9مؤلفين وكتاب . . كتابة جديدة لتاريخ حرب 1948
الإفراج عن عدد ضخم من الوثائق الإسرائيلية السرية, التي تضم 95 في المائة من محاضر اجتماعات مجلس الوزراء الإسرائيلي بين 1948 و1953, وعددا ضخما من وثائق محفوظات الهاجانا في تل أبيب, ووثائق الجيش ووزارة الدفاع الإسرائيلية.. أتاح للباحثين فرصة لا تقدر بثمن لإعادة دراسة وتقييم وكتابة تاريخ حرب 1948 التي غيرت ملامح المنطقة والعالم العربي بأكمله.
والكتاب الذي أنجز بتضافر جهود تسعة من الباحثين المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط, يصور بدقة الوضع السياسي والعسكري في الدول العربية التي شاركت في الحرب, وهو يعيد تشكيل ملامح مفاجئة ومحبطة في الغالب لشخصيات عربية قيادية أدرجها التاريخ الرسمي في لوحات الشرف, في حين أن الحقيقة المدعومة بالوثائق, هي التهافت المرضي على السلطة, وغياب الحد الأدنى من النضج السياسي والاستراتيجي لإقامة وإدارة تحالفات جدية بين العرب لمواجهة الخطر الأساسي أولا, فكان أن حلت الكارثة وحدثت نكبة 1948 برعاية غير رسمية من التناحر العربي الذي بلغ حدودا لا تصدق إلى حد القبول بالسيطرة الإسرائيلية على الأراضي العربية مقابل الحد من نفوذ هذا الحليف العربي أو ذاك في المنطقة.
الأرشيف الإسرائيلي كشف كذلك عن حقائق مثيرة فيما يتعلق بحجم المعسكرين المتصارعين في حرب 1948 التي تم تصويرها في السابق كصراع بين أقلية من الميليشيات اليهودية وخمسة جيوش عربية تفوقها بكثير بالعدد والعتاد, وجاءت الأرقام الجديدة لتقلب الصورة تماما فيما يتعلق بالميزان العسكري, فقد كان مجموع الجنود العرب النظاميين وغير النظاميين الذين شاركوا منذ بداية حرب 1948, 25 ألف جندي, مقابل 35 ألفا في المعسكر الإسرائيلي, وبحلول تموز (يوليو) 1948, بلغ الرجال تحت السلاح الذين جندهم الإسرائيليون 63 ألف رجل, وارتفع هذا الرقم مع حلول كانون الأول (ديسمبر) إلى 96 ألفا.. وفي المقابل عززت الدول العربية جيوشها لكنها لم تصل أبدا إلى هذا المعدل في الزيادة.
ومن المسائل المعقدة التي طرحت من خلال الكتاب, قضية تعاطي إسرائيل مع الأقليات الدينية والاتنية في فلسطين, حيث أشارت تقرير الاستخبارات ووزارة الدفاع الإسرائيلية إلى وجود مخطط لاستيعاب وفصل هذه الأقليات عن محيطها العربي لتحييدها أو إلحاقها مباشرة بالمعسكر الصهيوني, وقد قدمت ليلى بارسونز, مداخلة قيمة بعنوان "الدروز وولادة إسرائيل", تطرقت من خلالها إلى إشكالية تعاون بعض الزعماء المحليين للطائفة الدرزية مع الحكومة الإسرائيلية, الذي بلغ حد التواطؤ لتسهيل اختراق الجيش الإسرائيلي للدفاعات العربية والالتفاف على المقاتلين العرب من الخلف لحسم المعركة بشكل سريع. ومضى بعض هؤلاء الزعماء أبعد من ذلك بكثير إلى حد فبركة تاريخ ديني مشترك يجمع الديانتين الدرزية واليهودية ويربطهما برباط الدم بدءا منذ عهد النبي موسى عليه السلام.
أما القيادات العسكرية العربية فقد غرقت منذ البداية في صراعات لا تنتهي, وتكشف البيانات والوثائق عن لقاءات جمعت بين بعض الضباط العرب مع نظرائهم من الجيش الإسرائيلي, فقد فضل القاوقجي زعيم جيش الإنقاذ العربي بعد لقائه بـ (يوش بالمون) أحد كبار ضباط الهاجانا, الوقوف متفرجا على القوات الفلسطينية بقيادة عبد القادر الحسيني وهي تدمر على يد اليهود دون تدخل مباشر أو حتى إمداد بالذخيرة المتوافرة في معسكره مما تسبب في وقوع معركة كارثية انتهت بتدمير القوات الفلسطينية ومقتل الحسيني!!.
كتاب "الحرب من أجل فلسطين" من أهم الكتب المترجمة إلى اللغة العربية وأكثرها إدهاشاً.