"أوبك" تبلور خططها لمقابلة احتياجات السوق النفطية حتى 2030

"أوبك" تبلور خططها لمقابلة احتياجات السوق النفطية حتى 2030

رغم أن سعر برميل النفط وصل إلى أعلى معدل له عبر التاريخ بالسعر الاسمي، بل وكاد يبلغ المستوى الذي حققه في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، مع الأخذ في الاعتبار عنصر التضخم، إلا أن حجم الإنفاق على مشاريع التوسعة في ميدان العمليات الأمامية والنهائية لمقابلة المتصاعد على الطاقة يلتهم جزءا كبيرا من هذه العائدات.
حجم الاستثمار والإنفاق المطلوب في هذا القطاع تحديدا يراوح بين 110 و450 مليارا للمشاريع المحددة التي هي على طريق الإنشاء، هذا إضافة إلى 230 مليار دولار لعمليات الصيانة والإحلال. النسبة الكبرى من هذه الاستثمارات ستكون من نصيب الدول الآسيوية والوحدات الجديدة في الصين على أساس أنها مناطق الاستهلاك الرئيسية.
وتأتي السعودية في المقدمة بما تضيفه إلى الطاقة الإنتاجية المتاحة لديها سنويا منذ عام 2004، عندما بدأت مشروعها لرفع الطاقة الإنتاجية المتاحة لديها، واستكملت حتى هذا العام إضافة 1.450 مليون برميل يوميا.
ووفقا لاستطلاع نشرته أخيرا صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فإن أسعار النفط العالية صحبت معها تحولات في الثروة النقدية. فالأرقام التي أوردتها تشير إلى أن المستهلكين يدفعون يوميا ما بين أربعة إلى خمسة مليارات دولارات إضافية زيادة على ما كانوا يدفعونه قبل خمس سنوات.
ويبقى السؤال إلى أي مدى يمكن لسعر البرميل أن يستقر على هذا المستوى؟ فالتوقعات تراوح بين تراجعه إلى 75 دولارا وربما تحوله في الاتجاه المعاكس إلى 120 دولارا، لكن من المؤكد ألا أحد يتوقع عودة سعر البرميل إلى 20 دولارا مثلا.
في تقريرها الصادر أخيرا عن وضع السوق العالمي وتقديرات العرض والطلب على النفط حتى عام 2030، قالت منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" إنه استنادا إلى أن معدل النمو الاقتصادي يمكن أن يكون في حدود 3.5 في المائة سنويا، فإن الأسعار يمكن أن تراوح بين 50 و60 دولارا للبرميل، في الوقت الذي يرتفع فيه الطلب من 83 مليون برميل يوميا إلى 118 مليونا بحلول عام 2030، بافتراض عدم حدوث تطورات غير محسوبة. وهذا التفاوت في التقديرات يشير إلى حجم المشكلة. ويضاف إلى هذا عامل الزيادة السكانية، إذ يتوقع لعدد سكان العالم أن يرتفع من 6.4 مليار نسمة عام 2005 إلى 8.2 مليار في 2030، أي بزيادة 1.7 مليار نسمة في نحو ربع قرن من الزمان، سينضمون إلى قائمة المستهلكين.
ومع أن سعر البرميل لم يصل بعد إلى 100 دولار وظل يتذبذب في إطار التسعينيات، إلا أن الكثير من المحللين يرون أنه خلال فترة السنوات الأربع الماضية، فإن السعر وصل إلى قمة لن يتراجع عنها، وهو ما يظهر في تعليق لأستاذ الاقتصاد كينيث روجوف من جامعة هارفارد، أن الأسعار لا تقفز، وإنما هي ترتفع فقط، وهو ما يعكس من ناحية عامل التهيؤ النفسي للسوق تجاه الأسعار.
فالدول الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، التي تستهلك 60 في المائة من الطلب العالمي، يتوقع لها أن تشهد نموا في حدود أربعة ملايين برميل يوميا إضافية إلى 53 مليونا. أما الدول النامية فسيتضاعف استهلاكها من 29 مليون برميل إلى 58 مليونا، بينما الدول الآسيوية يمكن أن تضيف 20 مليونا.
قطاع النقل سيشكل المستهلك الأكبر للنفط خاصة مع توقع ارتفاع عدد السيارات من 700 مليون إلى 1.2 مليار سيارة. ووفقا للمسح الذي أجرته الجمعية الجيولوجية الأمريكية فإن حجم الاحتياطيات تضاعف منذ مطلع الثمانينيات، بينما الإنتاج المتراكم خلال هذه الفترة كان أقل من ثلث الزيادة، وهو ما يعود إلى التطورات التقنية بصورة رئيسية وتحسن وسائل الاسترجاع في الحقول.
في جانب الإمدادات، فإن تقرير "أوبك" أشار إلى أن إسهام المنتجين خارجها في الإمدادات قد يستقر عند 48 مليون برميل يوميا قبل أن يتدهور في عام 2020، ولو أن مناطق كالبرازيل والجمهوريات السوفياتية السابقة ودول بحر قزوين التي ستعوض عن بدايات التراجع، إذ سيتصاعد إنتاجها بأكثر من الضعف إلى 5.2 ملايين برميل في 2030. فروسيا مثلا، التي سيتصاعد إنتاجها إلى 11 مليون برميل يوميا في 2015، وهي في الوقت الحالي ثاني أكبر منتج ومصدر للنفط، سيستقر حجم إنتاجها عند ذلك المستوى حتى نهاية العقد الثالث من هذا القرن، أما المكسيك، وهي منتج قديم، فسيشهد إنتاجها استقرارا عند مستوى 3.8 مليون برميل يوميا حتى عام 2010، وبعدها يبدأ التراجع إلى أقل من ثلاثة ملايين برميل في 2030.
من الجانب الآخر، فإنه في مجال التكرير، فإن أكثر من سبعة ملايين برميل يوميا من الطاقة الجديدة من 14 مليونا من المشاريع الجديدة ستضاف في غضون خمس سنوات، وأن 70 في المائة منها سيكون في دول منطقة الشرق الأوسط، آسيا، والباسفيكي.
تحولات الثروة التي أشار إليها استطلاع صحيفة "واشنطن بوست" ليست الأولى من نوعها. فعقب الصدمة النفطية الأولى في عقد السبعينيات برزت عبارة إعادة تدوير البترودولارات، أو الفوائض النفطية، سواء في الدول المتقدمة عبر العديد من الوسائل الاستثمارية أو ضخ سيولة في المؤسسات المالية والتنموية، سواء القائمة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أو إيجاد مؤسسات جديدة مثل صندوق "أوبك" والصندوق الاقتصادي للتنمية في إفريقيا وذلك لمعاونتها على مقابلة التكاليف المرتفعة لفاتورة استيراد النفط. هذه المرة، فإن الدول النفطية تتحرك على جبهتين: تحسين أوضاع أداء اقتصاداتها والاستفادة من التجارب التي مرت بها، خاصة وقد تعودت على نوع من الإنفاق العالي بسبب النمو السكاني على الأقل. كما أنها تضخ جزءا كبيرا من هذه السيولة الفائضة على مشاريع توسعة مشاريع الطاقة الإنتاجية والتعويض عن معدلات التضخم وضعف الدولار المتزايدة.
ويبقى قلقلها الكبير متمثلا في احتمال حدوث تراجع في الطلب مثلما تنبئ بعض الإشارات في الوقت الحالي، وهو ما يجعل من تلك الاستثمارات ذات طبيعة خطرة، إذ ليست هناك سوق مضمونة فيما يتعلق باستمرارية الطلب، وهو ما يوضح من جهة أخرى عظم المسؤولية التي يضطلع بها المنتجون.

الأكثر قراءة