رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الدور غير الاقتصادي لسوقنا المالية

المفترض أن سوق المال آلية لتوفير التمويل للتوسع في الطاقات الإنتاجية، وبالتالي فهي داعم قوي لبناء قدرات اقتصادية متميزة تسهم في فتح فرص عمل وفي تنويع القاعدة الاقتصادية ومخرجاتها في الوقت نفسه.
والمفترض أيضا أن السوق على هذا النحو وبهذه الصفة لا تتسع صدرها إلا لتلك الشركات والكيانات الاقتصادية المالكة لشخصيتها الاعتبارية هيكلة إدارية ومركزا ماليا وإنتاجا أو أن تكون جدواها الاقتصادية المستقبلية مما لا تدانيه شكوك وأنها مبنية على حقائق ملموسة وعلى دراسات موضوعية علمية صرفة.
ولكون هذين الفرضين أساسيين في أي سوق مالية، بل هما القوام والسبب لوجود السوق المالية، يتعين علينا أن نتفحص ذلك في سوقنا المحلية، ليس من حيث نوع الشركات ووزنها في السوق (فهذا حديث يطول)، وإنما من خلال أداء هذه السوق في عمرها الزمني القصير الذي أسفر حتى الآن عن انهيارات لا تتناسب مع ما ينبغي أن يكون عليه وضعها من امتياز لكونها محدودة الحجم تسهل إدارتها ولكونها في الوقت نفسه تتوافر على قدر هائل من السيولة لا يتمتع بمثلها كل أسواق المنطقة.. وهكذا عوضا عن أن يصبح هذا الوضع مكمن قوة لها فقد ترك عرضة للغارات (اللوبية) ولهبوب رياح المضاربين من كل حدب وصوب.
وما دام قد تعذر إمكانية امتحان مدى وفاء السوق في الإسهام الفعلي في التمويل أو حدوث التوسع في الطاقات الإنتاجية (رغم ما يهطل من اكتتابات جديدة أو ما يُعاد طرحه من أسهم بعد إعلان هذه الشركة أو تلك عن مسعى لزيادة رأسمالها) فإنه لا يمكن قراءة ما حدث ويحدث لسوقنا سوى كونه ضخ أموال تتسرب من أيادي متوسطي وصغار المساهمين إلى المحافظ الفلكية، وما زالت اللعبة مستمرة، فلا التمويل يبدو له أثر في تلك الشركات القائمة على أرض الواقع أو تلك التي ستقوم، ولا الوزن الاقتصادي لكل هذه الشركات قابل للقياس من خلال المؤشر، فقد اتضح من خلال التجربة أن لا علاقة لصعود الأسهم أو هبوطها بالقيمة الحقيقية لتلك الشركات.. وأن الأرقام في الحالتين دائما مضللة، وبالتالي لا سبيل لمعرفة الجدوى الاقتصادية لسوقنا من خلال تلك الفرضيتين.
ولأن الأمر كذلك، وأن هناك "أكيداً" واحداً متفقاً عليه وهو أن الخاسرين في هذه السوق هم جمهور غفير من متوسطي وصغار المستثمرين، وأن الرابحين قلة من ذوي المحافظ الفلكية .. فنحن ـ في هذه الحالة ـ أمام رؤيتين جديدتين للتكهن بالجدوى الاقتصادية لسوقنا المالية: رؤية أولى تراها كارثية لأنها أفقدت السواد الأعظم أموالهم فلم يعد بوسعهم المشاركة في تفعيل الحراك الاقتصادي الوطني، جراء تدني أو انعدام قوتهم الشرائية، لذلك فسوقنا، وفقا لهذه الرؤية تقوم بدور غير اقتصادي في اقتصادنا الوطني، أما الرؤية الثانية فذات شقين: ففي حالة سلمنا جدلا أن أصحاب المحافظ الفلكية يستخدمون مدخراتها الضخمة في مشاريع اقتصادية وطنية، فالسؤال يبقى له من الشك نصيب كبير: إذ أين أثر هذه المشاريع؟ بل ما هي؟ ولو وافقنا على ما يُقال من أن أولئك يوجهون مدخرات محافظهم لمشاريع خارج الحدود أو يتركونها ودائع في البنوك، أو يستثمرونها في صناديق ومضاربات نوعية، فإننا نكون بذلك قد وصلنا إلى النتيجة السابقة، وهي أن سوقنا تقوم بدور غير اقتصادي في اقتصادنا الوطني، ما يعني أن سوقنا المالية (ومن أي الجهات أتيتها) لا جدوى اقتصادية لها.
ومربط الفرس في البرهان على كل ما سبق، أن سوقنا ما زالت مثابرة على المضي من انهيار إلى انهيار، إلى اكتتابات في اتجاه واحد .. وهكذا دواليك لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي