دول الخليج .. بين النمو الاقتصادي والتضخم

[email protected]

في تقرير أوردته "الاقتصادية"، قام الزميل حسن العالي في العدد الصادر بتاريخ 19/1/2008 بقراءة لتقرير معهد التمويل الدولي الذي يسلط الضوء على توقعات الأداء والنمو الاقتصادي لدول الخليج، أداء الاقتصاد العالمي، أداء النفط والمواد الخام، التضخم العالمي، والاستثمارات المباشرة. وبناء على قراءة التقرير، فمن المتوقع أن تحقق دول الخليج في العام الحالي مجتمعة نمواً يبلغ نحو 8 في المائة مقارنة بنحو 6.2 في المائة عام 2007، على أن تحتل دولة قطر المرتبة الأولى في النمو حسب توقعات المعهد بنحو 13.2 في المائة، تليها الإمارات بنمو متوقع يبلغ 9 في المائة، عمان 8 في المائة، السعودية 7.1 في المائة، البحرين 6 في المائة، والكويت 4.9 في المائة. كما اعتبر التقرير أن محرك النمو السريع لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي هو توقعات أسعار النفط في الدرجة الأولى خلال عام 2008 والمتوقع لها التراجع عن أسعار 2007 مع الحفاظ على متوسط سعري مرتفع يسهم في النمو الاقتصادي المتوقع. وبجانب توقعات النمو الاقتصادي المثيرة للإعجاب، إلا أن توقعات التضخم في الربع الأول من العام الحالي لمنطقة الخليج وتبعاً لتقديرات معهد التمويل الدولي فستبلغ نحو 8 في المائة. كما توقع التقرير ارتفاع الضغوط التضخمية على دول الخليج بما يجعلها تعيد النظر في سياسة أسعار الصرف الحالية.
ومع الأخذ في الاعتبار كون مقياس الأداء الاعتماد على المقارنات، فقد توقع معهد التمويل الدولي بلوغ نمو الاقتصاد العالمي نحو 3.1 في المائة في عام 2008 منخفضاً عن نمو العام الذي سبقه بنحو 0.4 في المائة، إضافة إلى انخفاض النمو المتوقع للصين بنحو 1 في المائة ليصل إلى نحو 10.5 في المائة في العام الحالي مقارنة بالعام الذي سبقه. فعلى الرغم من ارتفاع معدل النمو المتوقع في دول الخليج لهذا العام مقارنة بالعام السابق، إلا أن نمو الاقتصاد الصيني ما زال متفوقاً على نظيره الخليجي بالرغم من توقع تراجعه عن أداء العام الماضي، ولكن في الوقت ذاته يظل أداء اقتصادات الخليج وبعض الدول الناشئة الأخرى كالبرازيل، روسيا، الهند، والصين (دول البريك) متفوقاً بمراحل على متوسط نمو الاقتصاد العالمي.
من الواضح أن توقعات النمو المتواضعة للاقتصاد العالمي هذا العام مبنية على احتساب آثار أزمة الرهن العقاري الأمريكية التي ابتدأت في صيف 2007 ومازالت تداعياتها تفاجئ مجتمع الأعمال كل يوم بضحايا جدد، أم بخسائر أكبر لضحايا معروفين. إن أحد الأسباب الرئيسة في استمرار أزمة الرهن العقاري هو ارتفاع درجة التعقيد التي وصلت إليها الهندسة المالية ومنتجاتها التي أحدثت ثورة في مفاهيم المشاركة بتقسيم المخاطر على المستثمرين في قطاعات ومنتجات تمويلية مختلفة ليس الرهن العقاري إلا أحدها، حيث إن درجة التعقيد لمنتجات الاستثمار الخاص SIV المبنية على منتجات تقليدية كقروض الرهن العقاري تشكل منتجات استثمارية مركبة على منتجات استثمارية أخرى مهيكلة في النهاية تبعاً للقروض الممنوحة للمقترض، فإذا سقطت الحلقة الأولى متمثلة بالمقترض ضعيف الملاءة، انفرط العقد وبدأت المنتجات المبنية عليه في السقوط بعد ذلك، وهذا ما حدث.
إذن فالصورة الكبيرة للاقتصاد العالمي في العام الحالي تبعاً لتوقعات صندوق النقد الدولي تشتمل على نمو في الاقتصاديات النفطية بما فيها اقتصادات دول الخليج، نمو في دول البريك، وتراجع في الاقتصاد العالمي نتيجة لتراجع نمو اقتصادات الدول الصناعية بسبب تبعات أزمة الرهن العقاري التي طالت سوق الائتمان العالمي والثقة في الاقتصاد ككل، بجانب متغيرات أخرى. بيد أن النمو الاقتصادي في دول الخليج ودول البريك يعتمد بشكل كبير على أداء الاقتصاد العالمي الذي يحدد حجم الطلب على صادرات دول البريك بجانب نفط وبتروكيماويات الدول الخليجية، حيث أن صادرات الدول المتوقع لها النمو الاقتصادي في العام الحالي تعتمد في نهاية المطاف على نمو الاقتصاد العالمي وارتفاع حجم الطلب الكلي للمواد والسلع والمنتجات التي يتم تصديرها أو الإضافة إليها واستهلاكها. لذلك، فتوقعات معهد التمويل الدولي بتراجع نمو الاقتصاد الصيني بنحو 1 في المائة وتقدم نمو اقتصادات دول الخليج في العام الحالي مقارنة بالعام السابق على الرغم من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي طبيعية لارتفاع مرونة الطلب العالمي على السلع الصينية، وانخفاض مرونة الطلب على النفط ومنتجاته التي تعد من أهم مدخلات الإنتاج محدودة البدائل وأهم مكونات نمو الاقتصاديات الصناعية.
وختاماً، بالعودة إلى اقتصادات دول الخليج، فإن النمو الاقتصادي القوي المتوقع يجب ألا يؤخذ كمقياس نهائي مسلم به لمستوى الرفاه المطلوب، بل يجب إيلاء الاهتمام إلى المتغيرات الاقتصادية الكلية الأخرى الأساسية، حيث إن توقعات التضخم تسير في ارتفاع متواز لمعدلات النمو الاقتصادي. لذلك، فالنمو الاقتصادي الذي يجب أن يتم الركون إليه هو النمو الاقتصادي الحقيقي المستدام في أوقات تراجع الاقتصاد العالمي وأوقات ازدهاره، وليس النمو الاقتصادي الاسمي أو الوقتي، خصوصاً وأن النمو الاقتصادي الحقيقي يأخذ التضخم وارتفاع الأسعار في الحسبان، فلنبدأ بحساب توقعات النمو الحقيقي مع التساؤل عن استدامته ولنقارنه بمقياس للأداء تبعاً لمختلف السيناريوهات المتوقعة لأداء الاقتصاد العالمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي