الطفرة والإصلاح الإداري
مما لا شك فيه أن بلادنا تشهد فترة انتعاش اقتصادي ضخمة تتمثل في ضخامة الإنفاق الحكومي على المشاريع والبرامج التنموية، ومن ذلك الاعتمادات الهائلة في الميزانية المعتمدة أو من خلال البرامج المحددة مثل برامج خادم الحرمين لتطوير التعليم، وتطوير القضاء وغيرها. وعلى الرغم من أهمية هذه المشاريع وضرورتها الملحة إلا أن ضخامة هذه الاعتمادات وتعددها تتطلب إدارة ذات كفاءة وفاعلية لتحقق هذه المشاريع أهدافها التنموية.
إن الواقع التنموي الذي تشهده الدولة هذه السنوات في ظل أنظمة مالية مركزية ولوائح صرف تهتم بالشكل لا المضمون ونظام لا يُحاسب ولا يُكافئ سيؤدي لا محالة إلى مخالفات وتجاوزات مقصودة وغير مقصودة ممن يقوم على تطبيق هذه الأنظمة واللوائح. وبالتالي فإن ما كشف عنه تقرير ديوان المراقبة العامة أخيراً ليس إلا القليل فماذا تعني 16.7 مليون ريال كعُهد مالية غير مسددة ... وهل هو صحيح أن بقاء هذه العُهد "يحرم الخزانة العامة من أموال كبيرة، يمكن توجيهها لمشاريع تنموية" كما يذكر تقرير الديوان؟ ومع تقديرنا الكامل لجهود الديوان إلا أنه كما يقول المثل الشعبي "في الفخ أكبر من العصفور". ومع ذلك فإن الضجة الإعلامية التي أحدثها التقرير مما يُفرح به ومما يدل في الوقت نفسه على الرغبة القوية لدى القيادة العليا في الإصلاح بشتى صوره وأشكاله. وفي الوقت نفسه فإن توقيت التقرير مع بداية السنة المالية الجديدة ومرور عام تقريباً على التشكيلة الوزارية الأخيرة ليحمل في طياته عدة أمور في غاية الأهمية.
الأمر الأول: وهو ضرورة تفعيل ما ذكره خادم الحرمين للوزراء عند أداء القسم من ضرورة وضع خطة لكل وزارة. فهل يتم الإفصاح عن ملامح تلك الخطط؟ وهل سيتم استخدام هذه الخطط في تقويم الأداء؟ إنه من الضروري أن يتم ربط الاعتمادات المالية بأهداف واضحة يمكن قياسها وتتبعها لمعرفة الإنجازات وتقويم الأداء تبعاً لذلك. فالقاعدة الإدارية تقول "إن ما لا يمكن قياسه، لا يمكن إدارته".
الأمر الثاني: كشف التقرير عن عدم الالتزام بالأنظمة والتعليمات المالية لبعض الجهات، فما هي النتيجة لعدم الالتزام؟ أعتقد أن المحاسبة والمساءلة هي الوسيلة الوحيدة للالتزام بالنظام. الأمر الثالث: وهو ما لا تستطيع "الرقابة المالية السابقة" لدى وزارة المالية ولا "الرقابة المالية اللاحقة" لدى ديوان المراقبة من السيطرة عليه، ألا وهي المبالغة في الإنفاق من حيث قيم المشاريع مقارنة بالدول الأخرى ومن حيث أولويات الإنفاق.
الأمر الرابع: أن المسألة هي بالدرجة الأولى تتعلق بالتخطيط وليس التنفيذ فالقضايا التنموية أصبحت تناقش بمعزل عن التخطيط الكلي مما خلق حالة من الإرباك للقائمين على التنفيذ، فكلما هدأت مشكلة ظهرت مشكلة أخرى. لذا فإن الضخامة المالية للمشاريع التنموية تتطلب جهداً هائلا من الجهات الحكومية ذات العلاقة لإنجاحها وتشغيلها بكفاءة. وهذا يعني ضرورة توافر المقومات الثلاثة الرئيسية لتحقيق أهداف هذه المشاريع التنموية، وهذه المقومات هي: وجود الرؤية الواضحة، والإرادة السياسية الجادة، والكفاءة الإدارية لتنفيذ هذه التنمية.