ردود على نقد كتاب "أطلس الأديان"
بداية أتوجه بالشكر الجزيل لصحيفتنا الغراء "الاقتصادية" على اهتمامها بصناعة النشر والارتقاء بذائقة القارئ الكريم بالعودة به إلى منابع العلم والمعرفة. وأشكر في المقام ذاته كل من الأخوين الكريمين: عبد السلام حداد وسلوم علي على نقدهما البناء والهادف تجاه كتابنا الموسوم (أطلس الأديان). وأود في هذا الصدد أن أقوم بالرد على تساؤلات الأخوين الكريمين بشكل موجز.
ففي الإجابة عن تساؤلات عبد السلام حداد في قوله عن المغزى وراء هذا الجهد في الأطلس هو: (لنبش الوثنيات المنقرضة, والديانات الوحشية التي نسيها بنو الإنسان, وليصور بمنتهى الاهتمام ديانات الكفر والإلحاد المعاصرة في الشرق الأقصى وإفريقيا, وأستراليا). فإنه من المتعارف عليه أننا على هذا الكوكب الحي نعيش في قرية واحدة ويحتاج كل منا إلى الآخر قال تعالى: {ي?أَيُّهَا ?لنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم من ذَكَرٍ وَأُنْثَى? وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقبائل لِتَعَارَفُوا? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ?للَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ?للَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }, ( الحجرات), لذا كان لا بد أن أضع لأخي القارئ الكريم حقيقة من يعيش على هذا الكوكب وعقيدته التي يؤمن بها بصورة واضحة شفافة بعيدة عن السرد النصي الذي كتب فيه الكثير؛ فجاءت فكرة هذه الخرائط والصور والأشكال مدعمة بالنصوص, لتلتهب مشاعر الدعاة في دعوة الآخرين إلى بر الأمان قال تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دعا إِلَى ?للَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ?لْمُسْلِمِينَ}. فصلت {?دْعُ إِلِى? سَبِيلِ رَبِّكَ ب?لْحِكْمَةِ وَ?لْمَوْعِظَةِ ?لْحَسَنَةِ وَجَـ?دِلْهُم ب?لَّتِي هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} النحل، أما تساؤله الآخر بقوله: (أما كان حرياً بالمغلوث أن يوجه جهوده - وهو خطيب جامع معروف وكاتب متخصص في التاريخ الإسلامي – إلى ما فيه صلاح الأمة ووحدة عقيدتها وخير أبنائها, بدلاً من الخوض في ما يشتت الفكر ويضعف العزيمة ويوهن العقل؟) إنني أقول له بتواضع جم: إن ما قدمته من سلسلة أطلسية تاريخية إسلامية خلال هذين العقدين هما الجواب عن سؤاله فقد حظيت بحمد الله وتوفيقه بقبول في أواسط طبقات المجتمع لسهولة عرضها وأصالة مادتها المستوحاة من الكتاب والسنة وروايات الثقات من العلماء والمؤرخين إضافة إلى طريقة تصميمها.
أما ردنا على تساؤلات سلوم علي بقوله عن الأطلس: (تضخم بعض أجزائه على حساب الأجزاء الأخرى) فهذا أمر طبيعي لأطلس يتناول الأديان السماوية والوضعية وشتان بينهما؛ فالصراع الفكري الحضاري القائم يستوجب توضيح حقيقة كل ديانة سماوية، كما يؤمن بها أتباعها وإن كانت على حساب الديانات الوضعية الهشة والتي يقوم فيها كل من المسلمين والنصارى بدعوة أربابها لاعتناق إي من الديانتين كل بوسائله وإمكانياته، لذلك برزت على السطح خلال العقود الأخيرة الدعوة إلى تقارب الأديان مما ألهب مشاعري إلى هذه القضية الكبرى والتي في معناها تقديم التنازلات في سبيل إرضاء الآخر وهذا ما نرفضه جملة وتفصيلاً، ولكن الصورة الصحيحة التي ينبغي أن تنطلق هي الدعوة إلى التعايش والسلام والاحترام المتبادل وفق ضوابطه المعروفة بين أتباع الديانات فجعلت الأطلس يتكئ على هذا المنهج. أما شطر تساؤله الآخر بقوله: (فديانة عريقة مثل ديانة الإغريق لم تأخذ من اهتمام المؤلف إلا عشر صفحات, ضاع نصفها على الحديث عن حضارة الإغريق, وتاريخ فتوحات الإسكندر المقدوني (ولست أدري ما علاقة الإسكندر بالديانة الإغريقية!!), ثم امتد الحديث ليشمل الفلاسفة اليونان من أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو, ومؤلفاتهم, حيث يحار القارئ أهو يقرأ فعلا في أطلس للأديان أم في أطلس تاريخي أم في تاريخ الفلسفة) فإنني ألفت أخي السائل إلى أن عنوان الكتاب (أطلس الأديان) ثم في الصفحة الثانية للكتاب جاءت صفحة فارغة كتب عليها (تاريخ عقائد انتشار) أي أن الكتاب يقدم الأديان بخلفية تاريخية وبعرض جغرافي (انتشار وتوزيع) على أرض الواقع فكان لا بد من التمازج بين هذه العلوم الثلاثة لتتضح الصورة ويبين المقصود. ومهما يكن من أمر فإن هذا العمل يظل عملاً بشرياً يقبل الصواب والخطأ ! قال الناظم:
قل لمن يدعي في العلم معرفة
عرفت شيئاً وغابت عنك أشياء