أوبك بحاجة إلى مهمة بديلة لكي تبقى
على "أوبك" أن تدرك أن توازن السوق النفطية لم يعد ممكنا تحقيقه من خلال قيام "أوبك" بتقييد المعروض منه كما كان سابقا، فالسوق لم تعد في حاجة لمن يقوم بهذا الدور، وأن توازن السوق يتطلب الآن بدلا عن ذلك قيام "أوبك" بدور فاعل في تقييد الطلب.
تبدأ اليوم القمة الثالثة لدول منظمة أوبك في وقت اقتربت فيه أسعار النفط الخام من اختراق حاجز الـ 100 دولار للبرميل، بعد أن ارتفعت الأسعار في آخر ثلاثة أشهر فقط ما يقارب 30 دولارا للبرميل. ومنظمة أوبك أنشئت في عام 1960 لتعنى بحماية مصالح الدول المصدرة للنفط في وجه هيمنة واستغلال شركات النفط العالمية التي كانت تمتلك امتيازات إنتاج النفط في تلك الدول. وبعد أزمة النفط الأولى عام 1973 أصبح مناط بهذه المنظمة أيضا مسؤولية تحقيق توازن السوق النفطية، من خلال ضمان تدفق النفط إلى الدول المستهلكة وفق معدلات تتناسب مع حجم الطلب عليه تجنبا لتدهور أسعاره، حيث إن هناك ميلا طبيعيا لهذه السوق للانجراف في موجات ارتفاع وانخفاض حادة في الأسعار ما لم تتول جهة ما حفظ توازن العرض والطلب في هذه السوق، وهي المهمة التي ورثتها "أوبك" من شركات النفط العالمية، من خلال قيامها بدور المنتج المتمم لما يتم تأمينه من نفط من الدول المنتجة خارج المنظمة.
الآن وبعد سيطرة الدول المصدرة للنفط على مواردها النفطية من خلال شركاتها الوطنية وبالتالي انتفاء المبرر الأساس الذي كان سببا في قيام المنظمة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه حاليا هو: هل ما زالت هناك حاجة إلى مَن يقوم بدور "أوبك" التقليدي المتمثل في مهمة حفظ توازن العرض والطلب في السوق النفطية من خلال تقييد العرض بما يتناسب مع حجم الطلب، تجنبا لحدوث فائض يتسبب في تدهور الأسعار؟ قبل أن نجيب عن هذا التساؤل، علينا إدراك حقيقة في غاية الأهمية، وهي حدوث تغير هيكلي هائل في السوق النفطية بدأت معالمه تظهر بوضوح منذ عام 2003، يتمثل في نمو مستمر في الطلب على النفط مع صعوبة متزايدة تواجهها الدول المنتجة للنفط في تلبيته، بحيث إن كل الدول المنتجة للنفط في العالم، فيما عدا السعودية تقريبا، تنتج حاليا عند أو قرب طاقتها الإنتاجية القصوى، ما تسبب في ضغط مستمر على الأسعار للارتفاع، دون أن يترتب على ذلك تراجع في الطلب، كما كان يحدث في مرات عديدة سابقة ارتفعت أسعار النفط الخام فيها بحدة.
ما يعني أن السوق النفطية حاليا مختلفة تماما عنها قبل هذا التغير الهيكلي، وأن الدور التقليدي لمنظمة "أوبك" المتمثل في حفظ توازن السوق من خلال تقييد العرض قد يكون انتهى وإلى الأبد، بحيث لا يتوقع أن يأتي اليوم الذي تجد فيه الدول المصدرة للنفط أنها بحاجة لتقييد إنتاجها حفاظا على أسعار النفط من الانهيار كما كان يحدث في السوق النفطية سابقا، وأن أي انخفاض في أسعار النفط سيكون على الأرجح مؤقتا جدا، وسيترتب عليه لاحقا ارتفاع أكثر حدة، والاقتصاد العالمي يبدو الآن مهدد بأزمة الرهن العقاري الأمريكية أكثر بكثير من تهديده بسبب تضاعف أسعار النفط الخام عدة مرات في أقل من أربع سنوات. ما يجعل "أوبك" في حاجة ماسة إلى البحث عن مهمة بديلة تحافظ بها على أهميتها في سوق الطاقة العالمي، بعد تراجع الحاجة إلى دورها كمنتج متمم يتولى مسؤولية ضبط توازن السوق النفطية. ولعل تراجع فاعلية هذا الدور يتضح من تجاهل السوق النفطية في الفترة الأخيرة قرارات المنظمة الإنتاجية، ومحدودية تأثيرها في معدلات الأسعار، كونها في معظم الأحيان قرارات بتغيير حصص إنتاج أعضاء ينتج معظمهم وفق معدلات تزيد كثيرا عما خصص لهم، وهم مقيدون في الغالب بطاقتهم الإنتاجية القصوى أكثر من تقييدهم بحصص الإنتاج التي حددتها لهم المنظمة.
إن أهم دور يمكن أن تقوم به "أوبك" في المرحلة المقبلة هو أن تسهم بفاعلية في مساعدة العالم على تخطي أزمة الطاقة القادمة التي بدأت مؤشراتها في الوضوح والتجلي، نتيجة تراجع قدرة الدول المنتجة على إنتاج ما يكفي من النفط لتلبية الطلب المتنامي، يدل على ذلك استمرار نمو الطلب على النفط رغم الارتفاع الكبير في الأسعار. وعلى "أوبك" أن تدرك أن توازن السوق النفطية لم يعد ممكنا تحقيقه من خلال قيام "أوبك" بتقييد المعروض منه كما كان سابقا، فالسوق لم تعد في حاجة لمن يقوم بهذا الدور، وأن توازن السوق يتطلب الآن بدلا عن ذلك قيام "أوبك" بدور فاعل في تقييد الطلب، ما يحد من الضغط عليها لرفع إنتاجها ويساعد العالم على تأمين احتياجاته المستقبلية من الطاقة من مصادر أخرى بديلة. واستبدال "أوبك" مهمة تقييد العرض بمهمة تقييد الطلب يعني ضرورة تبني "أوبك" برنامجا يهدف إلى دعم وتشجيع جهود تطوير بدائل النفط، ورفع كفاءة استهلاكه، وتطوير التقنيات التي تسمح برفع نسبة الاستخراج من الحقول النفطية المنتجة أو المتوقفة عن الإنتاج حاليا، وأي جهود أخرى يمكن أن تسهم بفاعلية في الحد من نمو الطلب على النفط. وما لم تعن "أوبك" بهذا الدور، فلن يبقى لها من دور تلعبه في السوق النفطية، وستصبح هامشية التأثير في أسواق النفط العالمية، غير قادرة على خدمة مصالح أعضائها.
أكاديمي وكاتب اقتصادي