رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هيئة الإسكان وبداية مارثون الإسكان

بعد انتظار طال ظهرت إلى السطح هيئة الإسكان، وهو ما طالبت به من منبر هذه الجريدة ومنذ أكثر من عامين بإيجاد هيئة عليا للإسكان بعد أن ألغيت وزارة الإسكان. وهي هيئة قد تعتبر استمرارية لوزارة الإسكان السابقة. فهل سيتغير الحال؟ وهل سنرى النور في نفق الإسكان المظلم؟ وهل سنعترف أخيراَ بعلم التخطيط وأهميته في التنسيق بين الجهات المختلفة والمتشعبة التي يعنيها الإسكان. وهل نحن قادرون على تذليل التحديات التي تقف حائلاَ بين سد حاجة المواطن الإسكان وإمكانيات توفير الإسكان ليكون في متناول جميع شرائح المجتمع؟ الإسكان جزء مهم من سياسات الدول لأنه يمس حياة كل مواطن ويساعد على الاستقرار الاجتماعي والسياسي وأثره في التنمية الحضرية والاقتصادية للدولة.
وقد يعتقد المواطن العادي أن الهيئة هي التي ستشرع في بناء المساكن لتحل المشكلة. بيد أن الموضوع هو أكبر مما نتصوره وأن دورها سيكون محصورا في وضع السياسات والمقايسات والضوابط . فالهيئة وحدها لن تحل شيئا ولن تستطيع العمل بمفردها ما لم تتوافر لها جاهزية الحلقات المفقودة في عقد الإسكان وهي التي سبق أن طرحناها في المؤتمر السعودي للعقار في العام الماضي، التي ننتظر أن تكون ضمن القرارات التاريخية القادمة لمجلس الوزراء بعد الإسراع في نظام الرهن العقاري، وهي:
1- الإسراع في اعتماد كود البناء السعودي والذي تأخر أكثر مما يجب.
2- الإسراع في اعتماد نظام التسجيل العيني للعقار لحل مشاكل ازدواجية الصكوك.
3- نظام وقانون لحماية المستثمر العقاري ممن لا يدفعون العقار ولا يمكن إخلاءهم من العقار. والذي يجعل المستثمرين يحجمون عن بناء المساكن.
4- الإسراع في إنشاء هيئة لأبحاث ودراسات الإسكان والبحث العلمي المتخصص في الإسكان.
5- الإسراع في إنشاء بنك للمعلومات العقارية والإسكانية وعلاقتها بالخصائص السكانية والديموجرافية والمعلومات الهندسية.
6- وضع مخططات شاملة للمدن تعتمد أسلوب الأحياء المتكاملة من الخدمات وتخصيص أجزاء منها لتكون بأسعار ميسرة للمواطنين.
7- تحديث نظام الصندوق العقاري والرفع من قدراته ليشارك مع بعض البنوك المحلية لمضاعفة قيمة القرض الحالي وهو و300 ألف ريال والذي يعجز عن توفير المسكن. وأن يتم أيضا زيادة القرض ليشمل قيمة الأرض (أرض وقرض).
8- إنشاء شركة عقارية مساهمة متخصصة في بناء المساكن وبكميات كبيرة في مواقع مختلفة من مدن المملكة، وأن تقوم هي بتطوير الأراضي وتوفير الخدمات ثم البناء عليها لأحياء متكاملة. ومن ثم توزيعها على المحتاجين وفق قروض ميسرة.
9- إعداد دراسة لعدد السكان لكل شريحة من شرائح الطلب على الإسكان. كم عدد محدودي ومتوسطي الدخل الذين نحاول أن نسدد ونلبي رغباتهم حالياَ ومستقبلياَ؟
10- تحديد مواصفات قياسية موحدة لمواصفات البناء وبحيث تكون مقاسات الأبواب والنوافذ والمقابس والوحدات الميكانيكية والصحية وحتى الحوائط والأسقف، وغيرها موحدة وبذلك يسهل ويرخص توفيرها، مما يقلل تكلفة البناء.
11- دراسات لأفضل الأنظمة الإنشائية ومواد البناء بأسعار مقدور عليها.

أرى أن الهيئة هي بداية المارثون الطويل الذي لن تجتازه دون توفير تلك الآليات التي تكفل لها العبور. فالإسكان موضوع كبير ومتشعب ويضم تحته مجموعة من الجهات الخدمية والعدلية والتنظيمية والمالية والاجتماعية.
والآن بعد إقرار هيئة الإسكان هل سنرى حلول مدروسة للإسكان وهمومه والتي هي الشغل الشاغل لمعظم دول العالم وتقوم عليه هيئات دولية مثل البنك الدولي ومؤسسات الإسكان وفي معظم دول العالم له هيئاته مثل الهيئة الفيدرالية للإسكان والتطوير العمراني HUD في الولايات المتحدة أو هابتات وغيرها من الهيئات في أوروبا.
لقد طالعتنا الصحف قبل أشهر بقرار الرئيس البريطاني الجديد جوردن براون بخطة لمواجهة غلاء المساكن بضخ أكثر من 50 مليار ريال حتى عام 2011م لبناء مساكن لمحدودي الدخل في بريطانيا. واقترح وزير الإسكان بناء 45 مدينة جديدة لبناء 70 ألف منزل متواضع. والبرنامج يهدف إلى توفير مليوني مسكن في عام 2016م.
 ولأهمية الإسكان ودوره في استقرار المواطن فلعلنا نستفيد من عرض لعدد الأجهزة أو الشركات التي تقوم بحل مشكلة الإسكان في أكثر الدول تقدماَ في هذا المجال وهي الولايات المتحدة والتي يتكون الجهاز الهيكلي لحل المشكلة من أربع شركات كل منها له دور مختلف ومهم. وهي شركة فاني مي Fannie Mae وإدارة الإسكان الفيدراليFHA تحت مظلة الهيئة الفيدرالية للإسكان والتطوير التي تقوم بأبحاث عن حلول للإسكان وكيفية جعله سهلا وفي متناول الجميع. ثم شركة فريدي ماك Freddie Mac. هذا عوضاَ عن دور البنوك والهيئات الأخرى في القطاع الخاص.
 وشركة فاني مي هي شركة خاصة لتمويل الإسكان وتتداول في سوق الأسهم منذ عام 1930م. وهي أكبر مؤسسة خدمات مالية للإسكان غير بنكية في العالم. وتعمل تحت مراسيم فيدرالية (حكومية) وقد وفرت خلال الـ 30 سنة الماضية أكثر من ثمانية تريليونات ريال واستفاد منها أكثر من 30 مليون عائلة. بينما تقوم إدارة الإسكان الفيدرالي بالتأمين فقط على قروض التمويل التي يقوم بها الممولون من القطاع الخاص. وهي بذلك تضع المقاييس والأنظمة للبناء ولكنها لا تقرض أو تمول أو تطور أو تبني مساكن. وأخيراَ مؤسسة فريدي ماك وهي تعمل بمراسيم من الكونجرس وتهدف إلى التأكد من ضخ السيولة في السوق لممولي المساكن بدعم القروض بضمانات حكومية وتوفير وسائل أفضل للتمويل.
 ونلاحظ مما سبق أن هناك أربعة أدوار هيكلية أو مؤسسات مختلفة يجب أن تتواجد لحل مشكلة الإسكان. الأول خدمات مالية للتمويل والثاني تأمين على القروض والثالث ضخ السيولة ودعم القروض. بينما الرابع وهي الأم تقوم الدولة بتمويلها للبحث والتطوير لحل مشاكل الإسكان وتخفيض تكلفة البناء وتوعية المواطنين إلى التعاون معها لحل المشكلة.
وهي هيئات تقوم بوضع السياسات والبرامج التوعوية والمالية لمساعدة المواطنين بمختلف شرائحهم خاصة الشرائح المحدودة الدخل للحصول على سكن مناسب ومتوافق مع ميزانيتهم. كما تقوم بتوفير المنح للبحث والتطوير لنماذج البناء ومواده وكود للبناء. ومراقبة المخزون الحالي بالزيادة السكانية المستقبلية والتنبؤ بالأزمات. وله صناديقه المختلفة للتمويل والرهن والقروض وعلاقتها بسعر الفائدة والسوق المالية.
ويلاحظ أن الدولة لا تتدخل في عملية البناء الفعلي للمساكن بل تترك ذلك للقطاع الخاص من خلال اتحادات وتكتلات عقارية فقط والذي لا يقتصر على الإسكان بل يقوم بتلبية الطلب على مشاريع أخرى مكتبية وتجارية وصناعية وسياحية وترفيهية ويكون محركها وموجهها ودافعها الربح فقط.
 وكما أشرت في مقال سابق أن حل مشكلة الإسكان من زحل والعقار من المريخ فمن شبه المستحيل أن تجد عقارياَ يهمه حل مشاكل الإسكان وإن تظاهر بذلك، فلن تجد أحدهم يهتم بذوي الدخل المحدود أو الفقراء أو أي مشروع لتنمية الوطن إلا إذا كان مربحاَ له استثمارياَ. لذلك فإنه من المستحيل أن يقوم العقاريون أو المؤسسة العامة للتقاعد بحل مشاكل الإسكان للفقراء أو المحتاجين حيث إن برامح الإسكان الموجهة لتلك الشريحة عادة تحتاج إلى دعم حكومي.
 ومن هذا المنطلق فإنني أعتقد أن الهيئة يجب أن يقوم عليها مؤهلون لديهم خبرة سابقة في مشاريع الإسكان وسياساته. وأن تستفيد من التجارب العالمية وتوظيف قدرات مؤهلة في مجال الإسكان والبحث العلمي وتخفيض تكلفة البناء وأنظمته ومواده ولتخطط لحل مشاكل الإسكان على غرار آخر ما توصلت إليه الدول التي سبقتنا في هذا المجال. وأن تحاول الاستعانة بتلك المؤسسات وبعض خبرائها في برنامج تعاوني لتدريب وتوظيف مواطنين على الاستفادة من البحث والتطوير، وأن يوظفوا كفاءات لمناقشة الموضوع لديها الخبرة الجيدة في مجال وتخصص الإسكان ومختصين لديهم خبرة سابقة وبحوث في هذا المجال أو أن يتم التعاون مع من سبقونا فيه. بدلاَ من إقحام مجموعة من الوزراء الذين لديهم من المشاغل والواجبات والاستقبالات والمناسبات ما يشغلهم عن هذا الموضوع الحيوي المهم. كما أنهم سبق أن عايشوا المشكلة ولم يتمكنوا من حلها. والتمويل والأموال موجودة فما العذر؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي