الإسكان.. جوانب الحل
ركزت حديثي خلال الأسابيع الثلاثة الماضية على موضوع الإسكان لسبب رئيس: أنني أرى أنه يمثل تحدياً حالياً ومستقبلياً للاقتصاد السعودي، وأن حل هذه المشكلة يمثل أهمية كبيرة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والأمني في الدولة. فبرغم أن الدولة وفرت للشاب فرص التعليم إلى حين تخرجه من الجامعة، إلا أن ضبابية الصورة لمرحلة ما بعد التعليم الجامعي تزيد من حالة الإحباط والتشتت لدى الشباب، ومن ثم تؤثر بشكل كبير في مسار التنمية الاقتصادية. وكنت قد تطرقت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية إلى ثلاث قضايا محورية في قطاع الإسكان: الأولى التحديات التي تواجه قطاع الإسكان، والثانية النظرة إلى الإسكان هل هو حق اجتماعي أم سلعة؟ وأخيراً أثر السياسات العامة في تعميق مشكلة الإسكان. وحيث هذه الأطروحات الثلاث تمثل جوانب المشكلة، فإنني سأتطرق اليوم إلى جوانب الحل لمشكلة الإسكان التي يجب النظر إليها من جانبين: الأول جانب العرض، والثاني جانب الطلب، وذلك بالنظر إلى أن المستوى التوازني الكفء لأي سلعة أو خدمة ينتج من خلال توازن هذين الجانبين.
ولنبدأ بجانب العرض أولاً، إذ لاحظت أن أغلب الأطروحات المتعلقة بمشكلة الإسكان تهمل هذا الجانب وتركز فقط على جانب الطلب، مما لا يحل المشكلة بل يزيد من تعقيدها، إذ ينتج عن ذلك فائض طلب لا يستفيد منه إلا مضاربو العقار فقط، في حين يتضرر في الدرجة الأولى المواطن الباحث عن السكن، مما يسهم في تعميق التفاوت في توزيع الدخل بين طبقات المجتمع. وتفعيل جانب العرض يتطلب فك القيود على زيادة الرقعة السكانية بتوفير الخدمات للمناطق الجديدة والسماح بالنمو خارج النطاق العمراني. كما يساعد على تفعيل العرض السماح باستغلال أكبر للمساحة السكانية من خلال السماح بارتفاعات أكبر للمباني السكنية. كذلك إزالة اشتراطات امتلاك الأرض طوال فترة انتظار قرض الصندوق العقاري سيزيد من المعروض في السوق. والحد من قيام بعض الجهات الحكومية بحجز مساحات كبيرة للأراضي دون حاجة فعلية إليها. وأخيراً فرض ضريبة على الأراضي غير المستغلة أو جباية الزكاة عليها لأجل ضمان ألا يتم استغلالها كوسيلة لتضخيم الثروات على حساب الحاجة الفورية إلى المواطن.
أما على جانب الطلب فلا أرى أن هناك مشكلة فعلية، فهناك في كل يوم طلب يتنامى مع تزايد النمو السكاني. لكن المهم هنا هو تسهيل عملية الحصول على التمويل اللازم لشراء المسكن. وواقع السوق يدلل حالياً على أن هناك وسائل محدودة للتمويل الإسكاني تتمثل في: الدفع النقدي للمقتدرين مادياً فقط، التمويل عن طريق البنوك ولا يتوافر إلا للفئة المتوسطة ذات الدخل المرتفع، وأخيراً التمويل عن طريق شركات التقسيط العقاري التي تبيع فقط ما تملكه من مشاريع إسكانية. أما الصندوق العقاري فلا يوفر إلا جزءاً بسيطاً من التمويل، كما أنه يتسم بطول فترة الانتظار. وخبرات الدول الأخرى في التمويل العقاري وفرت لنا وسائل تمويلية متعددة منها: إنشاء مؤسسات التمويل الخاصة التي تقوم فقط على قبول الودائع من المدخرين بهدف تمويل مشاريع إسكانية جديدة، في مقابل عائد مادي محدد للمودعين، كما يمكن تكييف أنشطتها شرعياً. يمكن أيضاً السماح بدخول شركات التأمين في نشاط التمويل العقاري وفق اشتراطات محددة تضمن ملاءتها المالية. أيضاً يمكن أن تمثل الاتحادات المالية للمنشآت الكبرى وسيلة لتوفير التمويل لقطاع عريض من المنتسبين لهذه القطاعات. وأخيراً يمكن أن تمثل الضمانات الحكومية وسيلة فاعلة في تعميق سوق التمويل خصوصاً للطبقة منخفضة الدخل التي لا تستطيع الحصول على التمويل بسبب عدم ملاءتها المالية، كما يمكن أن تمثل وسيلة لزيادة سيولة الأدوات التمويلية في قروض الإسكان، وتجربة Fannie Mae و Freddie Mac في الولايات المتحدة خير مثال على ذلك. وأخيراً فإن إقرار نظام الرهن العقاري وتقوية الائتمان قانونياً سيمثلان الركيزة الأساسية التي ستضمن نجاح أي من هذه التدابير.