا. ولا بالنسبة إلى مكنونات البحر الأحمر وما تزخر به أعماقه وسواحله من خيرات طبيعية وموارد معدنية ومقومات سياحية منافسة. لذلك كانت الدهشة البادية على محيا الأمير الشاب وهو يدوّر الصفر بإصبعيه لحظة فارقة، في إشارتها إلى ضرورة تجاوز ما فات وعزم مستقبلي تجاه ما هو آت، من تطوير واستغلال لهذا الموقع الحيوي، ودائما في إطار "رؤية 2030" التي تعمل جاهدة على تنويع الموارد الطبيعية ورفع كفاءة تشغيلها.
ووفقا لأرقام تشغيلية حديثة فإن أهمية هذا المعبر لا يمكن تجاهلها نتيجة إلى أن نحو 13 في المائة من حركة الملاحة الدولية تمر عبر البحر الأحمر، بينما دول المنطقة تستفيد من هذه الحركة بشكل محدود، في حين أن دراسة سبق أن أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي ذكرت أن الارتقاء بمعايير تسهيل حركة التجارة في المنطقة إلى مستوى يعادل 50 في المائة من المستويات العالمية فقط، سيسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بنسبة تقارب 12 في المائة، كما ستزيد الواردات بنسبة 55 في المائة، والصادرات بنسبة 63 في المائة.
خيرات ممتدة
وهنا يتضح أن العائد على استثمار هذا المعبر لا يقف عند حدود السعودية فقط، بل يمتد ليشمل دول جوار ومنطقة أوطانها بأمس الحاجة إلى بارق أمل وعمل ينتشلها مما هي فيه مِن صراعات عبثية تؤججها على الضفة الأخرى طهران المستفيد الوحيد من "الشلل العربي" في هذه الجهة بالذات، بينما تشعل طوائف الإرهاب التابعة لها والمدفوعة بأوهام ثورة الملالي وخرافاتها الحرائق في أعماق البلاد.
وعودا على البحر الأحمر فهو ليس معبرا مائيا فحسب. بل يعد نظاما بيئيا غنيا. وعرضة لمزيد من الاتساع في المستقبل حجما وتنوعا بحسب دراسات علمية وجيولوجية معتبرة. ترى فيه موطنا مهما للكائنات البحرية ومصدرا للموارد المعدنية المكون الرئيس لرواسب البحر الأحمر. حيث يوجد أكثر من 1200 نوع من الأسماك التي سجلت في البحر الأحمر، ويوجد نحو 10 في المائة منها لا توجد في الأماكن الأخرى. وهذا يشمل أيضا 42 نوعا من أسماك المياه العميقة. ويعود التنوع الغني جزئياً إلى 2000 كيلومتر (1240 ميلا) من الشعاب المرجانية على امتداد سواحلها، وعمر هذه الشعاب المتاخمة يتراوح ما بين 5000 و 7000 سنة.
وجهة ترفيهية
وبينما يقدر مجمل عدد الجزر السعودية ما يقرب 1300 جزيرة لم تستثمر بالقدر المطلوب طبيعيا واقتصاديا، فإن للبحر الأحمر منها نصيب الأسد بكل ما تحمله جزره من سمعة عالمية، حيث أصبحت هذه الجزر الوجهة الترفيهية المفضلة والمشهورة لغوص المحترفين والهواة خصوصا بعد حملات "هانز هاس" في الخمسينيات، وبعد ذلك "جاك إيف كوستو".
يبقى أن هذا غيض من فيض الفرص السياسية والاقتصادية الواعدة التي أراد عراب الرؤية في حديثه المختصر أن يلفت النظر إليها، مختتما ببشارة وضع حجر الأساس لجسر الملك سلمان الذي يربط السعودية ومصر بريا قبل 2020. إذ يعد هذا الجسر هو العصب الجاف لإحياء مرافئ وسواحل بحرية تعود على المنطقة بالمليارات، وعلى أبنائها بالنمو والازدهار في إطار رؤية "تسابق الزمن" لخير الوطن والأمتين العربية والإسلامية.